موعظة العسعاس

8 0 0
                                    


موعظة العسعاس

يا معاشر الذئاب، لعل هذا آخر عهدي بكم، فلكل أجلٍ كتاب، وإنّي مُستخلفكم من كان يخاف الله فيكم... يا معاشر الذئاب إِنه مَنْ يَتَّقِ ويصبر فإنّ الله لا يُضيع أجرَ المحسنين، أَوْلى الناس بالتهذيب هي نفسُكَ الّتي بينَ جنبَيك، فلا خيرَ فيمن غلبته شهوتُه على عِفته، ولا خير فيمن غلبَه طمعُه على قناعته، ولا خير فيمن غلبَه جهلُه على حِكمته، العقلُ خيرٌ من السلطان، والعِلم أنفع ما يُقتَنى ويُبذل..

يا معاشر الذئاب، إنّه مَنْ يعشْ منكم فسيرى عجباً، استشرى الكذب حتى أكلَ أهل الصدق، وفشت الخيانة حتى أتتْ على أهل الوفاء، واستُهِزئ بالعاقل حتى حُمِدَ الجاهل...

يا معاشر الذئاب دمُكم حرامٌ عليكم ما حَييتم، إننا لسنا بشراً يأكل بعضُنا لحمَ بعض، ويضربُ بعضُنا رِقابَ بعض، بل نحن عِبادُ الله، نأخذ ما شرع وأمر، ونترك ما نهى وزجر. يا معاشر الذئاب دمُ غيركم حرامٌ عليكم إلا ما كان عن جوعٍ، لا تصيدوا إلا إذا لَزَبَتْكم الحاجة، ولا تزيدوا عليها ألبتة؛ فمن زاد في الفضول فليسَ منّي ولستُ منه..

يا معاشر الذئاب لا يفضُلُ بعضُكم بعضاً إلا بثلاثٍ: الحكمة والتقوى والعمل، فمن حازهنّ كان جديراً بأن تُفضُوا إليه بمقاليد أموركم بعد أن يكون قد تعاقدَ عليه مجلسُ شُوراكم؛ مَنْ كان أحكمَ في القول وأنصحَ لإخوته قُدّم، ومَنْ كان أتقى فيهم يُقدّم مصلحتهم على مصلحته قُدّم، ومَنْ كان يعمل لقومه دون أن يشكو، ويسمع دون أن يتذمر قُدّم..

يا معاشر الذئاب إننا لا نُعطي قيادنا إلا لمن خاف الله فينا، ولا نُسلّم أمورنا إلا لمنْ رعى ذِمامَنا، وعاشَ فينا مِنّا، يجوع إذا نجوع ويعرَى إذا نعرَى، ويتعبُ إذا تعبْنا، ويأكل مما نأكل، ويلبس مما نلبس، فمَنْ رأى أنه فوقَ ذلك نبذناه ولا نُبالي، والعاقبة للمُتّقين.

يا معاشر الذئاب إياكم والكِبْر فإنّه أوّل ما أخرج إبليس من الجنة، وإياكم والطمع فإنّه أوّل ما أودَى بآدم فأهبَطه من النعيم. وإياكم والحِقد فإنّه نارٌ أوّل ما تبدأ بصاحِبها ولا ترضى إلا بأن تأتي عليه حتى لا يبقى له منه شيء. وإيَّاكم والحسد فإنّه أوّل الدّم؛ به سولت نفسُ ابن له قتلَ أخيه. وإياكم وكثرةَ السؤال فإنّها أهلَكَتْ مَنْ كان قبلَكم، فلا سبيل آمنُ من الحق، ولا طريق أوضح من الحقيقة. وإياكم والعزوبة فإنها عذاب، وإن واحدنا دون أُنثاه صِفر، أرضٌ بلا زرع، وسماءٌ بلا مطر، ولا يُهاب إلا مَنْ كان ذا رَهْطٍ. وإياكم والعُجبَ بالنفس أو الاستبداد بالرأي، فإنّ المُعجب بنفسه يغرق في السَّبِخات، وإنّ المُستبد لينفضّ الناس من حوله حتى ما يبقى له أحد. وإياكم والغضب، فإنّه يندر أن يُصيب غاضبٌ. وإيّاكم والكذب فإنّه يذهبُ بماء الوجه. وإياكم والبخل فإنّه خَلَّة الأحمق : «كالعيس في البيداء يقتلُها الظما.. والماءُ فوقَ ظُهورِها محمول !!».

العسعاسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن