مقدمة.

6 1 0
                                    

تتدفق الأيام والليالي ببطيء قاس، كأنها تمر بأنفس ثقيلة على قلبها الملكوم الذي لا يستطيع إحصاء ليالي الفراق، ولكن يا للعجب عقلها استطاع ذلك، استطاع حساب خمسة عشرة سنة منذ أن أُخذ عزيز قلبها، كم من ليلة يا ترى؟ بحسبة سريعة  قدرت أنها خمسة آلاف وربعمائة وثمان وسبعين عامًا!

وبدون ولدها؟

لقد ظنت يوم فقدته أنها سوف تموت، ولكن ها هي حية ترزق لم تمت بعد، ولا تعرف عنه شيئًا.

صوته المذعور، وهو ابن الست سنوات يدوي في أذنيها كل ليلة بقسوة عندما كان يهمس لها، وهو يبكي:"مامي إنتِ سيبتيني ليه؟ بابا قالي إنك مش بتحبيني ومش عايزاني! أنا معملتش حاجة يا مامي، أنا عايز أكون معاك."

وقتها سقطت على الأرض من الصدمة، وهي تحاول إقناعه أنها تحبه، وأنها سوف تعيده لها من جديد، ولكن استحال ذلك على طليقها فأغلق الهاتف بوجهها، وتركها في غمرة قلقها وشوقها الباكي لابنها.

أخرجها من غمرة أفكارها الكئيبة صوت رنين جرس المنزل، فألقت نظرة شاملة على الظلام الدامس في غرفتها قبل أن تشعل الضوء الهاديء، ليلائم عينيها.

وفجأة فُتح باب غرفتها ومن وراءه ابنتها ذات التسعة عشر عام، التي لم تكلف نفسها حتى عناء النظر لوجهها بعيدًا عن الهاتف، وهي تخبرها:"الباب بيرن من بدري يا مامي، ولا تحبي أفتح أنا؟"

تضجرت ملامح وجهها، وهي تنهض عن الفراش وهي تزجرها:"روحي اوضتك يا «جيداء»، إنتِ عايزة تجيبيلي جلطة بالشورت بتاعك ده؟"

أخذت «جيداء» نظرة خاطفة على سروالها القصير، القصير جدًا للغاية على سترة قصيرة أيضًا بالكاد تصل لمنتصف خصرها، ثُم حركت كتفها بلا مبالاة:"أنا كنت عايزة راحتك أصلًا."

مرت من أمامها بسرعة وهي تدفعها من كتفها قائلة بنبرة منفعلة:"لأ مش عايزاكِ تاخدي على راحتي خالص، هي جات على ديه يعني؟"

قلبت «جيداء» عينيها بملل، وهي تتابع طريقها.

أما والدتها فاستكملت طريقها وهي تنظر إلى الساعة الكبيرة المتوسطة غرفة المعيشة رافعة حاجبيها باستغراب جم، من قد يطرق على بابها الواحدة بعد منتصف الليل؟

تعرف رنين عائلتها جيدًا، لكن هذا مختلف عنهم جميعًا، امسكت هاتفها بحذر، كرد فعل سوف تستخدمها في حالة الطواريء.

ولم تلبث أن فتحت الباب لتجد أمامها شاب فارع الطول، ترتص بجانبه عدد كبيرمن الحقائب، فضيقت عينيها بحذر وهي تتأمله بأعين وجلة، شاب تقريبًا في مقتبل عقده الثالث، يرتدي قميص أبيض على سروال قاتم اللون يناقض بياض قميصه، وشعره البني مصفف بطريقة عادية تمامًا ليس كالشائع، بشرته بيضاء يظهر عليه أنه تقريبًا قادم من سفر، وعلى وجهه ابتسامة عريضة.

ضغطت على الباب بتوتر وهي تحتمي به خلفه، وهي صامتة حتى افتتح هو الكلام بنبرة لينة:

-"Bonjour, bonsoir."
"أهلًا، مساء الخير."

انفكت عقدة حاجبيها ولكن ما زالت متشبثة بالباب وهي ترد:

-"Bonjour, mais excusez-moi qui vous êtes?"

"أهلًا، ولكن اعذرني من أنت؟"

فرد بابتسامة واثقة لم تمح قائلًا:

-"Je suis ton fils, je suis Ammar!"

"أنا ابنك، أنا عمار!"

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Aug 15 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

ميعاد جديد.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن