### **الفصل الأول: البداية المظلمة (الجزء الثاني)**

236 24 9
                                    

بعد أن وافق إيزوكو على عرض الرجل الغامض، بدأ قلبه ينبض بشعور مختلط من الحماس والخوف. لقد اتخذ قراره؛ لم يكن لديه خيار آخر. الرجل الذي أنقذه من الهاوية الآن يقف أمامه كمرشد، يفتح أمامه أبوابًا جديدة لم يتخيلها من قبل.

"ما اسمك؟" سأل ميدوريا، بينما بدأ الرجل يسير مبتعدًا عن الجسر، مشيرًا له ليتبعه.

"اسمي لا يهم الآن،" قال الرجل بصوت منخفض. "ستعرف كل شيء في الوقت المناسب. ما يهم هو أنك على وشك الشروع في رحلة لن تكون مثل أي رحلة أخرى."

ميدوريا تبعه بصمت، لم يعد يهتم بهوية الرجل بقدر ما كان يهمه الوعد الذي منحه. كانت السماء تزداد غمامة، وكأنها تعكس ثقل القرار الذي اتخذه. الشوارع كانت خالية تقريبًا، كما لو أن العالم نفسه كان يغلق أبوابه أمامه. لكنه لم يهتم. تلك اللحظة كانت تخصه فقط، اللحظة التي ترك فيها كل ما كان يعرفه وراءه.

**

بعد فترة من المشي في الأزقة الضيقة، توقف الرجل أمام باب صدئ لمرآب مهجور. "سنبدأ من هنا،" قال الرجل، وهو يدفع الباب ليفتح بصوت عالٍ. الداخل كان مظلمًا وباردًا، والجدران كانت مغطاة بالغبار والصدأ. لكن ما لفت انتباه ميدوريا هو أن هذا المكان كان مملوءًا بمعدات تدريب غير تقليدية.

"ما هذا المكان؟" سأل ميدوريا، ينظر حوله بشك.

"هذا سيكون ملاذك،" قال الرجل وهو يشير إلى المعدات. "كل ما تحتاجه لتصبح أقوى موجود هنا. لكن القوة الحقيقية لا تأتي من هذه الأشياء فقط. عليك أن تتعلم كيف تسيطر على نفسك قبل أن تسيطر على الآخرين."

إيزوكو شعر بالقلق. لم يكن هذا ما تخيله عندما سمع عن القوة، لكنه قرر أن يثق بالرجل. "وماذا علي أن أفعل أولاً؟"

الرجل وقف أمام ميدوريا، ينظر إليه بجدية. "أول شيء عليك فعله هو التخلص من الضعف الذي داخلك. الضعف ليس في جسدك، بل في عقلك. أنت تنظر إلى نفسك على أنك ضحية، شخص لا يستطيع التغلب على المصاعب. هذا ما سيغيرك."

ميدوريا شعر بالحيرة. "لكنني لا أمتلك قدرة... كيف يمكنني أن أصبح قوياً بدونها؟"

الرجل ابتسم بخفة. "القدرات ليست كل شيء. الأبطال يعتمدون على قواهم كثيرًا، لكنهم ينسون أن القوة الحقيقية تأتي من الإرادة. الإرادة التي لا تهزم، الإرادة التي تستطيع أن تكسر أي قيد. وهذا ما سنركز عليه في تدريباتك."

**

مرت الأيام، وكان ميدوريا يدخل في تدريبات قاسية تحت إشراف الرجل الغامض. في كل صباح، كان يستيقظ قبل شروق الشمس ليبدأ يومه بجلسات تدريبية مكثفة، تتراوح بين تمارين اللياقة البدنية والتدريبات العقلية التي كانت تهدف إلى تقوية إرادته وعزيمته. كان يشعر بأن جسده يزداد قوة، لكن الأهم كان أن عقله أصبح أكثر صلابة.

في إحدى الليالي، بعد يوم طويل من التدريب، جلس إيزوكو وحده في المرآب، يتأمل في مسار حياته الجديد. كان يشعر بالإنهاك، لكن هناك شيئًا داخليًا كان يدفعه للاستمرار. كلما فكر في العالم الذي تخلى عنه، كلما زادت رغبته في الانتقام. ومع ذلك، كان هناك صوت صغير في داخله يحاول أن يثنيه عن هذا الطريق. لكن هذا الصوت كان يضعف مع مرور كل يوم.

**

مرّت أسابيع على تدريبات إيزوكو، وأصبح تدريجيًا يرى العالم بعيون مختلفة. لم يعد يرى نفسه ضحية كما كان يفعل في الماضي. بل بدأ يشعر بالقوة الحقيقية تتشكل داخله. كان قد تعلم كيفية استغلال كل لحظة ضعف لتصبح لحظة قوة. لم يكن بحاجة لقدرة خارقة ليصبح قويًا، بل كان بحاجة إلى إرادة لا تنكسر، وهذا ما بدأ يطوره.

لكن بالرغم من كل هذا، كان هناك شيء ناقص. تلك النيران التي كانت مشتعلة داخله، تلك الرغبة في الانتقام، لم تكن كافية لملء الفراغ الذي يشعر به. في كل مرة يتذكر حلمه القديم بأن يصبح بطلًا، كان يشعر بتناقض داخلي يجعله يتساءل: هل هذا هو المسار الذي يريده حقًا؟

**

في إحدى الليالي، بينما كان ميدوريا في منتصف إحدى جلسات التدريب، جاء الرجل الغامض ليجلس بجانبه. "لقد تطورت كثيرًا منذ لقائنا الأول،" قال الرجل بابتسامة راضية. "لكنك لا تزال غير مستعد بعد للخطوة التالية."

ميدوريا، وهو يلهث بعد التمارين القاسية، نظر إلى الرجل بعينيه الممتلئتين بالإرهاق. "ما هي الخطوة التالية؟"

"لقد تعلمت كيف تقوي إرادتك وتسيطر على جسدك. الآن عليك أن تواجه عدوك الحقيقي."

"عدوي الحقيقي؟" سأل ميدوريا بحيرة.

الرجل وقف ونظر إليه بعمق. "نعم، العدو الحقيقي الذي كان دائمًا يمنعك من تحقيق أحلامك. إنه ليس الأشخاص الذين سخروا منك أو رفضوك. إنه ليس المجتمع الذي خذلك. إنه أنت."

ميدوريا شعر بصدمة تلك الكلمات. "أنا؟"

"نعم،" قال الرجل بحزم. "أنت كنت دائمًا عدو نفسك. كنت الشخص الذي أقنع نفسه أنه ضعيف، أنك لا تستطيع. كنت الشخص الذي قبل بأن تكون ضحية. الآن، عليك أن تهزم هذا العدو."

كان هذا الكلام يهز أعماق ميدوريا. في تلك اللحظة، أدرك أن كل شيء كان يعتمد على هذه المواجهة الداخلية. لم يكن الأمر يتعلق بالعالم الذي رفضه، بل يتعلق بكيفية رؤيته لنفسه.

**

جلس إيزوكو بمفرده بعد انتهاء حديثه مع الرجل. كانت أفكاره تتصارع في رأسه، وكان عليه أن يقرر ما إذا كان يستطيع التغلب على ضعفه الداخلي. في تلك الليلة، لم ينم. كان يجلس في الظلام، يتأمل كل لحظة من حياته حتى الآن. كل مرة شعر فيها بالضعف، كل مرة شعر بالفشل، كل مرة رفضه فيها العالم.

وبعد ساعات من التفكير، نهض أخيرًا على قدميه. كان لديه قرار. لن يكون بعد الآن ضحية. لن يسمح للعالم أو لنفسه بأن يقرروا مصيره. من الآن فصاعدًا، سيكتب هو بنفسه قصته.

"أنا... سأصبح أقوى من أي وقت مضى،" قال لنفسه، وكأنه يعد نفسه بأن هذا هو الطريق الجديد.

✼ •• ┈┈┈┈๑⋅⋯ ୨˚୧ ⋯⋅๑┈┈┈┈ •• ✼
يتبع...

غارق في الظلام. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن