الكشف عن الحقائق

570 10 3
                                    

صمت عمر لبرهة من الوقت، ثم قال مستغرباً: "أبي، إن كنا بالفعل عائلتها، فمن الذين كانوا معها؟"
رد دينيس بنبرة ندم، وعيناه تملؤهما الحزن: "هؤلاء هم عوض الحياة لـ هيف يا بُني. لقد كانوا بجانبها في أوقات لم نكن نحن موجودين فيها. هم أصدقائها، أو ربما أكثر من ذلك، أخوتها الذين اختارتهم الحياة ليكملوا الطريق معها. هؤلاء الناس كانوا سندها ودعمها في غيابنا. كانوا العائلة التي لم تستطع الحياة أن تمنحها إياها في البداية، لكنها عوضتها بهم. يجب أن نفهم أن لهم مكانة خاصة في قلبها، ولا يمكننا أن نأخذ ذلك منها."
بعد أن سمع عمر الحقيقة من والده، شعر بصدمة كبيرة لم يستطع تحملها. وقف بسرعة من طاولة الأكل وخرج إلى الخارج ليأخذ نفسًا عميقًا، محاولاً استيعاب ما سمعه للتو. مشى ببطء في حديقة المستشفى، ينظر إلى الأشجار والزهور، ويحاول ترتيب أفكاره. كان ضوء القمر ينير الحديقة ، وأصوات العصافير الليلية تضفي جوًا من الهدوء على المكان، على الرغم من العاصفة الداخلية التي كان يعاني منها.
كان كل شيء يبدو طبيعيًا من حوله، ولكن داخله كان عاصفة من المشاعر المختلطة. كيف يمكن لفتاة قابلها للتو، أن تكون أخته التي ظن أنها ماتت منذ سنوات؟ لم يستطع عقل عمر قبول هذا الواقع المفاجئ. كانت الرياح الباردة تهب بلطف، وكأنها تحاول تهدئته، ولكنه شعر بالضياع.
تذكر اللحظات القليله التي قضاها مع أسي، وكيف كان يشعر برابط غريب نحوها منذ اللحظة الأولى. كان ذلك الشعور غير مفسر، ولكن الآن، بدأت الأمور تتضح. كان يشعر بالخوف من هذه الحقيقة الجديدة ومن العواقب التي قد تترتب عليها. في تلك اللحظة، مر طيف من الذكريات القديمة مع أخته هيف أمام عينيه فلاش باك :
في منزل عائلة عمر، حيث يجلس عمر الصغير البالغ من العمر سبع سنوات في غرفة المعيشة، يلعب بسياراته الصغيرة على السجادة. يدخل والده "دينيس"بشكل مفاجئ، وهو يحمل دمية صغيرة في يديه.
والد عمر بابتسامة واسعة: "عمر، تعال إلى هنا لحظة."
يسارع عمر إلى الوقوف، ويتجه نحو والده بفضول كبير.
عمر: "ماهذا؟"
والد عمر يجلس بجانبه ويضع الدمية بين يدي عمر، الذي ينظر إليها بدهشة.
والد عمر: "هذه هيف، هذه هي أختك الصغيرة."
يأخذ عمر الدمية بيديه، يدورها ويراقبها باندهاش، ثم يلتفت إلى والده بعينين متلألئتين من الفرح.
عمر: "أختي؟ أنا أخوك الكبير، أليس كذلك؟"
دينيس يبتسم ويومض بعينيه.
والد عمر: "نعم، أنت الأخ الكبير. ستكون مسؤولاً عنها دائماً، وتحميها من كل شيء."
عمر يحتضن الدمية بحنان، ثم ينظر إلى والده بجدية.
ثم قال: "أنا سأكون الأفضل في العالم في حمايتها!"
فجأة، تتعثر الدمية من يدي عمر، وتسقط على الأرض، تشق ثيابها الصغيرة وتبدو مثل بشاعة عظمى.
يظل عمر ينظر إليها بصدمة، ثم يلتفت إلى والده بدموع في عينيه.
عمر: "ماذا حدث لها؟ أنا لم أقصد أن أفعل ذلك!"
والد عمر ينظر إلى الدمية بابتسامة متحمسة.
دينيس: "هذا هو ما تفعله الأخوة، عمر. أنت مسؤول عنها، وستتعلم كيف تحميها وتصلحها عندما تُكسر."
عمر يأخذ الدمية بحنان، ويبتسم بينما يلتقطها.
(في وقت لاحق) ، يدخل والد عمر "دينيس" بشكل مفاجئ الى غرفة عمر ، وهو يحمل طفلة صغيرة بين يديه.
دينيس بابتسامة واسعة: "عمر، تعال إلى هنا لحظة."
يسارع عمر إلى الوقوف، ويتجه نحو والده بفضول كبير.
عمر: "من هي؟"
والد عمر: "هيف، هذه هي أختك الصغيرة."
عمر ينظر إلى هيف بدهشة، وهو يلتقطها بحذر من يد والده. يبدو الفرح والدهشة على وجهه.
عمر: "أختي؟ لماذا هي صغيرة جداً؟"
دينيس : "لأنها حديثة الولادة، ابنة صغيرة لنا. أنت ستكون المسؤول عن حمايتها والعناية بها كأخ كبير."
يأخذ عمر هيف بحنان، وينظر إليها بابتسامة. يلعب بأصابعه حولها بخوف طفولي.
عمر: "هل ستكونين مثل الدمية؟ سأحافظ عليك حتى لا تسقطي."
دينيس يضحك بلطف ويتلمس رأس عمر بحنان.
ثم قال : "لا، لن تكون مثل الدمية. ستكون دائماً بحاجة إلى حب ورعاية، وأنت ستكون الأفضل في تقديمها."
عمر يحتضن هيف بحنان أكبر، ويظهر تأثره بمسؤوليته الجديدة تجاه أخته الصغيرة.
باك . كان يشعر بالحيرة والخوف بما يفعل، ولكنه كان يعلم أنه يجب أن يواجه هذا الوضع بشجاعة. أشجار الحديقة كانت تبدو كأنها تهمس له بأن يكون قويًا، وأن يواجه هذه الحقيقة المؤلمة.
وبعد قليل قرر عمر العودة إلى المستشفى. دخل الكافتيريا مجددًا حيث كان والده لا يزال جالسًا، لكنه لاحظ أن دينيس كان يتحدث في الهاتف بصوت منخفض، وعندما رأى عمر يقف عند الباب، أنهى المكالمة بسرعة وأغلق الهاتف. كان هناك ظل من القلق على وجه دينيس، وكأن المكالمة كانت تحمل في طياتها شيئًا أكثر تعقيدًا.
جلس عمر بجانبه، وقال: "أبي، أعلم أن هذه الحقيقة صعبة علينا جميعًا. لكنني لا أستطيع مواجهة أسي الآن. هذا كثير جدًا بالنسبة لي."
نظر دينيس إلى ابنه بدهشة وقال: "عمر، هذه أختك. يجب أن تعرف الحقيقة، ونحن مدينون لها بذلك."
تنهد عمر بعمق وبدأ يشعر بالغضب يتصاعد في داخله. قال"كيف يمكن لفتاة رأيتها بالأمس فقط أن تكون أختي هيف التي كنت أظنها ميتة طوال هذه السنين؟ كيف يمكننا أن نلقي هذه الحقيقة المدمرة عليها في وقت كهذا؟"
حاول دينيس تهدئة ابنه، قائلاً: "أعلم أن هذا صعب، لكن القدر جمعنا بها مجددًا. يجب أن نواجه هذا معًا."
انفجر عمر بغضب: "أنت تتحدث عن مواجهة! هل فكرت في ما سيحدث لأسي إذا عرفَت أنها فقدت عائلتها ثم وجدتهم مجددًا في مثل هذا الوقت العصيب؟ كيف لي أن أقول لها ذلك وهي تعاني من فقدان طفلها؟"
كانت الصدمة بادية على وجه دينيس..
هز عمر رأسه بعنف وقال: "لا، لن نفعل ذلك الآن. هي تعاني بما فيه الكفاية. لن نزيد من آلامها بهذه الطريقة."
نظر دينيس إلى ابنه بحزن وقال: "حسنًا يا عمر، سأحترم رغبتك. لكن يجب أن نكون مستعدين لإخبارها قريبًا. لا يمكننا أن نؤجل هذا إلى الأبد."
صمت قليلا ثم قال: "اتعلم يا عمر ، عندما رأيت أسي هنا، شعرت بأن القدر جعلها بطريقي لنرجع سوياً كعائلة. ربما القدر كان يريد أن يخبرني بأن الوقت حان لانكشاف الحقائق." في جانب اخر
كان سرحان ومساعده عارف هاربا في كوخ صغير مهجور قرب مدينة اسطنبول، كانوا يعيشان في ظروف بسيطة جدًا. الكوخ كان محاطًا بأشجار متلاشية وأعشاب ضارة، وكانت الأسطح الخشبية متصدعة ومهترئة تحت أشعة الشمس الضعيفة التي تسللت من خلال الفتحات المتسعة في السقف. الداخل كان يفتقر إلى أي أثاث سوى أسرة قديمة ومتداعية وطاولة صغيرة متهالكة في الزاوية.
سرحان جلس على السرير، يحاول التخفيف من آلامه نادى باعلى صوته "عارف، عارف تعال حالًا" اتى عارف وهو يبدو خائف تكلم سرحان بنبرة حازمة "عليك ان تدبر الموضوع لن اذهب لمكان دون أن أخذ ابني "
ردّ عليه عارف بصوتٍ قلق، "لكن يا سيدي، الشُرطة وصلت إلى الخارج، ماذا أفعل؟"

ظلال الماضي وامل اللقاء | AsLazحيث تعيش القصص. اكتشف الآن