Part - 1 -

24 1 0
                                    

جَنات عَلي عَبـد الكَريـم .. Jannat Ali

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

.
.

"فِي اللَّحَظَاتِ الَّتِي تَتَدَاخَلُ فِيهَا ظِلَالُ اللَّيْلِ مَعَ خُيُوطِ الْفَجْرِ الأُولَى، حَيْثُ يَتَمَاهَى الْوَاقِعُ مَعَ الأَوْهَامِ، تَبْدَأُ رِحْلَةٌ عَبْرَ أَبْعَادٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ، هُنَاكَ، بَيْنَ رَائِحَةِ الزَّمَنِ الْمُتَجَمِّدِ وَصَدَى الْقِصَصِ الْقَدِيمَةِ، تُفْتَحُ بَوَّابَةٌ مَنْسِيَّةٌ عَلَى عَالَمٍ لَا يَعْرِفُ بِقَوَانِينِ الطَّبِيعَةِ وَلَا حُدُودِ الْمَنْطِقِ، فِي هَذَا الفَضَاءِ الضَّبَابِيِّ، كُلُّ خُطْوَةٍ تَتَّخِذُهَا قَدْ تُغَيِّرُ مَسَارَ الزَّمَنِ، وَكُلُّ قَرَارٍ يُمْكِنُ أَنْ يُعِيدَ تَشْكِيلَ قَدَرٍ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ مِنْ قَبْلِ"

.
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"ٱلْعِرَاقُ"
"فِي بَغْدَادَي عَامِ ٱلْفَيْنِ وَاحِدٍ وَعِشْرِينَ، تَفْتَحُ بَوَّابَةٌ زَمَنِيَّةٌ لِفَتَاةٍ تَبْحَثُ فِي ٱلْآثَارِ"

.
.

في صَباحٍ هادئٍ، قَبْلَ أن تَشْرُقَ الشَّمْسُ فوقَ أُفُقِ المدينة، كانت جالِسَةً في غُرْفَتِها الصَّغيرةِ المَلِيئَةِ بِالكتبِ وَالأوراقِ المُبَعْثَرَةِ، من نافِذَتِها التي تُطِلُّ على الحَديقَةِ الخَلْفِيَّةِ، تَسَلَّلَ ضَوْءُ الصَّباحِ البَاكِرِ لِيَغْمُرَ المَكَانَ بِرِفْقٍ، وَهُوَ ما يُضْفِي على الغُرْفَةِ هَالَةً مِنَ السُّكُونِ وَالتَّأَمُّلِ، كانت دارين، ذاتُ العِشْرِينَ عامًا، تَجْلِسُ على مَكْتَبٍ خَشَبِيٍّ قَدِيمٍ، يَعْلُوهُ سَيْلٌ مِنَ الأوراقِ المُزَمْزَمَةِ وَالكتبِ المُكَدَّسَةِ

كانت دارينَ فَتَاةً ذاتَ مَلَامِحَ دَقِيقَةٍ وَعَيْنَيْنِ عَسَلِيَّتَيْنِ عَمِيقَتَيْنِ، تَعْكِسَانِ حُبَّهَا لِلتَّارِيخِ وَالأسَاطِيرِ، شَعْرُهَا البُنِّيُّ الطَّوِيلُ، الذي كَانَ مَرْفُوعًا إِلَى أَعْلَى بِرِبَاطٍ شَعْرِيٍّ بَسِيطٍ، يُعَكِسُ أَلْوَانَ الصَّباحِ المُتَغَيِّرَةَ، ارتَدَتْ دارينَ سُتْرَةً قُطْنِيَّةً بُنِّيَّةً وَمُرِيحَةً فوقَ بَلُوزَةٍ بَيْضَاءِ، كَانَتْ تُفَضِّلُ دَائِمًا المِلَابِسَ البَسِيطَةَ التي تُعَكِسُ شَخْصِيَّتَهَا الهادِئَةَ

كانت أصابِعُها النَّحِيلَةُ تَتَنَقَّلُ بَيْنَ الصَّفحاتِ بِحِرْصٍ، حيثُ كانت تُقَلِّبُ في كِتابٍ قَدِيمٍ عَنْ حَضَارَةِ بَابِلَ، تُحَاوِلُ استيعابَ التَّفَاصِيلِ المُعَقَّدَةِ حَوْلَ الأسَاطِيرِ القَدِيمَةِ وَالرُّمُوزِ الغَامِضَةِ، عَلَى الجِدَارِ المُقَابِلِ لِمَكْتَبِهَا، كَانَتْ مُلَصَّقَاتٌ وَخَرَائِطُ قَدِيمَةٌ لِمُدُنٍ أَثَرِيَّةٍ مُعَلَّقَةٌ، تُعَكِسُ شَغَفَهَا الكَبِيرَ بِعِلْمِ الآثَارِ وَالرِّحْلاتِ التَّارِيخِيَّةِ، لَمْ تَكُنْ هَذِهِ المُلَصَّقَاتُ مُجَرَّدَ دِيكُورٍ، بَلْ كَانَتْ جُزْءًا مِنْ أَحْلَامِهَا الكَبِيرَةِ فِي اسْتِكْشَافِ العَالَمِ وَفَهْمِ أَسْرَارِهِ

"سِر بَوابة عِشْتَارَ"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن