الفصل الحادي عشر

13 9 0
                                    

منذ زمنٍ أبعد من أن يُحصَى، تسلّل نور الصّباح لطيفًا دافئًا عبرَ الفراغات القليلة المتناثرة بين المئات من السُّحب الثّقيلة التي أخذت وقتها الكافي لتتآلف مع السّماء خلال شتاء كان قاسيًا على الكوكب، وبخاصّة على المناطق الشّمالية الأكثر برودةً.

في قلب مخيم حربيّ بدائيّ ومتواضع، وقف رجل يطالع السّماء ويحاول استقراء ما تحمله له من أسرار، بيده استقر قرن الشّراب، ومنه تجرّع سائلًا كان يضاهي بلذوعته وقوّته ما قاساه خلال الأيام الفائتة مناصفةّ مع أكفأ رجاله في المعركة الفاتحة لحربهم القادمة، معركتهم الأولى كانت ضدّ عاصفة هوجاء اعترضت طريقهم المحتم نحو أعدائهم المرابطين على بعد مسافة بات بلوغها وشيكًا، وحول جسده الصّنديد التفّ غطاء سميك كان فيما مضى جلدًا يغطّي دبًّا عملاقًا تقهقر كفريسة سهلة في مواجهة القائد الحربي المدعوّ آرين.

تنهّد القائد بمرارة بينما يسترجع موقفًا عاشه في اللّيلة السّابقة كحلم عابر.

وسط الثّلج حطّت فريا؛ معشوقته التي استحالت عدوّة بين ليلة وضحاها، حطّت بعربتها المهيبة كمَن تملك المكان، كمَن تملك الأرض بما ومَن عليها، بآرين نفسه...

قطّاها المخيفان استقرّا بثبات متعلّقَين بمقدّمة العربة، ما تزال النّظرات القاتلة في أعينهما حاضرة بقوّة في ذهنه، يؤكّدان يقينه للمرة المائة ربما، بأنّ ولائهما ما يزال لمالكهما الأول، وسينقضان على أعدائه المُحتملين في لحظة ورود الأمر المعني.

لم يحظى آرين بشرف مقابلة ثور مسبقًا، ولكنّه يعدّ -بدرجة كافية من الثّقة- لقاءاته بالقطين بيغول وترجيغول بمثابة لقاء مجازيّ بسيد البرق ذاته؛ مالكهما الذي منحهما كهدية خالصة إلى والدته في خضمّ حادثة مبجّلة.

رنّت نبرة التّهديد المزعجة في أذنَيّ المحارب، تبجّحت السّيدة المتعالية الهابطة مؤقتًا من عليّائها لأجله، بأقاويل أظهرت من الشّر والوعيد أكثر مما تُبطن، تعهّدت فريا بأنّها لن تسمح له ببلوغ مراده طالما بقيَ رافضًا عرضها الذي تراه أثمَن ما قد يُقدّمه إله لبشري وضيع، ذاته البشري الذي أوهمته مسبقًا ولسنوات مديدة -بالنّسبة له على الأقلّ- بأنّه يستحقّ أن تركع شجرة الكون صاغرةً له، غيرُ متحفّظة على أي جزء من عوالمها المجيدة، إن أرادها فهي له، ليس لأصل نقيّ لا يملكه، ولكن لجوهر ثمين أقنعته بتفرّده وترفعّه بعيدًا عن العوالم التّسعة جميعها بما فيها من مخلوقات لم يكن جنسه في مقدمتها يومًا...

اقتحم الدّخان الشّهيّ أنفه فخلّصه من براثن أفكاره، وإذ التفتَ وجدَ تابعًا يعوّل عليه وعلى شجاعته وربما تهوره الذي لمس دواخله وذكّره بماضٍ طوَته السّنين كان فيه صورة مشابهة لهذا الفتى المتحمس لأول حرب سيخوض غمارها، إن عاد منها حيًا سينال شرفًا يليق به، وإن اقتنصه الموت سيوفّر على ذاته عناء رحلة شاقة متخطيًا مئات العقبات في واحدة! وصولًا إلى حلمه وحلم كلّ محارب شماليّ في فترة قياسية! الڤالهالا. إذًا فهو رابح لا محالة، هذا وعد القدر لهم...

متاهة الڤالهالاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن