أهلًا، أنا رنا...
من زمان كنت أبتدي كتاباتي ورسائلي بكلمة "مرحبًا"، تغيرت الكلمة إلى "أهلا" لا شعوريًا. أدركت أمس ان هذا التغير ما هو إلا نطق لما أفتقد.
"أهلًا" يعني انك وصلت أهلك، انك لاقيت مبتغاك، انك في مكان مألوف يحبك وتحبه. وأنا والله اشتقت لذاك المكان...أخطيت أمس اني سمحت لعقلي يتمرد ويروح يفتح ارشيفات الذكريات اللي داعستهم بعييييييييد. من وصلت هذا العمر وأنا مدركة بوعيي اني اذا ما تذكرت كذا أنا اقدر اعيش. ذكرياتي تحزنني بكل الحالات سواء كانت سعيدة أو حزينة.
السعيدة أفتقدها، والحزينة تجيني نفس الغصة المُرة اللي عايشتها في وقتها وتؤلم كما آلمت أو أكثر.الحين أنا بالسيارة في مواقف المستشفى، خلصت مراجعة ملفات المرضى اللي تبع الفريق ومريت عليهم، الله يلطف بحالهم ويلبسهم لباس الصحة والعافية.
كل انسان يحكي بدون ما يتكلم، وكل انسان وراه قصة، ومن كنت صغيرة وأنا أسمع هذي القصص بمجرد النظر إلى الإنسان اللي قدامي.
أحيانًا أختلق قصة، وش اسوي عاد مخي كذا ما يهجد 😞
أعطيكم مثال، مرة كنا مسافرين إلى "أملج"، وقفنا عند خباز بنشتري فطور، كان فطورنا المميز مع بابا حبيبي انه يشتري خبز حار توه مخبوز وجبن مثلثات وتاخذهم ماما وتفرد الجبن على الخبز وتعطي كل واحد فينا. مضغها كان ياخذ وقت وطعمها الحين في فمي. طعم لذيذ ويشبع شعوري قبل جوعي. الله يذكر أيامنا بالخير.
عند الخباز نزل رجل ذراعه مبتورة من عند الكتف، ولمحت من السيارة اللي نزل منها امرأة تبكي، افترضت انها زوجته، رحت قلت لأخوي: "تدري، هذا كان يصيد سمك وطاح بالبحر وجاء قرش واكل ايده، ما تصدق؟ ناظر زوجته تصيح بالسيارة"
شايفين؟ تأليف سريع سريع بس عشان أفسر الأحداث اللي قدامي، معطياتي كانت رجل بلا ذراع ومرأة باكية ووجودنا في منطقة ساحلية.
ما اذكر عدد القصص اللي ألفتها، لكن كان الوضع أمتع من قبل ما صرت اقدر أعرف قصص البشر الواقعية.
مثال بسيط، المعطيات: بنت تعبانه فيه انبوب موصول برئتها اليمنى وابوها نايم جنبها وقاعدين في مستشفى متخصص وفيه علبة برنجلز ملح فوق الطاولة.
القصة اللي بيألفها مخي: هذي بنت راحت مع اخوها للبقالة وصدمتها سيارة وترقدت بالمستشفى بسبب كسر في ضلع أيمن وابوها جاء وجاب لها البرنجلز اللي راحت للبقالة عشانه والحين هي مترقدة إلى ما تتحسن وظائف رئتها ويلتئم الكسر ثم تطلع بالسلامة.
القصة في الواقع: هذي بنت من منطقة بعيدة مصابة بمتلازمة نادرة تسببت لها بتشوهات خلقية منذ الصغر وأصيبت بنقص حاد في جميع خلايا الدم اضطر ابوها انه يتبرع بخلايا جذعية من نخاعه العظمي عشان يزرعون الخلايا لبنته وتتشافى بإذن الله، لكن بعد الزراعة أصابتها حالة رفض مناعي من جسمها تجاه الخلايا الجديدة وبالتالي صار الجسم يهاجم نفسه وضرب أعضائها الحيوية مثل الكبد فصار لونها اصفر، والجلد فصارت تجيها تقرحات وتلتئم بندبات شوهت معالم وجهها، والأمعاء فصارت ما تستفيد من الأكل وهزلت. ومؤخرًا أصابها ضيق تنفس اعتقدوا انه مجرد ربو لكنه ظل يسوء فشكوا ان جهازها المناعي هاجم رئتها هذي المرة لذا قرروا يسوون خزعة عشان يتأكدون، وأثناء عملية أخذ الخزعة كان جدار الرئة ملتصق وبالخطأ انثقبت رئتها وصار عندها "استرواح صدري" واضطروا يركبون لها انبوب خارجي عشان يتحكمون بالحالة.... وما أخذوا الخزعة للأسف فكانت العملية بلا فائدة.