الجزأ الثاني : صدى الماضي البعيد

77 1 2
                                    

Pov Rosa:

عندما كنت طفلة ، كنت أشاهد أمي تضرب بشدة على يد أبي مرات ومرات دون أي شفقة أو رحمة ، كان والداً شيطانياً مخموراً ومعتوهاً وعديم الإنسانية ، يضرب والدتي المسكينة إلى أن تدمى ، حتى أنها كانت تتحمل الضرب عوضاً عنا بصبر ودون أي مقاومة ، ونحن تحت جسدها المرتجف نبكي ونرتعد خوفاً ، إلى أن يفرغ كل طاقته فوقها ثم يذهب لينخمد على السرير كجثة حيوان

وكان يكرر ذلك ليلة بعد أخرى إلى أن انكسرت والدتي دونما رجعة ، فقد ضربها تحت تأثير الكحول إلى أن ماتت

ذهبت الشرطة بوالدي للسجن وتم إعدامه بتهمة القتل العمد بعد شهر

وقبل أن تسوقنا الشؤون المحلية أنا وأخواي الصغيرين إلى دور الأيتام وتفرقنا عن بعضنا ، هربت بهم إلى منزل جدتي في قرية أخرى ، هناك حيث جميعنا عملنا في الحقول والمزارع كي نأكل قوت يومنا وكي لا يجدنا أي مسؤول اجتماعي يسأل عنا ،غيرنا أسماءنا جميعاً وقطعنا كل صلاتنا بالماضي

وكل ما تذكرت والدتي وأنا أقطف التوت ،تتجمد دموعي ولا أستطيع البكاء ، هناك جزأ في داخلي يمنعني من الأشفاق عليها رغم ما حل بها ، لقد عاشت وماتت كمرأة ضعيفة ومظلومو لا تجيد ردئ الضر عن نفسها ، ولو أن ما حل بها لا تستحقه وكان غاية في القسوة ، لكن هذا الظلم المرير والألم في داخلي دفعني أن أكون فتاة قوية منذ كنت طفلة وتحملت مسؤولية أخواي

إلى أن أصبحت في الثامنة عشرة وقابلت مزارعاً شاباً ووسيماً يدعى ماثيو ، وقد كان إعجاباً متبادلاً في أول أيام الصيف اللطيفة

حل الخريف وقد كنا زوجين شابين سعيدين ، بمزرعة متواضعة ومنزل خشبي بنيناه مع بعضنا ونحن نضحك ونلعب ،كان ماثيو شاباً وسيماً أصيلاً يضاهي كل نجوم الشاشات والأفلام ، أعطى لحياتي البسيطة طعماً وأبعد عني ألم الماضي ،وأعطاني مثالاً حيّاً عن الرجولة الصحيحة ، كان زوجي وأبي وأخي وصديقي ،كان كتفي الذي أستند عليه ودرعي الذي يحميني من الشرور ،علمني كيف أحب نفسي وأحب الحياة وكيف أعتز بأنوثتي وأظهرها له ،وكيف أكون أمرأة قويةً في غيابه ،وقطة أليفة عند عودته ، كان أبجديتي التي خطوت بها للعالم من جديد ، و عشنا حياة سعيدة  أنا وماثيو وحبلت بإبنتي الوحيدة والجميلة أوركيديا ،التي كانت تشبه جدتها كثيراً 

وما إن بلغ عمر أوركيديا السنة حتى حصلت الكارثة التي حطمت سعادتي إلى الأبد،وجعلت مني المرأة الصلبة التي أنا عليها في الوقت الحالي ،  قتل والدها بضعة مجرمين يعتاشون من ترويع المزارعين البسطاء

جثة ماثيو المنكل بها داخل حقل التوت كانت حدثاً أكثر من فاجع بالنسبة لي ، حدثاً فجر في داخلي كل سنين الماضي بما حملته من ظلم وانكسار وشعوري بالسخط نحو كل ماحدث لي ، فوجدت نفسي أخرج بندقية ماثيو من المنزل واقتفي أثر المجرمين الثلاثة ، ورميهم بالرصاص وإردائهم من فوق الجبل

كان ماثيو قد علمني عليها كي اصطاد الأرانب والطيور والغزلان وها أنا ذا أصيب ثلاثة رجال في مقتل بينما أبكي

تركت جورجينا الطفلة الباكية عند إحدى الجارات وعدت للمزرعة بثوب متسخ بالدماء

ومنذ عرف أصحاب القرية الصغيرة بقصتي اعترفوا بي كامرأة قوية شديدة البطش عند الانتقام

وفي هذا المكان من الريف الإيطالي ، لا تعترف الشرطة على القتلة المجهولين ،ببساطة نستطيع أن نقول أن المافيا قتلتهم وانتهى الأمر

ودفنت ماثيو في المزرعة ومكثت فيها كحارس القبور

ثم مرت الأيام وكبرت أوركيديا وبدأت تذهب للمدرسة وتساعدني في الزراعة  ، وبناء على طلب طفلة ذكية مثلها ، زرعت حقل عنب وبدأت أخمر النبيذ وجففت التبغ وبدأت أزرع الفواكه واتاجر بالخمر والتبغ ، وجاءت إلي نساء أرامل ومطلقات يرغبن العمل في المزرعة ، بعد أن عرفن أنني ناصرة النسوة المستضعفات ، فقبلتهن و أضبحن يعملن عندي فكبرت تجارتي وأرباحي واستملكت المزيد من الأراضي والكروم ،وكل من حاول معاداتي أو إيذائي رددت له الصاع صاعين ،فازدادت شعبيتي في القرية إلى أن بدأ الجميع يناديني بالسيدة ،بدلاً من روزا الأرملة

كبرت أوركيديا وأحبت عالم آثار معروف وجذاب ، تزوجا وأنجبا أجمل حفيدة في العالم وسمياها كاميليا

قضت معظم طفولتها في المزرعة هنا معي ، لأن الخلافات بين والديها كثيرة ، عدا أن زوجها كثير السفر ،فمرة في مصر ومرة في البيرو  ،إلى أن نشأت كاميليا شابة في العشرين من عمرها

ورثت مني كل صفاتي ، وأصبحت أقرب إلي من والدتها ، وكنت أفضل حفيدتي على ابنتي في كثير من الأحيان ، ليس لأنها فقط حفيدتي المدللة   ، بل لأن في أوركيديا بعض الضعف قد ورثته من والدتي أي جدتها ، أما كاميليا ..فهي من ستعرف كيف تدير المزرعة جيداً بعد موتي ، قوية ومحترمة وأعرف جيداً منذ الآن أنها ستكون ( السيدة ) أكثر مني حتى

يتبع ...

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Aug 05 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

السيدةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن