"تُلاحقنا ذِكرى الماضي المَقيتةُ حين نَضعُف ،تسير خَلفنا دومًا إن أفسحّنا لها أيَّ مجال، لا تُفارقنا إن لم نحاربها و نُثبت لأنفسنا ما يمكنّنا تَخطّيه، يتفاوت سوء ماضي أحدِنا عن أقرانه، لكنّنا في نفس المأزِق إن لم نضع حدًا لتُرّاهات الماضي"كازان-روسيا/رَبيع 1992
يرِنّ المنبه في تمام السابِعة و النِصف صباحًا مشيرًا لإنتهاء وقت الراحة و بَدءَ اليوم الجاد اللذي سيُحددُ مصير فَتانا الشاب
Lusian's POV:
كُنت على وشك تحطيم هذا المُنبه السخيف قبل أن تطرأ ذكريات الليلةِ الماضية في رأسي، اليوم هو أهم يومٍ في حياتي اللعينة! يُمكنني تفويت جنازة والدتي التي لا أعلم ما حلّ بها حتى و لكن ليس هذا اليوم!
إنه يومُ إعلان نتائِج اختباري اللذي سيحُدد ما إذا كُنت أهلًا لأُصبح بروفيسورًا في جامِعة كازان العالمية ،كان اجتياز اختبار القبول كالحُلم، صَحيح أنهم اختاروني من بين الكثير لأُجريه لكن ذلك لا يعني القبول المحتم، لا أزالُ غير قادرٍ على استيعاب انني قد أصبح رَجُلاً في مستوى آخر إن حالفني اليوم حظ كُلِ وغدٍ محظوظٍ في روسيا بأكملها.-الساعة العاشرة تمامًا في أكبر قاعات جامِعة كازان و التي سيتم فيها تحديد المقبولين كبروفيسورات مُختارين بعناية فائقة مع مجموعة من أقدم بروفيسوراتها مع العُمداء و ثُلّةٍ من ذوي المناصب بالجامعة-
بدأ عميد الجامعة في خِطاب القبول و التراهات المُملة كما في أي خطاب يُلقيه ولكنني كنُت أستمِع له اليوم كما لو كان قديسًا ما على وشك إنقاذِ حياتي، أعني الموضوع قريبٌ من ذلك نوعًا ما.
بدأ العميد في الفقرة المُنتظرة و هي إعلان أسماء البروفيسورات اللذين تم قبولهم
"أليكساندر أورلوف" تهانينا على قبولك، نتشرف بك بيننا.
أول بروفيسور تم إعلانه ثم توالت التهاني والتبريكات مِن ثم بعدها ذِكرت الأسماء المعدودة والتي كان لوسيان على عِلم بعددها حتى بدأ يفقد الأمل في سماعِ اسمه حين شارفتِ القائمةُ على الإنتهاء"لوسيان فيرناندو"
نطق العميد بآخر اسم في قائِمته حتى ضجّت القاعة بأصوات التصفيق و التهاني الحارّة التي أخرجت لوسيان من شرودِه الذي دامَ لثوانٍ معدودة، لمْ يستوعب الأمر في البداية ثم، شَعر بأنه الأسعد، الأسعد في العالم بأكمله، أخيرًا تحقق الحُلم الذي سعى طويلًا لجعّلهَ حقيقة،
ليس كما لو أنه حظي بوالدين داعمين ليجعلهم فخورين بإنجازه، بل لأنه أراد أن يَشعر داخِله بالرِضى عن نفسه، فحتى لو لم يَكن رحيل والدته خطأه ،جُزءٌ ضئيل بداخله لام نفسه على ذلك، ربما لو كان طفلاً أفضل لأحبته والدته و ما تركته مع أبٍ قاسٍ مُعنف لا يُهمه سوا أمواله القذرة التي يكتسبها من قماره البائِس حتى مرت بِه السنين ليُصبح عجوزاً متهالكًا فقد أمواله و الأهم، فقد عائلته التي احتاجته و أحبّته يوماً قبل كُلِ شيء،
حتى فقد نَفسه في يومٍ ما، غير محرِك برحيلِه دواخِل أحدهم.لوسيان كان في قمة رِضاه بنفسه في تلك اللحظات، لا يَسَعُه فخْرُه
كما لو أنه يفْخر بنفسه بدلًا عن والِديه.
وفي وَسَطِ فخرِه ذاك، كان يُنغِّصُ عليه أمر ما،شَغَل ذاك الهمُّ الضَئِيل فِكره لثوانٍ قليلة إلا أنه تناسى الموضوع
يسمح لأي شي بأن يقف حائلاً بينهُ و بينَ سعادته في ذلك اليوم، تَقدم البروفيسور الشّاب نَحو المِنصة بينما تَعلو قسائِم وجههِ تَعابيرٌ سعيدةٌ فَخورة
يَستلِمُ شهادتهُ و يُصافِح العميد اللذي بدورهِ بادَلهُ الإبتسامة و التي تَلاشت حالما عاد لوسيان أدراجَهُ نحوَ مقعدهَمرَّ اليوم بسلاسة على البروفيسورات الجُدد و غادر الجميع في نهاية المطاف، ثم هاتف لوسيان صَديقهُ المُقرب نيكولاي حالَ عودته و أعلمه بالخبر السار ليُهنئه نيكولاي بصَخب و حماس ليُقهقها معًا و يتفقا لاحقاً للإحتفال به
نيكولاي هو الأقرب لـ لوسيان والوحيد تقريبًا
فعلى الرُغم مِن ذكاءِه الإجتماعي و شخصيتهِ المُحببة لدى الجميع كان يُفضل ألا يتقرب مِن مَن حولهُ بِكثرة، لا يُطيق الإكتظاظ و المُجاملات، خصوصًا تلك الإستغلالية.-يُتبَع-
استمتعوا 🩷
Take care
أنت تقرأ
|Fox glove|
Mystery / Thrillerلوسيان ذلك الطفل الوحيد الذي لم ينعم بدفء العائلة قط، بدايةً من والده السكّير المقامر الذي بعثر حياتهم و انتقالاً لوالدته التي هجرتهم حين بلغ لوسيان عامه الحادي عشر تارِكةً وراءها طفلاً مكسوراً... تمر السنوات التي لم تأخذ صفّه قط عليهِ مريرَةً صعّب...