في شوارع القصبة، ذلك البستان الحضاري المزدهر في قلب الجزائر، تراقصت أصوات الحياة والنشاط في عام 1945. وسط هذا الجو المليء بالحيوية والإثارة، كان هناك شاب جزائري يقف بفخر وسط مجموعة من أصدقائه المقربين. كانت أياديهم ممتلئة بأوراق اللعب وعيونهم متلهفة تنظر إلى الأوراق بشغف متزايد.
هذا الشاب، كان ينقل إلى أصدقائه تفاصيل لعبة "تشيك تيك" بكل اندفاع وحماس.
تشيك تيك، لعبة تجمع بين ذكاء العقل وحسن الحظ، كانت تشكل جذباً للشباب في تلك الفترة الزمنية الرائعة. وبينما كان الشاب الجزائري يشرح القواعد بإتقان، كانت العيون المتفتحة لأصدقائه تعكس الدهشة والشغف.
وسط هذا النشاط الحيوي، كانت أصوات الباعة والمارة تمتزج مع ضحكات الشباب وصوت الأوراق وهي تتخبط على الأرضية.
وأمام أعين الشاب الجزائري، تبدأ قصة جديدة في أحد زوايا شوارع القصبة، حيث تلتقط نظراته امرأة فرنسية تتحدث مع ضابط شرطة فرنسي.
"Il est toujours là"،
"إنه دائمًا يتواجد هنا"،
تقول الامرأة بتأكيد، ما يثير قلقًا غامضًا داخل الشاب الذي يشعر بالرهبة تسري في أوصاله.
دون تفكير، يسرع الشاب للابتعاد، محاولًا الهروب من هذا الموقف الغامض الذي يبدو أنه يتطور بسرعة أمام عينيه.
وبينما ينطلق الشاب بخطى سريعة، يلاحقه الضابط الفرنسي بسرعة، فإذا بهما يدخلان في سباق مثير يعلن بداية تحدٍ جديد في شوارع القصبة، حيث يتقاطع الشباب الجريء والسلطات الفرنسية في صراع من التوتر والإثارة.
بينما يركض الشاب بسرعة، يلاحظ وجود مجموعة من الشباب الفرنسيين يسخرون ويضحكون عليه، مستخدمين كلمات تحفز على السخرية والاستهزاء.
"Pourquoi êtes-vous pressé ?"،
"لما العجلة؟"
يقول أحدهم بسخرية، فيما يلوح آخر بإيقافه.
وفجأة، بدون سابق إنذار، يمد أحد الفرنسيين رجله بطريقة ما، ما يجعل الشاب الجزائري يتعثر ويسقط بقوة على الأرض. يتبع ذلك
انفجار من الضحكات الهستيرية، ترتفع في الهواء كفراقصة مجنونة، في حين يتألم الشاب من السقوط القاسي.
تتلقى عينيه صورة الفاعل الذي قام بهذا الفعل بغضب واستياء شديدين.
يتجه نظره نحو الشخص بغضب متزايد، ودون أن يفكر كثيرًا، يتجاوز الحدود ويوجه لكمة قوية نحوه، تصيبه بشدة وتجعله يفقد توازنه وينزف دمًا على الأرض، وسط صراخ وهتاف الحشد المتواجد في الشارع.
بينما يلوح الغضب في عيون أصدقاء الشاب الفرنسي، يتجمعون حول الفاعل (الجزائري) ، وبسرعة تنطلق الضربات والشتائم بقوة نحوه.
يجتمعون كوحدة واحدة لتحقيق "العدالة" ، مرسومين بالغضب والاستياء من الظلم الذي تعرض له صديقهم.
وفي ذلك الوقت، يتدخل الضابط الفرنسي، بمظهره الرسمي وسط الفوضى، يتقدم بثبات نحو الشاب الذي ارتكب الفعل، وبحزم يفصله عن أصدقاء الشاب الفرنسي ويجره بقوة بعيدًا عنهم.
تتوالى اللكمات والصرخات في الهواء، وسط حشد من الناس يتفرجون على المشهد بدهشة. تصاعدت الفوضى في الشارع، وسط صراخ الناس وتكدسهم حول المكان، متأثرين بالمشهد الذي يتكشف أمامهم، حيث يظهر الصراع بين العدالة والظلم، وبين القوة والضعف في شوارع القصبة الصاخبة.
بتكسّي السمرة وجهه، يُظهِر الشاب الجزائري الغضب والحسرة والألم بوضوح ملموس.
عيناه، ذات النظرة الضامرة، تعكسان تلك الانفعالات العميقة، بينما تبرز الشفتان ، محملتان بالشدة والقلق.
وفيما تتوسطهما ذقن متواضعة، تضفي انحناءتها الصغيرة جاذبية خاصة على وجهه.
الحاجبان المعقودان يُظهران حالة من التوتر والقلق، في حين يُنطلق الجبين المعتدل بسلاسة، حاملاً شعره الفحمي الذي يمشّطه للأعلى ليضفي على ملامحه لمسة من الجاذبية والقوة.
بمجموعها، تتلاقى تلك الملامح الفيزيائية لتخلق صورة للرجل الغاضب المُهاب، حيث يظهر الغموض والرهبة والحزن الدفين.
وتساعد هذه الملامح على خلق صورة حية للجزائري الذي لا يقهر "علي لابوانت"،
حيث يتناغم جمال ملامحه الداخلية مع مظهره الخارجي بشكل مثالي، وخاصة عندما تعكس عيناه الحزن والقلق واللاجدوى العميقين في أعماقها.
علي لابوانت، الشخصية الأسطورية التي تجسد قوة وإرادة الشعب الجزائري، كان يعمل بجدية كبناء وملاكم، ممزوجًا بين القوة البنائية والمهارة القتالية. كانت مهنته كبناء تعكس التمسك بالعمل الشاق والتفاني في بناء مجتمعه، بينما كانت مهارته في الملاكمة تعبر عن القدرة على الدفاع عن النفس والكفاح من أجل العدالة.
بصفته بنّاءً، كان علي يعمل بجد في بناء المباني والمنشآت، مساهمًا في تطوير البنية التحتية لمجتمعه وتحسين جودة حياتهم. كان يمتلك القدرة على رفع الأثقال الثقيلة والعمل في ظروف قاسية، مما يجعله مثالًا للقوة البدنية والإرادة الصلبة.أما كملاكم، فقد كانت لديه مهارات فنية مميزة في الحلبة. كان يستخدم قوته وسرعته بحكمة، مما يجعله خصمًا لا يُستهان به داخل الحلبة. كان يتميز بقوة الضرب والمثابرة في التدريب، وكان يمتلك استراتيجيات رائعة في القتال.
YOU ARE READING
معركة الجزائر - 1957
Historical Fictionفي عام 1957، تأججت نيران المعركة في أراضي الجزائر، تاركة وراءها بصمات عميقة في تاريخ البلاد. يستكشف هذا الكتاب تلك الفترة المهمة بأسلوب راقي يجمع بين المأساة والتضحية والبحث عن الحرية. انغمس معنا في رحلة عبر الزمن، حيث يستعيد الكتاب ذكريات الشجاعة و...