هدَجت فتاة تصعد سلاليم عمارة الروايات بظليم هداج و خصلات شعرها كحلية تتراقص على العراء تناغما مع أوتار نسمات الليل الدجن، كانت ملامحها باهتة مفقرة من لمعان الحياة و جسدها واهن يتدحرج يُمنة يُسرة بعياء مثقل بأوزار كئيبة، كانت تصعد كل درجة بتريث و هوادة بينما ركائز نوافذ العمارة المهترئة تهتز هزا عاتيا بالعاصفة التي كانت تعصف بالخارج جاعلة من الأشجار تتضارب مع بعضها بصاخبة و عجيج. عيون خامدة بهُمودٌ مقترنة بروحها قاحلة من المشاعر فإنساب عليها مداد إعتامٌ بانجراف مُلطخا دواخلها للحد الذي جعلها تبدو بظلمة أناء الليل
تَدَرَّجَت خطواتها السلم و صرير رنينه يُشارك الجو سيمفونيته كئيبة، انتصبت في وقفة عياءة بأكتاف مُنسدلة بمذلة على طابق الثالث من العمارة الموحشة التي حكت عليها العَنْكبُوتات خيوط جحورها، تدحرجت مقلتيها فاحِمٌة على الأرجاء تُبصر تلك الشقق ذو أبواب خشبية رثة سَمِلة، فمشطت خطاها على أرضية لحائية برَيْثٌ حتى شد إنتباهها بابا قد تمركز في أخير رواق
مشت ناحيته حتى وقفت مقابله و حواجبها رفيعة إنعكفت في عقدة إستبهام و إستعجاب، لقد كان بابا مختلفا، فلم يكن معدنه الخشب الرذيل مبتذل، لا لقد كان الذهب، الذهب الخالص، أصفحت على قبضة يدها اليمنى التي كانت تقبض على ورقة مبيضة، فلاحت ببصيرتها تنظر إلى مكتوب تلك الورقة حتى تتأكد أنها في العنوان الصحيح، فتلولبت مقلتيها تقرأ بصمت ما كُتب على ظهر قصاصتها تارة و تارة ترفع عينيها ناحية ذلك النقش الذهبي الذي زين منتصف الباب حتى تتأكد ربما للمرة عشرين من شكها متوجس، فجزمت في قرارة نفسها أنها تنتصب أمام العنوان المراد به، لقد كُتب على ظهر الورقة «شارع جوجل عمارة روايات الواتباد، الطابق الثالث، شقة رواية اتاراكسيا »
مدت يدها تضغط على رنين الشقة منتظرة من أن تجيبها صاحبتها، رنة، رنتين، ثلاث رنات.....ما من مُجيب، تهجمت أركان ملامحها بعبوس و همت تدق على الباب بطرقات عالية شديدة ضَجَّة، لا تعلم كم المدة التي قضتها و هي ماكثة على ذلك الحال، ففينة ترن و فينة تدق بضوضاء، لكن توقفت لاهثة منحنية بصعدتها بتعب و الحنق و الإستياء قد ولى يستوطن أديمها شاحب، فأظلمت مستعمرات وجهها على سابق عهدها و كلوح ملامحها قد أوحى إلى أن الهالة الخبيثة بظلمات جحيم كُربها قد إنبثقت من مُهجها، فلاحت بخطواتها ترجع أدراجها بغضب و حزن متوقد بنيران احتراق روحها
و ما إن مدت أناملها لتفتح باب العمارة حتى تخرج منها دون رجعة حتى توقفت متصنمة في مكانها، فلم تدرك على نفسها إلا و هي تجدها واقفة مجددا أمام شقة أتراكسيا تُعيد طرق بابها بهمجية قد توغل إليها الترجي و الاستياء، الترجي من أن تُرفق بها صاحبة الشقة و تستقبلها، و الاستياء كون حتى هذا الباب قد أُغلق في وجهها قبل أن يُفتح حتى
و بضَنْك أَنَاخَت بجبهتها على الباب و دموعها قد انهمرت بغزارة المطر الذي يأبى على أن يستوكف، و بنبرة واهنة متثاقلة نبس فاهها "افتحي أرجوك، أرجوك افتحي"