محطة ويشيلكن-الحرب الروسية
1973-6-13
وسط محطة ويشيلكن، وتحديدا في قمرية التذاكر اللتي كان يكتسيها اللون البني في كل ارجائها من المكتبة العتيقة الحاوية على كتبٍ لم تُمس منذ عقود، و بعض الادراج البنية المائلة للسواد،و اللتي رُصّت معا لتشكل صفوفا طويلة تكاد تصل للسقف تحمل بداخلها السجلات و الملفات المهمة للمحطة،ساعة جدارية عفى عليها الزمن و هاتف ارضي احمر اللون. الارضية على هيئة قطع معينية الشكل و الجدران بلون اخضر بهتَ بمرور الزمن.يتردد لها فيضٌ من الناس، مُقبلون و راحلون. أُناسٌ بمختلف الاعمار مجتمعون في المحطة اللتي كانت كما قمرية التذاكر، يطغى عليها اللون البُني بكراسي طويلة خشبية مصطفة امام بعضها البعض و شاشة تلفاز مستطيل امامها على طاولة مستديرة..يعرضُ اخر اخبار الحرب و تدهور احوال البلاد. وصوت صافرة القطار يرنُ بالارجاء، معلنا توقف قطار، و انطلاق اخر.
وسط كل هذا، تواجدت بيريت جالسة على الكرسي الخشبي بزيها الرسمي للعمل.
سُترة رسمية زرقاء اللون بحرية، وتنورة مماثلة باللون، امام شباك التذاكر الحاوي على اعمدة خشبية تفصلها عن الشخص المقابل لها، على يسارها بطاقات التذاكر وعلى الجهة المعاكسة دفتر الحسابات و عدة اقلام حبر ملونة.اخرج من شرودي على صوت مدير قمرية التذاكر، ليعيد تذكيري بتاريخ اليوم..
-"اليوم الثالث عشر من شهر حزيران،اي يوم عودة الجنود الى قواعدهم العسكرية لذا ارجوا ان لا تغرقي بالتفكير وركزي على عملك."
لأخبره بمعرفتي بتاريخ اليوم و كمِّ العمل، واني شرُدت قليلا لا اكثر.نعود للعمل، يستمر الزبائن بالوقوف امامي،اطلب منهم اسمهم، وبعض المعلومات لاسجلها.
ثم يقومون بالدفع لاستلم منهم النقود واضعها في الدُرج الملحق للمكتب-"تفضل الباقي"
سلمتُ المُتبقي من الحساب للعميل، ليشكرني و يذهب.
تقدم احدٌ اخر، من حان دورهُ من الطابور وتحدثت دون ان ارفع رأسي
-"اسمك لو سمحت، واذا كانت تذكرة رحلة عادية، ام تذكرة جندي"
-"كارنيليان ستاردلار، تذكرة جندي من فضلك"
تتوقف يدي عن كتابة اسمهِ على التذكرة للحظة.. اعود الى رُشدي بعدها بهُنيهاتِ و اكملُ كتابة اسمه و اطلب منهُ باقي المعلومات، ثم اقدم له سجل يحتوي على عدة حقول عليه ملأُها كإجراء شكلي للجنود مع توقيعه.
-"تفضل تذكرتك."-"شكرا، بيريت." يسدير بظهره و يكمل طريقه الى القطار اللذي سيوصله مع باقي زملائه من الجنود الى وجهتهم.
يتجاح صدري ضيق غريب بعد ذهابه، وتسترجع ذاكرتي ذكرياتِ من الماضي.اتممتُ باقي عملي و غادرت المحطة على الموعد المحدد تماما، سِرت الى الطريق القريب من المحطة وركبت سيارة اجرة لتوصلها الى منزلها.
فتحت الباب ثم دخلت واستقبلتها رائحة العشاء اللذي كان عبارة عن بطاطا مسولقة مع حساء الخضروات، وهذا ما استنتجته بيريت من الرائحة المنتشرة بالجو.
استقبلتها امها بتحيتها لترد بيريت التحية لها و تخبرها انها ستغير ملابسها ثم تأتي لمساعدتها.
نزلت بيريت بعد ربع ساعة، فوجدت والدها عادَ هوَ الاخر من العمل
"-مرحبا ابي"
"-اهلا بيريت،كيف حالك؟ وكيف كان يومك بالعمل؟""-بأحسنِ حال، كان يوماَ عاديا بأستثناء عودة الجنود اللى القواعد العسكرية"
انتهى نقاشُنا بمنادة امي لكلينا، لتناول الغداء. انهى الجميع طعامهم، وانصرف اخي عن المائدة حاملا طبقه الى المغسلة.
صحيح اننا دائمي الجدال و العِراك، الا انهُ يبقى اخي الكبير. من اعود اليه عندما تشتد وطئة الحياة علي.ينتهي اليوم بخلودهم للنوم، تدخل بيريت الى غرفتها وتستلقي على سريرها، تحاول النوم لكن هيهات، كيف يتركها عقلها تنام دوم استرجاع ذكرات لقائه؟ ظنت انها نستهُ! ظنت انها نست ذالك اليوم، وكل الايام اللي جمعتهم!
بقيت تفكر حتى أُسدل ستار عيناها مقاطعا سلسلة الافكار والاسئلة اللب كانت تحوم داخل عقلها، عن سبب عدم لقائه مرة اخرى كل هذه الفترة.
أنت تقرأ
محطّة
Short Story"مُلتقانا كمحطةٍ بها رستّ ذكرياتي." لقاءُ صُدفة جمع بيننهما، غريب كان لقائهما. عجيبٌ هذا اللذي يسمى قدرا يهب لنا اناسا تُنسينا العالم بأكمله، نعيش معهم لحظاتٍ تُخلد في الذاكرة توهمنا بدوامهم، ثم تسلبهم منا فجأة بدون مقدمات او مبررات. "سكنتِ فؤادي م...