{مَدخل إلى الغابة: الترياق حُجْر}

27 2 2
                                    

.
.

.
.

أَنْ يَكتَمل القَمَر فِي لَيلَةٍ صَيفيَّة هَادئَة، أَنْ يَلد الدَميم بلعنَةٍ القبح، و أَنْ يَكونَ للحُجْرْ لُغةً أبلَغ مِن الشَّعر ..

كَاد الخَوف يقتلع قلبها المرتجف ..
ثمة رعشة تُقيِّد أطرافها و تُعيق قُدرتِها على الرَكض، على الرُغمِ مِن الألم الشديد الذي يُبَث في قَدَميها و يُقيد ساقيها، ما زالت مُصرَة أنْ تُهروِل بَعيداً لعلَّها تُنقِذ رُوحِهَا مِنَ الهَلاك

الغابةُ المُوحشة المُظلمة لَم تَكُن أكثرَ رَهبةً مِن صَوتِ أنفاسِهِ المُضطرِبَة التي تَختَرقُ مَسَامِعَها، إذ أنه مَع كُلِّ زَفرة هواء يصدُرها يَرتجف قَلبُها و تتبعثر نبضاتَه خَوفاً، هي تَعلم أنَّ لَحظةً واحدة تَلتفت بِها قَد تُودِي بحياتها، كانت تَنتقل بين الأشجار الكَبيرَة ذَات الأغصَان المتعانقة و كأنَّها تَبحَث عن ملجأ يَحمِيها مِن ذاك الوحش العنيد الذي يرفض تركها تهرب بسلام

نَسَمات الهَواء تترُك لَسعة بَارِدَة على ذراعيها العَاريتين و تُبَعثر خُصلات شَعرِها الكَستنائي بفوضوية، في البداية كانت هناك قَطراتُ مطرٍ خَفيفة تَتَسَاقطُ مِن حولها ثُمَّ بَدأت تزداد تدريجياً و ببطء حتَّى اشتعل المكان بالرعدِ و زخاتِ المطرِ الغزيرة

حتَّى أرضِيَة الغابة التُرَابيَّة أصبَحَت لَزجة بشَكلٍ يُعيق قُدرتها على الحَركة أكثر، آخرُ ما كان ينقُصها التعثر بغصنِ شجرةٍ ضَخم و السُّقوط في بقعةٍ من الوحل اللزج، ظهرَ أمامها من بعيد بجسده الضخم و هيئته المُهيبة و هو يَسير ببطء، ملامحهُ كَانت قَبيحَة و نظراته أكثر ما كان يبثُّ الرهبة في قلبها المُرتجف

حاولت النهوض لولا أن انزلَقت مجدداً بسبب لُزوجَة التُراب الذي يُحيط بها، هي لَن تكون قادرة على الاستسلام بهَذه السُهولة فَقد وَرَثَت عن والدها العناد و المُقاومة حد الهلاك

الطريق من حولها خالٍ تماماً سِواها، قلَّبَتْ أنظارها في الأرجاء أرادَتْ العُثور على مخبأٍ مناسب و بجسدها الصغير و النحيل هذا بالطَّبع لن يكونَ العُثور عليه بتلكَ الصُعوبة

أُنيرَ المَكان بضَوءِ البَرق فَلمَحَتْ كُوخ صغير في نهايةِ الطريق أمامها، رفعت ذراعها و أمسكَتْ بالغُصن المُتدلي من الشجرة ثُمَّ جَذبته إليها فظلَّ سَاكناً لِضَخامته مما سَاعدها على النُهوض بحركةٍ سريعة و بخفة، أسرعت تُهرول ناحية الكوخ

كَاد صَوت الرعدِ يَثقُب أُذنيها، لِحُسنِ الحَظِّ أنَّها لا تهاب تلكَ الأصوات، فقد نشأَتْ فِي الغَابة مُنذُ ولادتها ولَم تكنْ تَذهب لمكانٍ آخر سوى تلك الغابة الكبيرة

حينَ وصلَتْ إلى بابِ الكوخ انحنَتْ تُحاولُ الدخولَ لَولَا أنَّها شَعَرَتْ بِه يَجذبها بقوة من رأسها و يدفعها للخلف مما أطاح بها أرضاً، تَسلَّلَ صَوتُ أنينها بَينَ صَرخاتِهِ المُخيفَة، بَقي واقِفَاً يُحدق بها بنظراتٍ حَادَّة جَسدٌ أزرق ضَخم ذا ريشٍ طَويل و بَارز مُتَمَوج بين الأزرق الفَاتح و الغَامق، عيناه زرقاء كبيرتين ذاتُ نظراتٍ حَادة، و جناحين كبيرين أحدهما ينزفُ دماءً زرقاء مُتوهِّجة، كان يَدورُ خَلفها بقدَمَين تَشبهانِ قدما صَقر

أَطلَقَ صَيحة عَالية ارتجفَتْ أشجارُ الغابةِ لشدَّتها، ثُمَّ أطرَق رَأسَهُ بملامح قد بان عليها الألم، هَذه المَرة لا حَبلَ نجاة، لكن ما أثار الدَّهشة في دَاخلها هو رؤيتها لعينيه الكبيرتين تنزفَان دَموع غزيرة، كَان يُحدِّق بها بنظراتٍ ذابلة لولا مظهر عينيه الحاد، عَاد ليرفعَ رأسَهُ ثَانيةً مُحاولاً إطلاق صَرخةٍ أُخرَى لَولا أنَّها اقتربت منه مسرعة و لمست وجههُ بلطف، لمسة دفعَتْ لجسدِهِ بأن يَستَلقي ببطء و ارتمى رأسه في حُجرها الصَغير، أحسَّت بصُداع شديد كاد يشقُ رأسها، آخرُ ما شعَرَتْ به هو يدين بشريتين قد عانقتها بقوة و صوت شهقات مع بكاء كاد يمزق قلبها لشجونه ثُمَّ أغمضَتْ عينيها.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Aug 15 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

دَميمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن