الفصل الثاني | عَوْدَةُ سَارَةَ

68 5 12
                                    

اجتاح الصبح سحباً ملبدة بالغيوم الرمادية لتحيل اللقاء بين الشمس والأرض، وغردت العصافير بحزن لا يعلمه أحد. 

هل لتغيب الشمس؟ أم لركام البيت المحترق؟

ينبض المشهد أمام أعين الجميع بالغموض والتشويق، والدخان يتصاعد عالياً متطايراً في الهواء، ويلوث الأثاث الذي لم يطله الحريق، والجدران غلفها غطاء من السواد.

وسط المنزل، تقبع جثة ملتوية ومحروقة حتى تشقق الجلد، وتصاعدت منها رائحة اللحم المتفحم، لتختلط بذرات الهواء في أرجاء ركام المنزل.

اكتفى السكان بالمراقبة عن كثب، وهم يشهدون النار تلتهم كل ما حولها وسط تلك السحابة الرمادية التي غلفت المكان بالكامل.

ومن بين ضباب الأدخنة، عبرت سيارة الإسعاف تخترق اللحظة التي ملؤها الصمت والسكون.

أنزلت النقالة محدثة أصوات صرير يضيف للمشهد قتامة، وعلى عجلة انتشل فريق الإسعاف الجثة المتفحمة التي فقدت كل ملامح الحياة، لتنقل إلى المشفى بخطى سريعة برفقة ما تبقى من متعلقاته الشخصية التي لم تلتهمها النيران.

وبالرغم من كون سيارة الإسعاف ذات لون أبيض مع بعض الخطوط الحمراء، إلا أن الأدخنة والرماد غلفاها بطبقة رمادية مقبضة توحي بأن الموت يحيط دوماً بهذه السيارة التي من المفترض أنها تحفظ الأرواح وتسعفها.

                           ______________________________

وصلت سيارة الإسعاف بهدوء مريب إلى مدخل المستشفى حيث كانت الأجواء ملبدة بالحزن والغموض.

كان للمشهد أثر مهيب؛ أمام قسم الطوارئ بالمستشفى مرآة تعكس الجانب المظلم للحياة.

تقف سيارة الإسعاف ذات وصمة الموت، قابعة صامتة كالقبر الذي دائمًا يحتضن الموتى، تقف عند مدخل قسم الطوارئ، وفُتحت أبوابها المتثاقلة لتكشف عن مأساة مغلفة بروائح الدخان والرماد.

هناك، ممددة على الحمالة الطبية، كانت تلك الجثة المتفحمة، جثة رجل لا تُدرك ملامحه جرّاء لسعات النيران الشرسة التي ابتلعت كل ما هو مألوف وآمن في وجوده.

كانت الأجواء ملبدة بالحزن والغموض، وعلى الفور نُقل الرجل إلى قسم فحص الأموات، جثة محروقة ترقد بلا حراك على نقالة الإسعاف، وكأنها شاهدة على ليلة بأعماق الجحيم.

ألسنة اللهب تلاعبت بجلدها حتى لم يعد بالإمكان التعرف على معالم وجهها مما أضفى على المشهد طابعًا مرعبًا ينبئ بواقع مروع.

مزيج من المشاعر المختلطة، من الدهشة والشفقة ورهبة المجهول، بدا واضحًا على وجوه كل من في الغرفة.

********         

بينما كانت تجلس هي خلف مكتبها في زاوية قسم الطوارئ، جاءها استدعاء لقسم حفظ الموتى. همت عن مقعدها متجهة إلى الغرفة التي تقع في آخر الممر.

الدقيقه ١٥حيث تعيش القصص. اكتشف الآن