يوم الاثنين فى تمام الساعة الثامنة مساءً وها أنا اهم بالانصراف خالعاَ معطف الأطباء الأبيض الذى لطالما كرهته لتأتي هى كعادتها بدون سابق إنذار لأجدها جالسة على الشازلونج تنظر إلى معقدة يديها و تبتسم لى هذه الابتسامة التى جعلتنى انتظر موعدها كل اسبوع، إن موعدها الرسمي يوم الخميس لكنها اتت مبكراً ولكنني لا أهتم، ما شغلني حقاً هو لماذا أتت اليوم و ما هذه الملابس البيضاء التى ترتديها؟ من أين أتت بها!! فإنها تجعلها مثل الملاك، بالطبع لا أستطيع ان ابوح بما فى صدري لها فهى مريضة و أنا طبيبها المعالج الذى بدأ يحبذ فكرة العلاج النفسي و الاستماع لأجلها، فبالنسبة الى الأشخاص الطبيعيين دائماً اعطى أدوية ليأخذوها بالمنزل حتى لا يأتون لى غير مرة كل شهر أو اثنين، أما من هم يشبهونها فلا أراهم غير مرة واحدة فقط أو مرتين فإن ضغائنهم المكبوتة تختفي بسرعة لمجرد التحدث مع شخص يسمعهم ويهتم لما يقولون و سرعان ما يرجعون إلى حياتهم الطبيعية، فأنا اطمئن عليهم من الحين للأخر دون أن يشعروا فبالطبع لن يتذكرونى كالعادة أو ربما يكذبون إنهم لا يعرفوني لمجرد إننى طبيب نفسي و لا يجب أن يراهم أحد مع طبيب نفسي، على أي حال ها هى هنا ما زالت تنظر الى بإبتسامة و انا مازلت واقفاً بين ارتداء المعطف أم خلعه مفكراً فى هذه الشخصية التى لم استطع و لن استطع التوغل بها لأعلم بماذا تفكر، فهى تفاجئني كل جلسة بكلام جديد عن جانب من حياتها، فأستطاعت ان تيقظ روح الفضولي المكنونة بداخلى منذ سنين نائمة، أمن الممكن اننى انتظر موعدها لأستمتع بإحدى قصص مغامرتها فى الحياة ام من أجل رؤيتها، أيعقل اني..... لا يمكن فهى مريضة وأنا...... و إن يكن ما العيب فى ان أحب مريضتي!! لكني خائف لا مرتعب من فكرة انتهاء علاجها لتعود الى حياتها الطبيعية و لا تتذكرني مثل البقية، ذلك سيحطم قلبى الى أشلاء فلم يقدر أحد على أن يلعب بمشاعري مثل ما تفعل هى، توغلت بداخلي دون ان تفعل شئ انها فقط تتحدث عن ما يؤرقها فى حياتها، فكيف تلاعبت بمشاعرك ايها الأحمق اعترف انك لم ترى مثل شخصيتها و جمالها من قبل فهذا هو النوع المفضل لك و أنت ما أدخلت نفسك فى هذه المعضلة.
هاتفضل واقف كتير محتار ولا ايه؟ انا بقول انك تخلع البالطو و مانبقاش رسمي النهارده بما انه مش معادي.
قالت (مريم) هذه الجملة لتنقذنى من الصراع الداخلي الذى لا أعلم متى كان سينتهي لأقرر ان اخلع المعطف وأذهب لأجلس على الكرسي القريب منها لأبدأ الحديث قائلاً:
تحبي نعتبر دى جلسة من جلساتنا و لا مقابلة عادى!
اممممم مش عارفة بس اعتقد انك هاتقرر فى الاخر الانسب .
*****
الأبتسامة التى اتشوق لها فى كل جلسة عندما أتي إليه، ها قد ابتسم على ما قلته تاركاً مساحة لي لأبدأ فى التحدث عن السبب الذى جئت من أجله اليوم, هل أقول الحقيقة أم سيعلمها عاجلاً أم أجلاً !! فإنه عزيز على قلبي لدرجة تؤلم على ما سيحدث بعد هذه الجلسة، هل سيتقبل الموضوع ام....... هل حقاً يكن لي مشاعر أم أنني أتوهم و أنا فقط من...... حسناً لا وقت لهذا سأترك الأمور تأخذ مجراها و يحدث ما يحدث فلا وقت لدي, بدأت بالتحدث عما مضى قائلة بإبتسامة:
فاكر اول مره جيت هنا!
طبعا هو حد ينسى ازاي رعبتيني لما دخلتي من غير ماحس بيكي و وقفتي قدامي فجأه بصالي و مانطقتيش كلمه، بعدها روحتي قعدتي على الشازلونج.
ماكنتش متوقعة انك دكتور شاطر و هاتخليني اتكلم, معظم اللى زيى كانوا بيتكلموا عنك و انك خليت مننا كتير يرجع طبيعي فقولت اجي اشوف مين ده و هل فعلاً هايقدر و لا اي كلام زي اي دكتور!
إنني حقاً نادمة على عدم معرفتي له من قبل و على عدم تحدثى فى أول جلسة بيننا فكنت أجلس انظر له فقط منتظرة منه أن يعالجني دون أن اتحدث، كنت اعتقد أنه سيأتي بعد مرور ساعة من حالة الصمت أن يقف ليجعلني أغادر غرفته لعدم تحدثي، لكنه ظل جالساً ينظر لي بهدوء لدرجه أنني اعتقدت أنه يقرأ أفكاري، فأمسكت برأسي محاولة حجب عقلي عنه حتى لا يستطيع قراءة ما يدور بداخله قائلة:
انت بتقرأ أفكاري! انت ازاي؟
ياترى لو بدأت اقرائها هل هاتسمحيلي فعلاً!
قصدك ايه؟
ماتخافيش انا مابقرأش أفكار حد غير لما بيسمحلي هو انى اقرائها.
لقد كنت حمقاء فعلاً لإعتقادي أنه يقرأ الأفكار، كيف أستطاع أن يتملكني بهذه الجملة الصغيرة التى جعلته مميزاً، فكونه يستطيع أن يجلس معي و يتحدث بأريحية هكذا مميزة أكثر، لم أتخيل يوماً أنه يوجد شخص مثله فى العالم, هذه هى بداية جلساتنا التى لم أحبذ أن تنتهي يوماً ما حتى بعد معالجته لى, (كريم) لم يكن قط طبيبي النفسي فهو الصديق الذى طالما بحثت عنه, إنه بنفس عمري الثالثة و الثلاثين ليس جميلاً لكن ملامحه مريحة تجعل من ينظر لها أن يسرح بها لبساطتها و جمالها الكاذب، و ما ميزه أكثر هذه الندبة الموجودة بجانب عينه اليمنى التي لا يعلم هو أيضاّ متى حدثت فهو يعتقد انها ظهرت فجأة لتعطيه طابع خاص عن باقي الوجوه المصرية العادية, أما بالنسبة لطوله فلا اعتقد أنني سأقف بجانبه يوما ما، لاني لم أزد عن السابعة و الخمسين بعد المائة بينما هو يزيد عن السابعة و السبعين بعد المائة فتخيل كيف سأكون بجانبه.
-سرحتي فى ايه تاني؟
قاطع تفكيري حتى استوعب أنني مازلت معه، و مازال هو جالساً منتظراً مني ما سأحكيه اليوم لأقول:
آسفه بس كنت بستعيد ذكريات جلساتنا اللى وصلتنا لحد النهارده, انت عارف ان بابا و ماما جم زاروني بعد جلستنا الاسبوع اللى فات و سألوا الدكتور بتاعي عن احوالي.
بجد! ده شئ كويس انتي كنتي متشوقه تشوفيهم بقالك سنتين.
اممم، شكراً.
على ايه؟
إنه هذا النوع من الأشخاص الذى يساعد أي شخص يحتاج المساعدة بدون مقابل و بدون علمهم حتى لا يشعرون بالإحراج, فأنا اعلم أنه هو من قام بالبحث عن والداي و التحدث معهم عني حتى يقوموا بزيارتي فى المشفى و يقضوا معي اليوم كاملاً يهتمون بى, بالنسبه لوالدي أنني غائبة عن المنزل منذ سنتين، لم يكونوا يعلمون أنني بالمشفى و لا استطيع التحدث معهم لأخبرهم عن مكاني فكنت اشتاق حقاً لهم, هم من اتشبث بالحياة لأجلهم و هما كذلك أيضاً، والداي قاربوا على الخمسين من عمرهم و أنا ابنتهم الوحيدة فكنت اعتقد أنهم يتشبثون بالحياه تحسباً أن أتي اليهم يوماً بعد غيابي عنهم..... كنت اعتقد.... هل الحقيقة ستؤلمة حقاً مثلما فعلت بي أم..... لم أرد يوماً أن يعلم أنه السبب في ما سيحدث لي!
ياترى لما قابلتيهم افتكرتي حاجه من اللى نسياها ولا؟
*****
هل قلت شئ خاطئ! لماذا اختفت ابتسامتها عندما قلت شئ عن فقدان ذاكرتها؟ هل حقاً استعادت ذاكرتها! هل هى بهذا السوء لتختفي ابتسامتها المشرقة و يأتي مكانها عيونها الحزينة المتماسكة من تساقط دموعها امامي! اعتقد أنه قد تم فتح باب جانب مؤلم لم ترد يوماً تذكره و أنا من قمت بهذا، اعلم أن الشخص يفقد ذاكرته بسبب شئ مؤلم حدث له و لكن يجب أن تتذكره على كل حال حتى تستعيد حياتها الطبيعية مجدداً لكن.... ماذا فعلت أيها الأحمق!
امممم مش عارفة أبدأ منين بما انك سألت السؤال ده بس... أنا ممتنة للوقت الى فضلت تسمع كلامى و قصصى فيه حتى لو كانت خيالية، فاكر لما حكيتلك عن الطفل اللى كانت عربيه هاتخبطه و انا كنت واقفه بعيد عنه و من كتر مانا عايزه انقذه لاقيتنى طرت فى الهوا و قدرت امسك الولد و ابعده عن العربية بسرعه.
دى كانت شهامه منك انك تعملى حاجه زى كده و انك قدرتى تمسكيه فعلاً.
كنت فاكره انك معتبرنى مجنونة و بتاخدنى على قد عقلى، انا حقيقى ممتنه لكل لحظه كنت مصدقنى فيها و حاولت انك تريح بالى عشان اقدر استعيد ذاكرتى.
ماذا! لماذا توقفت عن الكلام! ما بذاكرتها قد تم استرجاعه، ألن تحكي لي؟ أم لا تستطيع ان تقوله! لهذه الدرجة هو مؤلم حتى لا تبوح به لي أنا... طبيبها النفسي الذى قمت بمحاولاتي حتى استعيد لها ما تتذكره الأن، من حقي أن أعلم ماذا تذكرت، هل اقوم بسؤالها مجدداً عن ما تذكرته أم اتركها لتكمل ما تريد أن تقول بأريحية... نعم أعتقد أنها ستقول لي و لكن هى تمهد لي الطريق الآن صحيح!
مش عارفه اجيبها لك ازاى بس ماكنتش فاكره انى هأكن لك مشاعر للدرجة دى، لدرجة انى مش عايزة اتكلم عشان ماتحسش بالذنب، أنا عارفة إنك هاتعرف سواء أنا قولتلك أو انت روحت المستشفى و عرفت بنفسك بس.....
تكن لي مشاعر! توقف بي الزمن، فلم استطع سماع اي شئ بعد ما قالت انها تكن لي مشاعر، فما شعرت به تجاهها هى أيضاً تشعر به! تجمد عقلي عن التفكير لا أعلم ماذا أقول، كل ما يدور بعقلي الآن هو أننى لن اتركها حتى بعدما تستعيد حياتها الطبيعية سواء تذكرتني أم لا، فسأحاول بكل ما في من طاقة حتى نتحدث سوياً و نظل معاً، سأكون لكِ للنهاية، لن اتركك، فأنا أيضاً أكن لكِ مشاعر، و أنني سعيد حقاً بما قلتيه الآن.
الدليل هاتلاقيه فى أوضتي حطوه ضمن الأدوية اللى كنت باخدها عشان الأرق, هاتلاقي مكتوب عليه إيستازولام بس هو في الحقيقة نوفالجين، تقدر تاخده للطب الشرعي عشان يثبت كلامي.
لحظه... ماذا!
لقد أستعدت ذهني عندما سمعت اسم نوفالجين، لماذا قالت اسمه؟ ولماذا يجب أن أذهب به للطب الشرعي؟ إنه دواء خطير يؤدي الى سكته دماغــ.....
آسف انا بس سرحت شويه ممكن تعيدي تاني عشان انا مش مستوعب اللى قولتيه، نوفالجين ايه اللى اخده للطب الشرعي؟
نظرت لي نظرة أين كان عقلك عندما كنت أستجمع شجاعتي لأقول لك ما قلته، مما جعلني أخجل و أنظر حولي لثواني و أنا أقول:
الحقيقه انا سرحت فى كلامك لما قولتي انك بتكني مشاعر ليا.
حاولت أن أستجمع شجاعتي لأقول لها أنني أيضاً أكِن لها مشاعر و لم أكُن أدرى أنها أيضاً كذلك مما جعل عقلي يتوقف و لم أتذكر شئ بعدها.
*****
يُكِن لي هو أيضاً مشاعر!! كيف سأقول له ما قلته الآن، كيف سأواجهه بعدما اعترف لي عن مشاعره، هل يجب أن أقول له مجدداً ماذا قلت أم أسكت و أغادر، فلا يجب أن يعلم ماذا حل بي فهذا سيؤلمه حقاً، ما هذا بحق الجحيم لماذا يحدث كل هذا الآن... قررت أن أقول له ماذا حدث بعد اصراره كثيراً على معرفة لماذا جئت بسيرة النوفالجين، فأستجمعت شجاعتي و قلت له أني بالمشفى الآن بسبب والداي، بسبب عملي الكثير كنت أخذ حبوب للأرق و ليس نوعاً واحداً إنما أنواع كثيرة فإذا لم استطع النوم بسبب إحدى الأنواع كنت ابدل لنوع آخر و اترك النوع القديم معي لحين الحاجة إليه، و آخر الأدوية كان إيستازولام كنت آخذه بإنتظام كل يومين و بعد فترة شعرت أنه لا يأتي بنتيجة فعالة لأرقي فقررت أن ابدله ولكن.... ما هذا ! ماذا يحدث لي؟
*****
إنها تتلاشى! لم تكمل حديثها بعد، يديها بدأت بالإختفاء فنظرت لهم و هى تتألم ثم نظرت لي و الدموع التي حاولت ان تكتمها قد انهمرت على خديها كالنهر، و انا في حالة ذهول مما يحدث فقمت من مكاني و حاولت أن اقترب منها لأفعل شيئاً حتى لا تختفي، و لكن لا أستطيع امساكها فهى تختفي تدريجياً من أمام ناظري و أنا كالمجنون انظر حولي معتقداً أن أي شئ بالغرفة يستطيع إيقافها، لكني كنت أعلم بداخلي أن لا شئ يمكن فعله، فأنهمرت دموعى أنا الآخر مشلولاً بمكاني لا أستطيع التفكير، فابتسمت لي وسط دموعها المنهمرة و أكملت حديثها عن والديها و أني يجب أن أساعدها لكشف الحقيقة، فوالديها الآن بالمشفى معها و يجب أن أذهب لمنزلها الآن لأخذ الدواء و أقدمه للنيابة حتى يأخذ القانون مجراه، و أنا كل ما يدور بذهني أنها يجب أن تستعيد حياتها الطبيعية و تقوم هى بفعل هذا بعدما تفيق من غيبوبتها، نعم فهذا يحدث مع من مثلها يختفون من أمامي و أجدهم بعد يومين مستيقظين و استعادوا حياتهم، نعم صحيح فهى الآن ستستيقظ، و لكن لماذا أشعر أن دموعها تقول غير ذلك!!
ها هى قد اختفت تماماً من أمامي وظللت أنا على حالي للحظات حتى استجمعت شجاعتي و خرجت من غرفتي لأجد السكرتيرة مها منتظرة خروجي من غرفتي حتى تغلق العيادة من بعدي، فهى لم ترهم مثلي على أي حال و لم تكن تعلم أني كنت فى جلسة، لا يهم الآن غادرت مسرعاً و ذهبت إلى المشفى الذى توجد به مريم حتى وقفت أمام غرفتها و لم أجدها فقمت بسؤال إحدى الممرضات لعلها تقل لي أنها فى غرفة عادية بعدما أفاقت من غيبوبتها و لكن......
الآنسة مريم... البقاء لله.
تركتني و غادرت... تركتني بعدما قالت ما قالت... العالم يدور بي الآن، لا أشعر أننى بخير، فقلبي ينبض بسرعة و قدماي لا تستطيعا التحرك و دموعي التي تنهمر على خدي و لا أستطيع وقفها، كيف ! لماذا! لماذا هى؟ فركضت بين غرف المشفى لأبحث عنها حتى قادتني رجلي إلى المشرحة لأجد والديها يجلسون على إحدى المقاعد يبكون أو يمثلون أنهم متأثرين برحيل إبنتهم، شعرت بها، نعم ها هى واقفة فى الزاوية تبكي و تنظر لي، كنت أعلم أنها لن تغادر دون توديعي، فأقتربت منها و لا أبالي بمن حولي كيف سيقولون علي مجنون إذا تحدثت لها.
*****
لم أكن أريد أن أختفي من أمامه بهذا المنظر، كنت أحاول أن أقول له أني لن أستيقظ و أن..... لم يعطني القدر فرص أخرى لأبقى معه لحظات أكثر، وها أنا ذا واقفة بجانب باب المشرحة منتظرة أنهم يخرجوني من الثلاجة حتى أتلاشى للآبد، هل سيعرف أنني هنا! هل سيأتي للقائي و أن القدر يعطينا فرصة أخيرة للوداع..... نعم إنه هو، ليس خيالاً اتصنعه لمجرد إشتياقي، إنه فعلاً كريم ينظر لي فقط و الدموع على خديه و يقترب مني، لم يستطع قول أي شئ، ينظر لي فقط، فحاولت أن أغير هذا الجو الحزين فلا أريده أن يتذكر آخر لقاء بيننا ويكون حزيناً، فمسحت دموعي و ابتسمت له و قلت:
مش هاتقولي بقى العلامة دي حصلت لك ازاي؟
نظر لي مستغرباً سؤالي و إبتسامتي للحظات، فعلم ما أريد أن أفعل فقام بمجاراتي و مسح دموعه و إبتسم لي هو الآخر و قال لي:
كنت عارف انك مش هاتصدقي اني ماعرفش هى حصلت ازاي, حصلتلى حادثة وأنا صغير مع والدتى وهى حمتنى بكل جسمها، ماطلعتش من الحادثة غير بالعلامة دى وكان أول حد أشوفه من العالم التاني بتاعكم هى والدتي...... برغم اني طول عمري كنت بكرهها لانها السبب في اني اقدر اشوف عالمكم بس..... انا سعيد بحاجات كتير حصلت في حياتي كنت بكرهها و بسببك حبيتها، شكراً انك كنتي فى حياتي.
تمالكي نفسك لا يجب أن تبكي الآن لا، يجب أن تظل اللحظات الآخيرة بدون دموع حتى لا يتألم على فراقي.
عمري ماتخيلت انى هاتعلق بحد للدرجة دى بعد اكتر من 15 سنة من الاستقلالية، و اني ماحبتش حد و لا احتجت اني احب حد، تيجي انت بكل سهوله و تدخل قلبي اللى كان مقفول بالقفل و تفتحه و تقعد جواه، انا بندم على كل لحظه في حياتي اني ماعرفتكش و كنت اتمنى اني ارجع للعالم عشان ابقى معاك، انا اسفه.
*****
لم أستطع قول شئ لها فكان حديثها يقطعني لأشلاء، فأبعدت نظري قليلاً حتى أمسك دموعي، فلا يجب أن تراها في لقائنا الآخير و أثناء ذلك قام الطبيب بفتح باب المشرحة ليقول لوالديها أنهم يستطيعون أخذها معهم لدفنها بسلام، فنظرت تجاهها حتى أشبع نظري منها لكن..... لم تكن موجودة، لقد.... ذهبت للآبد!! فجلست على الأرض و أنا أبكي من كل قلبي و لا أهتم بمن حولي و هم ينظرون لي و يسألون عن حالي، لم أستطع أن أقول لهم ما مررت به، لن يشعر أحد بما يوجد داخلي من آلام لفراقها و كلما نظرت الى والديها قلبي يعصرني أكثر لمجرد التفكير في انني السبب لما حدث لها، أنا من قمت بإخبار والديها عن مكانها، أنا من ساهمت فى هذه الجريمة الشنعاء لإنهاء حياة أكثر شخص جعلني أحب الحياة و مهنتي حتى لرؤيتي للأرواح، أريد أن ينتشلني أحد ما من هذه الدوامة التي وقعت بها، دموعي لا تتوقف و عيني تبحث عنها بكل مكان غير مستوعب أنها ذهبت و لن أراها مجدداً، بعد ساعات من الجلوس شارداً وقفت وذهبت لأفعل ما قالته لي قبل إختفائها، هذا أقل شئ يجب فعله من أجلها، يجب أن تظهر الحقيقة و أن يعاقب والديها على ما فعلوا بها، و بعدما انتهيت رجعت إلى عيادتي، إلى غرفتي التي تمتلئ بذكرياتنا سوياً فجلست لأتذكرها بكل مكان حولي، عندما جاءت لي أول مرة دخلت بهدوء من خلال الباب مسرعة و واقفة خلفى و لم أشعر بها حتى إنتهيت من خلع معطفي و التفت لأراها حتى أرجع الي الخلف مصدوماً من رؤيتها و كدت أن أقع، فأنا أشعر بكل الأرواح عند دخولها لكنني لم أشعر بها قط، فكانت كالنسمة في الهواء رقيقة و جميلة و عينيها تضحك و بها أمل، فهى شخصية فريده من نوعها لم أر مثيل لها، فضحكت على أول لقاء لنا، إننى أتخيلها حولى! هل هذا من صنع خيالي أم أنها هنا حقاً!! ها هى تجلس على الشازلونج لتبتسم لى ثم..... ثم تنظر لي و تبكي فأتذكر ما حدث و أنها ليست هنا، جلست بإحدى جوانب الغرفة و ضممت قدمي بقرب صدري و بدأت بالبكاء و كلما أتذكر استغرب كيف... كيف قلبهم سمح لهم أن يفعلوا ذلك فى إبنتهم الوحيدة و من أجل ماذا!! المال!! ينظرون الى المال التي تركته ابنتهم تأميناً على حياتها!! فكانوا يقوموا بتبديل الإيستازولام بالنوفالجين الذى يؤدي إلى سكتة دماغية بعد عدة مرات، فكانت تأخذه دون معرفة ذلك و كانت تعتقد أنها فقدت الذاكرة لكن هى فقط لم تستيقظ من ثباتها، حتى علمت بالحقيقة عندما جاء والداها لزيارتها بالمشفى و قد تحدثوا عن الأمر أمامها و كيف أنها مازالت على قيد الحياة، أنت من تسبب فى ذلك أيها الأحمق ... أنت من جئت بوالديها إليها حتى يكملوا ما بدأوه معها، كلما أتذكر ذلك قلبى يؤلمني و أضرب رأسي من شدة غباءها، فقد طلبوا من الطبيب المعالج أن يوقف الأجهزة عنها بحجه إنهم لا يريدون التعب لإبنتهم و أنها تحملت سنتين فى هذا العذاب المسمى بأجهزة الإنعاش، لهذا هى جاءت إلى اليوم لتودعني، فلم أكُن أعلم أنها المرة الأخيرة لنا سوياً، إن كنت أعلم بهذا مسبقاً لكنت ركضت الى المشفى و أوقفتهم فى الحال، لكن الوقت كان متأخراً، لم أكُن أعلم أنى سأقوم بإخفاء أحد يوماً ما، لهذا قمت من مجلسي و مسحت دموعي و قمت بفتح مذكرة جديدة و بدأت أكتب ما حدث فى جلساتنا السابقة للذكرى و لكي أتذكر مريم التي احتلت قلبي و لن يقدر أحد على أخذ مكانها لحين أن نلتقى مجدداً بعد الموت.
*****
اختتم كريم ما كان يكتبه و الدموع على خديه ثم أخذ نفساً عميقاً و أغلق المذكرة و قام من على المكتب و إتجه إلى المكتبة الخاصة به الموجودة بإحدى جوانب الغرفة ليقوم بالضغط على زر مخفي بين الكتب لتفتح المكتبة إلى نصفين، يقوم بفتح المكتبة الصغيرة الموجودة خلف المكتبة الكبيرة لنجد أنه مكتوب عليها (الأرواح)، و بعدما فتحها نجد ملفات كثيرة بها و عليها ختم أحمر يدل على أنها ملفات منتهية، أو تستطيع القول أن هذه الحالات قد تم علاجها ورجعت إلى حياتها الطبيعية، فيحرك يديه بين الملفات التى لا تتعدى مذكراتها بين اثنين أو ثلاثة مذكرات فى كل ملف حتى يصل إلى ملف مكتوب عليه حالة رقم 25 ليفتحه و يضع به المذكرة التى بيده و يدون فوقها بإسم الجلسة الأخيرة.جلسة ٧
YOU ARE READING
جلسة 7
Non-Fictionأعتقدت دوماً انها لعنه لبقائي حياً . . . لم أفكر للحظات انها نعمة يتمناها الجميع ... الا بعد لقياكِ