بقدمين مثقلة الحركة تحاول الوصول إلى البيت ، تشعر بعدم الراحة لوجودها هنا ، وبعد ساعة كانت في البيت ، دخلت البيت و كانت تشعر بهدوء جعلها تقلق قليلا ، ولم تنتظرها كـ كل مرة بعد الجلسة ، وذلك جعلها تستغرب أكثر ، دلفت إلى غرفتها دون حتى البحث عن أين سكان البيت ، غيرت ثيابها سريعا ، تسطحت على التخت و غطت نفسها ، وقررت الذهاب إلى عالم الأحلام ، ولكن التفكير صنع وحش يطاردها ، تفكر في عدم أخذ قرارات كثير ، ثم يأتي خاطر آخر يجعله تريده اليوم قبل الغد ، و لا زالت مستمرة في ذلك حتى صنع الوحش حاجز منيع بينها وبين عالمها المفضل .
وبعد منتصف الليل قد وصلت إلى البيت سلمت عليهم جميعا وأخذت السلالم سريعا ، تتمنى لو كانت مستيقظة لتحكي لها كل ما حدث اليوم .
غيرت ثيابها هي الأخرى ودخلت إلى غرفة رغد ، أشعلت النور ثم قالت:- أنت صاحية على فكرة وأنا عارفة ده ، ممكن تقومي نتكلم شوية ، مش كل مرة تهربي مني
_ لاء
_ يا رغد بقى قومي بلاش برود
_ لاء
_ يا رغد.....
قامت تلك المرة عليها بغضب كل ما صنعه وحش التفكير ، يظهر الأرق في تلك العيون المحمرة و صرخت فيها :- قالت لااا ايه مش بتفهمي ، مش عايزة أقعد معاك مش عايزة غبية أنت ؟
شعرت بأن جزء كبير من فرحتها تحطم ، لا تعلم لماذا رغد دائما تعاملها بجفاف ، رغم محاولاتها في تقريب المسافات بينهم ، لكن دائما هي ما تصنع جديد ، أوقات كثيرة تشعر كأن ليس لها أخت ،
و أحيانا تشعر من الأحسن أن لا تحاول ، و تنفرد بنفسه
و لا تبالي بها ،
تنهدت و حاولت عدم اندفاع الدموع وقالت:- خلاص يا رغد أنا آسفة ، تصبحي على خير
و قفلت الباب و خرجت .
صنعت لها بعض القهوة و وقفت في الشرفة ، تستنشق بعض الهواء ، نظرت خلفها وجدت رغد تدخل الشرفة ووقفت بجانبها ، وفي يدها كوب من الشاي
، لفت ذراعيها حول رقبت رهف و ابتسمت وقالت:- متزعليش مني أنا آسفة
_ خلاص ما حصلش حاجة
_ بجد ولا أي كلام ؟!
ابتسمت و قد صفحت تلك المرة من قلبها و رددت:- لا بجد ، أنا أصلا مش بعرف أزعل منك ، أنا مش زيك يا بقرة
_ طيب كنت عايزة تتكلمي
_ بصي هحكي لك عن يومي ، وأنت كمان تحكي لي عن يومك ماشي ؟!
_ ماشي
جلست تحكي عن يومها بالكامل دون نسي تفصيلة واحدة ، كـ عادتها لا تحب أن يمر يوم دون السرد عن ما به ، مع أي شخص إيا كان ، و تلك العادة أكثر الوقت تكون خاطئة أن لم يكن من أمامك آمين عليك .
ظلت تحكي و تحكي دون توقف ، وهي تسمع و تبتسم ."( لا يغرك كل من يبتسم إليك فتمساح عند فتح فيه يظن الناظر أنه يبتسم ولكن هو يستعد للالتهام )"
حتى جاء دور رغد
:- أنا بقى يومي ماكنش مميز زي يومك ، أنا روحت الجامعة و بعدها لدكتور_ لدكتور ؟! طب حد كان معاك ؟!
هزت رأسها بنفي و تابعت:- لا ماكنش حد معايا روحت لوحدي
_ رغد أنا عارفة أن العلاج النفسي مهم وكل حاجة ، بس أنا بحس إن حالتك بتسوء و مافيش تحسن خالص ، كل ما بتيجي من عند الدكتور بحسك تعبانة أكتر
نظرت إلى الأمام و ذهب عقلها عنها قليلا وقالت:- إن شاء الله خير إن شاء الله خير يا رهف .
_انعكاس_
في جلساتها التالية كان معها والدها ، وبعد إن خرجت من الغرفة كان يريد الطبيب التحدث معه قليلا ، كان محتوى كلامه لا يبشر أبدا ، شعر بأن ابنته في خطر ، و كان كل ما يهمه ، أن يعرف ما الحل لذلك الاكتئاب الذي بها ، قال له لا بد من تتابع الجلسات ذلك العلاج ، و حذره باستمرار الاكتئاب الذي بها ، غير إن الاكتئاب من الممكن أن يصل بها إلى الانتحار ، وبعض الهواجس التي تأتي برأسها ربما تصل بها إلى الجنون ، فـ لا يجب التهاون معها أبدا .
ما كان رده ، غير الموافقة على كلامه وأنه سيفعل كل ما بوسعه .
خرج من الغرفة و أخذ ابنته و ذهبوا إلى خارج العيادة ، نظرت له رغد وقالت:- ايه في حاجة ؟!
_ لا يا حبيبتي ، هو كان بس بيقول أنه لازم نستمر في الجلسات ، الدكتور حاسس أن سبب غيابك احنا يعني
هزت رأسها وقالت إنها يجب تذهب إلى جامعة ، فقرر توصلها .
شعر بتضارب في المشاعر خاف أن يكون في يوم سبب توصيل ابنته إلى تلك الحالة ، و يكون له يد في ذلك الاكتئاب ، كتم بكاءه بالكاد و قرر أن يفهم أكثر في كيف يتعامل مع ذلك الأمر للوصول إلى أفضل نتيجة ، وعرف من جيدا يسأله فلا يوجد من يثق به غيره .
_انعكاس_
لم يمر ساعة وقد رن عليه:- عملت ايه يا دكتورنا العظيم
رد عليه بما يثلج صدره:- زي ما أنت عايز قلت ، بس ممكن اعرف ليه بتعمل مع البت دي كده من دون كل دول ؟!
_ والله يا دكتور أنت مالكش تسأل ، بس هجاوب كيف كيف يا دكتور ، زي ما أنت كيفك تعمل علاقات مع المرضة بتوعك أنا كمان ده كيفي يا صاحب الكيف ، سلام يا دكتور عبد الرحمن و ده أخر سؤال تسأله ليا
وتابع قائلا:- النهاردة يا دكتور ، المبلغ يكون عندي ، تحطه في المكان اللي قلت لك عليه و تغور ، لو لاقيتك واقف هتزعل مني يا عبده آمين ؟!
_ حاضر
و أغلق الهاتف معه ، لا يعلم ما أخر ذلك الاستغلال ، وهل هذا أخر و أول مرة يستخدمه كما قال أم لا ، يبحث عن حل ولكنه خائف ، خائف من أخذ خطوة تغرقه أكثر .
_ انعكاس_
في مكان عشوائية لأبعد الحدود ، ونصف سكانه يا سارقين ، أو تجار ممنوعات ، والنصف الآخر مستاء من ذلك المكان وما به من سمعة ، يحاولون معظمهم الخروج منه و الآخرين يحاولون التعايش ليس لهم مأوى غيره .
ترتدي ماسك يدري معظم وجهها ، لا يظهر غير
"عينيها السوداء"
، تنتظره بفارغ الصبر ، أعطت له حقيبة به المبلغ الذي طلبه :- المبلغ اللي طالبته اهو ، على داير مليم ، رغد الأسبوع الجاي ماتكونش موجودة ، قبل التنفيذ هتصل بيك تنفذ على طول
_ عيوني يا آنسة سحر
_ همشي دلوقتي أنا لو في حاجة كلمني
خرجت بأسرع ما يمكن من ذلك المكان ، حتى أختفت عن مدة بصره .
وضع الحقيبة في بيته و نزل يجلس على القهوة كما كان:- جابت بقيت المبلغ يا عادل ، جهز الرجالة المعاد قرب
_ تمام يا ريس
وهم يتكلموا ولا يخطر على بالهم غير تلك العملية ، كان هناك من يدبر لهم عملية أخرى ، يعلم لا يتجمع الاثنان غير لرفع روح أحد جديد إلى السماء ، وهو ينتظر الوقت المناسب .
_ انعكاس _
جلس على أقرب مقعد ، و قال وهو يلتقط أنفاسه:- خير يا عمي كنت عايزني في ايه؟!
ذلك الشاب الوسيم ، ذو عينين عسلية و عيون مستديرة مسحوبة قليلا عند المدمع ، و بشر متوسطة البياض
،
جملته خلقه فوق جماله جمال
معظم من يراه يأخذه قدوة ،
إن كان في اجتهاده في عمله أو اهتمامه بصحته
و الرياضة و الجسد و الكتلة العضلية الذي يملكه ،
أو في إدارة علاقته الاجتماعية بذكاء ،
أو بره لأمه و أبوه الذي تحت الأرض ، و رفقه بأخواته
و غير ذوقه و مجهدته نفسه للعلم في دينه أكثر ،
كان يسر نظر الناظرين باختصار ، شاب في ذلك الزمان صار عملة نادرة ،
رجل يحمل على أعتاقه مسئولية منزل و كان يستحق كلمة رجل
فكل رجل ذكر
و ليس كل ذكر رجل .
كان يأخذ بمكانة ابنه ، وهو كان يعتبره أب فلا ينسى أبدا فضل عمه كمال عليه ، يثق كمال به كثيرا فقرر أن يأخذ رأيه:-
بص يا عمر أنا بعتبرك ابني اللي ما خلفتوش ، ربنا يعلم أنت وأخواتك عيالي