في بعيد الأراضي، توجد بلدة صغيرة، و في مكانٍ ما من تلك البلدة .. توجد سِيلفِيا
سِيلفِيا التي تعيش في عالمٍ ليس بغريبٍ فيه تواجد الغيلان و العمالقة و الأقزام و التنانين و السحر .. و السحرة كذلك بالطبع
في هذا العالم الواسع المملوء بشتى أنواع العجائب كانت سِيلفِيا تعيش حياة عادية لا يتخللها الكثير من هذه الأشياء، تعيش تحت سقف منزل لطيف و دافئ مع والدها المصاب بالشلل و زوجته و اخوتها من والدها
ليست عائلة سِيلفيا فقيرة كما سيُخيَل للبعض ف عائلتها ذات مستوى مادي جيد ف زوجة والدها تدير متجر المخبوزات - الذي يعد من أشهر المتاجر في البلدة - الذي يعود لوالدها و لكنه لم يدره بنفسه و يرجع هذا لعلته
سِيلفِيا ذات حياة مملة و عادية برأيها، ف هي تستيقظ كل يوم لتعتني بوالدها و بأخوتها الذين يرتادون المدرسة و تساعد احيانا زوجة والدها في أمور المخبز، و هذه هي حلقة ايام حياتها
و لتهرب من هذه الحلقة بين الحين و الآخر كانت سِيلفِيا تخرج الى الغابة من أجل جمع الأعشاب المختلفة التي تساعدها في دراسة طب الأعشاب، إذ أنها تركت الدراسة - و ذلك لرؤيتها بأنها أكتسبت ما يكفي من الدراسة في المدرسة - و توجهت لفعل أو بالأصح لدراسة ما يستهويها و الذي لا يتم تَدرِيسَه في المدارس العادية، و كان لا بأس إن لم يكمل الفرد في عالمها دراسته، بما أنه يعرف القراءة و الكتابة ف هذا أكثر من كافي
و عندما أعلمت والدها و زوجته بقرارها لم يقفوا ضدها، بل العكس فقد سعدت زوجة والدها لقرارها هذا إذ أن النفقات التي كانت تثقل كاهل الأبوين ستخف، أما والدها لم يعجبه الأمر كثيرا و لكنه لم يرفض قرارها و ذلك لأنه علم بأنها ستتوجه لطريق يفيدها و يخدمها و لن تجلس في البيت تنتظر فارسها يأتيها على حصانه الأبيض من أجل أخذها لقلعته
كانت سِيلفِيا تظن أن حياتها س تجري كما خططت لها، توسع معرفتها و علمها أكثر في طب الأعشاب - أو النبات -، و من ثم تقوم بأفتتاح متجر صغير لها مختص بما تدرسه و تتعلمه الآن بذاتها و تعيش حياتها هادئة معتمدة على نفسها
في يوم من أيام الخريف، حين بدأ الجو يكتسب بعض البرودة، قررت سِيلفيا أن تخرج من المنزل متخذة الغابة وجهة لها، بعد أن قرأت في أحد كتبها عن نبتةٍ يمكن الاستفادة منها ك عقارٍ للسموم
[ سِيلفِيا ]
" سأخرج يا والدي "
أعلمت والدي الذي كان يضطجع سريره، مسندا نفسه على الوسادة
" أين خارجة ؟ "
أخبرني بنبرة عرفت منها أنه يريد استجوابي و أنه شك في حدوث ريبٍ معي، .. حسنا هذه هي طبيعة الآباء التي لا يمكننا تغييرها، و سيأتي يوم بالتأكيد و نكون في محلهم
" الى الغابة، و قبل أن تسألني عن التفاصيل، ف أنا سأذهب إليها من أجل البحث عن عشبة رأيتها في أحد كتبي، و لن اتأخر و سأعود قبل السابعة مساءً، لقد جهزت الغداء مسبقاً لذلك عندما هاريسون و إيرلينا يعودان أخبرهما أن يسخناه فقط، و أيضاً لا تنسى أن تأخذ دوائك .. حسناً ؟ "
ختمت كلامي بقبلةٍ دافئة على جبين والدي ألتمس منها أمنيته في أن أكون محمية في هذه النزهة الصغيرة
" أحذري في طريقك، ف أنت لا تعلمين ما قد يواجهك "
حذرني والدي حين أمسك كلتا يداي بخاصتيه المجعدة قليلا و الخشنة بعض الشيئ، و وجه الي نظرة جدية قلقة، رددت عليه بأبتسامة دافئة و أخذت يديه نحو فمي لأقبلهما و قلت :
" بالطبع، سأفعل بالتأكيد ... سأذهب الآن، اعتني بنفسك "
" رافقتكِ السلامة يا بُنَيَتي "
ألقى وداعه اللطيف علي قبل أن أغلق الباب خلفي، ف أبتسمت له و خرجت، و بعدها توجهت مباشرة الى الغابة، لأكون صريحة، الطريق شاقٌ بعض الشيئ، ف أنا أعيش في السهول المقابلة لطرف البلدة و الغابة توجد في الطرف المقابل، و لكن لا بأس فقد أعتدت على مشقة الطريق
بينما كنت أسير كان الأشخاص الذين يعرفوني - حتى لو كانت معرفة سطحية ك أبنة صاحبة المخبز - يلقون علي التحية اللطيفة ف أردها إليهم بكل أخلاق
و بعد ساعاتٍ معدودة من المشي وصلت لغايتي، ألقيت نظرة على اللافتة التي تحذر من دخول الغابة بسبب تواجد الغيلان الشرسة فيها ف فَعَلت حينها رقية الاخفاء - التي ابتاعها دوماً من متجر الساحرة الموجود في البلدة - و دخلت الى أحشاء الغابة
تعمقت و تعمقت أكثر و أنا أبحث عن تلك العشبة الصغيرة، و قد طال بحثي عنها جداً، لم أكن أتوقع أن العثور عليها بهذه الصعوبة
" لن أعود ابداً خاوية الوفاض، سأجدها يعني سأجدها "
خاطبت نفسي و أنا أعاين جذوع الأشجار المعمرة ف هذه أكثر المناطق التي تنمو فيها هذه الصغيرة
غصت كثيراً و أنا أبحث لدرجة أني فقدت التواصل مع محيطي و لم أعد أشعر به، و لكن من حسن حظي أن شيئاً صغيراً سحب عبائتي و أعادني للواقع، نظرت للأسفل ف وجدت قزم صغير ينظر الي بمحيا قلق
' هناك مجموعة من الغيلان قادمة الى هنا ! تواري عن أنظارهم بسرعة ! '
جفلت حين اخبرني و حينها وصلني صوت وقع اقدامهم المهيب ف تناولت القزم بيدي و اخذته معي، بحثت عن مكانٍ استطيع الاختباء فيه، حتى لو كنت استخدم رقية لاخفائي ف الحيطة واجبة، و بعد دقيقة ألتقطت عيني جحراً يكفي لحجمي يقع أسفل شجرة معمرة، دخلت فيه و معي بيرو القزم
" شكراً لتنبيهي، لم أكن منتبهة لمحيطي "
' أنت تصبحين مهملة بعد كل مرة تأتين فيها الى الغابة، هناك فرق شاسع بين أول مرة أتيتي فيها الى هنا و الآن ' قال بيرو
" من الصعب أن تكون متشدد الحذر و الحماية عندما تعتاد على مكان ما " أخبرته " الغيلان تقترب، أستطيع سماع وقع أقدامهم بشكل أوضح، أتسمعه كذلك ؟ "
اومأ بيرو مجيباً ب أجل و بعدها حولنا نظرنا الى خارج، ف كان بامكاننا أن نرى ما يحدث من فوهة هذا الجحر الصغير، مرت دقائق فقط و وصلت الغيلان لحيث نمكث الآن
" ما الذي سنفعله الآن بهذا الشيئ الوضيع ؟ " قال أحد الغيلان
' إرموه هنا و قوموا بجرح جناحه الآخر حتى تفوح رائحة دمائه أكثر ' أجاب غولٌ آخر عليه
" أستدع الحيوانات تفترسه ؟ ألن تكون خسارة لنا و نحن نستطيع أن نتخذ منه غذاءً لنا ؟ "
لا أستطيع أن أعرف من يتحدث لكثرة عددهم و تشابه اصواتهم، قلت مع نفسي و أنا أحاول أن اعرف من يتحدث و من يجيب، و لذلك لعدم مقدرتي على رؤية اجزائهم العليا، ف كل ما أستطيع رؤيته من مكاني هو أقدامهم الخضراء المسودة المتسخة الضخمة
' اتخاذ شيئ ك هذا ك غذاء يجعلني أشعر بالسخط، هو مجرد حشرة صغيرة وضيعة تستحق أن تدهس حتى الموت '
فُزِعت من كلامه، يا الهي من هذا الذي تضغنه الغيلان لهذه الدرجة، و ما الذي فعلوه به، شعرت بالشفقة عليه و الخوف في ذات الآن، تخيلت نفسي فقط في مكانه ف سرت رعشة باردة في كامل جسدي
سمعت بعدها صوت ارتطام قوي بين الأرض و جسد طري، حاولت أن أرى أكثر ف لم أستطع رؤية سوى شيئ اسود، و رأيت كذلك غولٌ من الغيلان أنحنى على ضحيته، رأيت ذراعيه تتحرك و لكني لم أعرف ماذا كان يفعل، و لكن بعدها أنفجر صوت صراخ متألم جعلني أجفل فزعة، تراجعت للخلف خوفاً من شدة الصوت، كان نعيقاً متألماً مدوياً !
بعد هذه الصرخة تراجعت لاقصى الجحر، لم أكن أعلم و لم استوعب شدة خطر و رعب الغيلان، و لكن الآن علمت و هذا ما جعلني اتذكر كم كنت مهملة من ناحية حماية نفسي و كان هناك احتمالية ان أكون بمكان هذا المسكين !
بعدها تحرك الغيلان و عادوا ادراجهم و تتبعهم اصوات الضحك التي يرموها على ضحيتهم، و عندما تأكدت من أنهم رحلوا خرجت من الجحر و معي بيرو
' عليك أن تخرجي من الغابة حالاً سيلفي ! ' قال بيرو
" كلا، لا استطيع، ليس قبل أن أساعده " أشرت في كلامي للكائن ذو الريش الاسود الذي لم استطع معرفة ما هو بعد
اقتربت منه بحذر و قلق في ذات الآن بينما اتأمل كل جزء من جسده الجريح
" أنه غراب ! " قلت مندهشة " هل توجد غربان بمثل هذا الحجم المهول ! "
لقد ذُهِلت حقاً، رغم معرفتي بوجود شتى العجائب في عالمي إلا أن هذه هي المرة الأولى التي أعلم فيها أن هناك غربان تضاهي حجمي مرتين
" س أحتاج لبعض المساعدة بيرو، أذهب و نادي بقية الرفاق، سأنتظركم هنا "
أخبرت بيرو عندما تحسست عمق جرح الغراب بيدي، كان جناحه الأيمن ذو عظامٍ مكسورة، أما جناحه الآخر ف كان جريح حديثاً
" حالته صعبة للغاية، بيرو اسرع ! "
أخبرته بنبرةٍ قاسية هذه المرة حتى يتوقف عن التردد و السكون في مكانه
' الهي !! حسناً و لكن يجيب أن تخرجي بعدها من الغابة مباشرة '
لم يأخذ بيرو الكثير من الوقت، ف ما هي إلا دقائق حتى رأيته و معه باقي الرفاق من الأقزام، و في حوزتهم معدات طبية تناسب حجم البشر
" لا أستطيع معالجته هنا، نحتاج أن ننقله لمكانٍ آخر "
أخبرت بيرو و لورا اللذان كانا يترأسان باقي الأقزام
' لقد أخبرني بيرو بحال الغراب لذا أحضرت معي بعض الأقزام المجنحين حتى يحملوا الغراب الجريح ' قالت لورا
ساعدني الأقزام بحمل الغراب - و ذلك واجب بسبب حجمه المهول - و برفقٍ وضعناه على ملائة بيضاء تلونت بسرعة باللون الأحمر، بعدها أخذ كل قزمٍ مجنح طرف من الملائة و حملها، و هكذا حُمِل الغراب الكبير الى قرية الأقزام المخفية عن جميع كائنات الغابة
و كذلك استعملت رقية الاخفاء علينا جميعاً من أجل التواري عن أنظار الكائنات المفترسة التي تقطن الغابة بجانب الغيلان
قلت للأقزام عندما وصلنا لقريتهم أن يضعوا الغراب في ساحة واسعة حتى أستطيع ممارسة عملي بشكل جيد، و لم يرفضوا طلبي
بدأت بعدها بمعالجة الطير المسكين، في جميع مراحل علاجي لجراحه و كسوره الخطيرة و المؤلمة لم يقم بأي ردة فعل او يتحرك بقدر شعرة
يا له من مسكين، لابد أن مقدار ما عاناه من ألم و اعياء كان شديدا حتى لا يزال فاقداً للوعي الى الآن، قلت في داخلي و أنا أُتمم آخر مرحلة من التضميد
" أنتهيت " قلت " سآتي في الغد لكي أغير الضمادات " خاطبت الأقزام حتى أعلمهم
' لقد تأخر الوقت كثيراً، ما رأيك أن تبيتي هنا اليوم ' أقترحت علي لورا
" لماذا ؟؟ كم الوقت الآن ؟! " سألت ف أجاب بيرو ' لم يتبقى سوى ساعتين على منتصف الليل '
" يا ويلي !! " ذُعِرت " يجب أن أعود بسرعة " أنتفضت و جمعت أغراضي بسرعة، لقد تأخر الوقت كثيراً و لابد أن حال العائلة قد أنقلب الآن رأساً على عقب
قبل خروجي من قرية الأقزام أخبرتهم مسرعة بما يجب عليهم فعله إن استيقظ الغراب، و بعدها أنطلقت بأقصى سرعة لدي على طريق الخروج من الغابة، كنت شاكرة لطيور الناي ف هي تخلف خلفها عندما تطير غبار يضيئ في أعتم عتمات الليل، ف بفضل هذا الغبار استطعت أن أعود أدراجي بكل سلام
خرجت من الغابة و قابلتني لافتة التحذير من الغيلان، رغم شعوري بالسعادة لأني خرجت إلا أن تعبي طغى على سعادتي بالكامل، أحنيت ظهري و امسكت بكلتا ركبتاي استند عليهما، و أخذت أتنفس بكل ما لدي من طاقة
' سِيلفِيا !! '
صرخ أحد بأسمي، رفعت رأسي لأجد زوجة والدي واقفة أمامي ممكسة بفانوس مضيئ، رأيت معالم مشاعرها، كانت قلقة و لكني لاحظت غضبها كذلك
" خالة إيرلا ! ماذا تفعلين هنا ؟ "
سألت متحامقة، و كأني لم أعرف لماذا هي هنا و لماذا أهل الحي هنا أيضاً، بالطبع لم أجد أي تعابير تبشر بالخير في وجهها ف علمت أن أمري أنتهى تقريباً
أعتذرت من أهل الحي على اقلاقهم و شكرتهم على بحثهم و بعدها توجهت للبيت مع زوجة والدي من دون أي كلمة بيننا، لأن هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة
أنت تقرأ
ساحِرَة القَارَة العُظمَى! سِيلفِيَا
Fantasyفي عالم ليس بغريب فيه رؤية الغيلان و المشعوذين، السحرة و التنانين، الأقزام و الجنيات، الامبراطوريات و الممالك للبشر و غير البشر، تعيش سيلفيا فتاة البلدة البسيطة