داخلك كثير من الأسرار، كثير من الانفعالات، كثير من الأفكار والتطلّعات والطموحات، كثير من الأشياء التي لا يسعك قولها، والمشكلات التي لا تستطيع حلها أو طرحها أو حتى الحديث عنها، ومن هنا يلتجئ الأديب إلى أفياء الرواية وواحتها ظلالها، وهنا تُنسج أولى خطوات العمل الروائي، فيختلق في مخيلته الشخصيات ثم يضفي عليها الأحداث في زمان ومكان يختارهما هو، ثم يعبث بسرد الأحداث حتى يصلك أيها القارئ فحوى الرواية ومضمونها وفكرتها دون أن تشعر بشيء من ذلك، ودون أن تشعر أن الكاتب إنما كان يتحدث عن نفسه على لسان شخصياته، وعن فكرته بلسان أحداثه، وعن واقعه في حديثه عن الزمان والمكان. فكيف تكتب روايتك الأولى؟
أولًا: الفكرة أولًا وأخيرًا
خير الكتّاب -وفق رأي الجاحظ- هو الذي ينطلق من المعنى ثم يختار له اللفظ، وشرّ الكتّاب من يزخرف الألفاظ ويبحث لها عن المعاني. وإن كثيرًا من الكتّاب الهواة يدخلون عالم الرواية مفعمين بالحماس للتعبير عن كل ما يورده عليهم خاطرهم، فيكتبون ويكتبون ويخلطون الحابل بالنابل، ويضيع القارئ في زحمة الأفكار فلا يكاد يدري ما يريده الكاتب ولا إلى ماذا يرمي! وإنك لو تصفحت الروايات الكبيرة للروائيين المحترفين لوجدت كل واحدة منها تدور حول فكرة واحدة لا تخلو من استطرادات ماتعة تدور في فلك الفكرة الرئيسة. فالفكرة هي الأم الروحي للشخصيات والأحداث، وعلى قدر تشبّع الكاتب بالفكرة، ومعايشتها لها تكون الرواية أجمل وقعًا وأحكم سبكًا وأجود سيرة.