¹

219 10 17
                                    

حركت ظلال الأشجار بأناقة برفقة هبوب الرياح الربيعية، لتتركَ أثرها على حيٍ سكنيٍ مغلق ومهجور من مالكيه، النبات تسلقَ جدرانه والأعشاب أخذت موقعًا مميزًا في ساحته الخارجية حيث نمت بين أطراف الرصيف وجعلت الحي يبدو أكثر كمكانٍ غيرِ قابلٍ للعيش، لذا لا عجبَ أن يكون فارغًا لا تُسمع به همسةُ انسان، إنما يغزوه صوت نباح لأحدِ الكلاب الضالة التي قررت أن يكون هذا الحي مسكنًا جديدًا لها، فتقدم إلى المدخلِ بقوائمه الأربعة ليشقَ طريقه نحو مدخلِ المبنى للاستحواذ عليه، لكنه ما لبث أن عاد أدراجه، فيوجد شخصٌ ما قد سبقهُ في استيطان الحي منذ وقتٍ طويل.

فتاةٌ جالسة بالأرجوحة المهترئة الموجودة بوسطِ الحي، نظرت بزاوية عينها إلى الكلبِ الذي دخل ثم خرجَ فورًا، وكانت ممتنة لذهابه فلم تكن تريد أن تتكفل بعناءِ طردِه، فتعودَ بأنظارها إلى السماء بينما تتركُ الرياح تؤرجحها ببطء، حيث تمكنت من الرجوعِ بأفكارها إلى أمورٍ لن يعلمها أحد.

"تعلمين أن حوض الرمال هذا مشبعٌ بمخلفات القطط؟"

باغت الفتاة صوتٌ مزعج أيقظها، وهي من كانت تظن أن الكلاب ستكون المشكلة الوحيدة التي قد تزعجها، ولذلك التفتت إلى الطفلِ الغريب الواقف خلف سورِ الحي ينظرُ بملل كبير لا يخفى عنه بعض الفضول.

نظرت الفتاة أسفلها حيث يوجد حوض الرمال، ويمكن وبوضوح معرفة أن القطط فعلت فعلتها به طوال العقود الفائتة، لكنها لم تأبه، فمخلفات القطط ليست مشكلتها التي لم تهتم لها لدرجة ألا تحسب لها حسابًا، إنما الطفلُ الذي يتدخل فيما لا يعنيه هو المعضلة المزعجة هنا.

"وهل تعلمُ أن قدومك إلى هنا يعني أنك تطلبُ من المجرمين أن يقوموا باختطافك؟"

ارتعش جسدُ الصغير وكأنه أدركَ ما قالته للتو، فتشبث بحقيبته المدرسية الموجودة على ظهره أكثر، ثم أنكس رأسه أرضًا فابتسمت الفتاة في خاطرها، لابد أنه سيغادرُ خوفًا الآن.. لكنه لم يفعل، إنما رفعَ رأسه بقلقٍ ثم تقدم إلى مدخلِ الحيّ المهترئ، وحرك الباب الصدء قليلا فصدى عنه صوتُ صرير يؤلم الآذان، ثم وبقدميه القصيرتين شقّ طريقه للداخل بين الأعشاب والحجارة والأوساخ أرضًا حتى وصلَ أمام حوض الرمال حيث لم يجرؤ على الدخول وتلويث حذائه اللامع أكثر، بينما الفتاة طوال الوقت ظلت تنظرُ إليه بلا تعبير، لا هذا لم يكن ما أرادت حدوثه.

"لم أتيت؟"

"حتى يظنني الخاطف معك، فلا يأتي إلي."

رفعت حاجبيها متعجبة. "يا له من تفكير، لكنني فتاة رقيقة لا تقوى على حمايتك أو أيًا كان ما تفكر فيه، في الواقع أنا أكثر من يحتاجُ للحماية هنا."

"إذًا سأحميك."

انعكست أشعة الشمس على عيني الفتاة باشراق، بهذه الأيادي الصغيرة والشعر المبعثر، لم تتمكن إلا من أن تصرخ داخلها بكونه في غاية الظرافة! وفجأة نوايا طرده تلاشت وتبعثرت أمام شكله اللطيف حتى كادت تهرعُ لعناقه، لكنها تحكمت بنفسها وحمحمت بخدينِ متوردين، لن تتركَه يؤثر أكثر عليها بهذه السهولة.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 13 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

غيم وأرجوحة!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن