يعزف وهي تسرح

233 8 6
                                    

2007

"انتِ هنا"
حرك اصابعه بطريقةٍ معينه تفهمها القابعة امامه بينما يمسك بقوس كمانه بكفه
حدقتيه تكافح ان لا تُسقط دموعها برؤيتها بعد كل تلك السنوات
بلع لعابه واستنشق ماء انفه
يزم شفتيه يحارب ذاته حتى لا يبكي
كان قد خرج للتو من حفله الذي حضره عدد مهول من الحضور
لكن حدقتيه لم تلاحظ الا تلك الحاضره

"اشتقتُ اليكِ"
عاد لتحريك كفيه امامها يعبر بحركاته عما يجول في فؤاده
عينيه غرقتا بالدموع
وقفت الاخرى تنظر اليه
لم تُحرك ساكناً
تنظر لكفيه المرفوعتين بينما تسيلُ دموعها الحبيسة

"ردي علي رجاءً...لِمَ لا تردين"
نطق بها بوهن
يعلم انها لا تسمعه وهذا كان مقصده
لا يريدها ان تسمعه يترجى ويتوسل لترد عليه
لكنها استطاعت معرفة ما نطق به من خلال قراءه شفاهه

رفعت رأسها بعدما كانت تُركز على شفتيه
لم تغير هذه العاده
تُحدق في شفتيه لتلتقط الحروف الهاربة من ثغره لتفهم كلماته

وضعت عسليتيها بداخل بندقيتيه
ذلك التواصل البصري الذي لم يدم لعشر ثوانٍ حتى هزمه ليطأطئ برأسه مغمضاً عينيه
تساقطت دموعه التي جاهد وكافح على كبحها حبيسه
استسلم لمياه عينيه جاعلاً منها تتساقط على وجنتيه

"اخبرتُكَ من قبل..."
رفع رأسه حالما لمح كفيها تتحرك

"انا لا استحقك...سونقتشول"
اسمه يُرسم من قبل اناملها
اشتاق لأسمه يُحتضن بين كفيها
اشتاق لمناداتها له بكفيها
مناداتها الصامته

"نعم انتِ لا تستحقيني..."
حرك اصابعه لتبتسم بوهنٍ عالمةً تكملة الحديث

"انتِ تستحقين العالم"
"انتِ تستحقين العالم"

قبل ذلك بأثنا عشر عاماً
1995

"سونقتشول عد الى هنا حالاً!!"
رجلٌ في نهاية الاربعين يلاحق طالبه الأرعن الذي يركض وهو يضحك بصخبٍ على معلمه بينما يهرب منه
رمى بحقيبته خلف السياج وحقيبته الاخرى احكم القبض عليها ثم تسلق السور يرمي بنفسه خلف الحقيبه

"الى اللقاء معلمي"
صرخ بعد ان انتشل حقيبته المرمية ليصل صوته للمعلم الذي وجد صعوبةً في تسلق السياج عكس الغرابي المرن

ركض عالماً الى أين تقوده اقدامه
الهواء يلفح شعره يرده للوراء جاعلاً من منظر الصبي ذو السبعة عشر صيفاً براقاً منعشاً
ذلك الفتى الغرابي يُشع
كان مثالاً للمراهقة المنعشه السعيده
سيتذكر اي عجوزٍ مراهقته وايام شبابه بمجرد النظر اليه
ابتسامته اللثويه، غمازته المحفوره على خده وبشرته ناصعة البياض
كان الفتى لامعاً

وصل لوجهته اخيراً الا وهي الحديقة العامه
ذهب للبقعة التي يتردد عليها
بقعةٌ حيث لا اشجار تغطيها ويمكن لأشعة الشمس اختراقها وضرب ارضها
وقف هناك في الوسط لتسقط اشعة الشمس على وجهه اللطيف
اخرج كماناً من الحقيبه
كماناً بنياً يلمع دليلاً على حفاظ صاحبه عليه
اخرج القوس خلفه
ثم رفع الكمان وتموضع ذقنه على الذقانه
رفع قوسه ليستقر فوق الأوتار الاربعه
اخذ نفساً ثم بدأ بالعزف

لطالما علق اصدقائه على ان الكمان لا يتناسب مع شخصيته ابداً
كان الغرابي صاخباً عصبياً مثيراً للمتاعب
اما الكمان فهي الةٌ هادئة راقيه تبعث على الشعور بالاطمئنان
لكنه كان مُغرماً بالعزف على الكمان
يهوى إسناد ذقنه على تلك الالة الخشبية
ويعشق منظر أصابعه المزري بعد العزف عليها طويلاً

كان مندمجاً في العزف متناسياً العالم حوله
لذلك لم يلاحظ تلك التي جلست على احدى المقاعد الخشبيه تنظر بتمعنٍ وعينين لامعتين للمشرق امامها
كانت الوحيدة هناك فلا أحد يتواجد في هذه الساعه نظراً لأوقات الدوام
كانت تجلسُ تراقب الساحر وخاطف ابصارها
تنظر له كيف يعزفُ بشغفٍ وحب

تسند ذقنها على كف يدها وكوعها استند على فخذها المغطى بتنورة مدرستها الكحلية
أُخذ كلاهما لعالمٍ ومجرةٍ اخرى
هو اخذته تلك السمفونيه الى عالمٍ حيث لا يتواجد به احدٌ سواه ورفيق حياته الذي يستمع لعزفه
كان ذلك مبتغاه واقصى امنياته
ان يكون خليله متيماً بالانصات لعزفه
اما هي فأخذها ذلك الوجه الحسن الى مجرةٍ تخلوا من الإنس ولا ترى فيها سوى وجهه المريح للنظر

رفع قوسه عن أوتار كمانه حالما انتهى من عزف السمفونيه ليفتح حدقتيه تدريجياً ينظرُ حوله
وجد الحديقة فارغة من البشر ليزفر براحةٍ

"من المريح عدم وجود أحدٍ هنا، فلا اعتقد انني قد عزفتُ بشكلٍ جيد!!!!"
صاح في نهاية حديثه حالما لمح تلك الجالسة على المقعد الخشبي تسرح في تفاصيل وجهه
جُفلت وأبعدت ذقنها عن كفها حالما لاحظت ملامحه المرتعبه من وجودها
استقامت تنتشل حقيبتها
التفتت له للحظة تنظر في جميع الاماكن عدا وجهه السمح
انحنت بخفةٍ له لتسير مبتعدةً عنه

"انتظري أنا..."
تحدث بارتباكٍ بينما هي اكملت سيرها تخرجُ من الحديقه بينما تعض على شفتها السفليه وتعتصر كفيها
هو حتى لا يعلم لِمَ كان على وشك ايقافها
تسارعت خطواتها وابتعدت عنه
بينما هو مد يده يخدش مؤخرة رقبته يشاهدها تبتعد تدريجياً

'ايتها الحمقاء لِمَ سرحتي في وجهه هكذا...غبيه غبيه'
شتمت ذاتها داخلياً بينما تضرب رأسها بقبضة يدها

Violin sound | صوت الكمانWhere stories live. Discover now