الفصل الأول: ليلة الاختفاء
كانت القرية تغرق في سكون عميق، هدوء يخفي خلفه قصة مأساوية يعرفها الجميع، لكن لا يتحدث عنها أحد بصوت مسموع. كانت هناك أسطورة قديمة يتناقلها الأهالي منذ أجيال، تحكي عن لعنة تصيب القرية في ليلة مظلمة كل عام، ليلة يختفي فيها أحد السكان دون أثر. ولكن رغم أن الناس يتجنبون الحديث عنها، إلا أن علامات القلق بادية على وجوههم مع اقتراب تلك الليلة المشؤومة.
في منزل صغير عند طرف القرية، جلس علي بجوار نافذته، يتأمل الغابة التي تمتد حتى الأفق. كان الليل قد حل منذ ساعات، لكنه شعر بشيء غريب في الهواء. كان قد سمع من الكبار عن تلك الليالي التي يُختفي فيها الناس، لكنه لم يعتقد يوماً أنه سيشهد واحدة منها. منذ طفولته، كان مفتوناً بالأساطير التي تُروى عن كائن الظلام الذي يسكن الغابة ويخرج في الليالي الباردة ليختطف الناس.
بينما كان علي يفكر، جاء صوت طرق على الباب. فتحت والدته الباب لتجد منى، صديقة علي المقرّبة، تقف هناك بوجه متجهم. قالت له بلهجة قلق: "سمعت أن السيد حمدان لم يعد إلى بيته بعد غروب الشمس... لقد ذهب ليجمع بعض الحطب، لكن مر الوقت دون أن يظهر. أهل القرية في قلق شديد."
نهض علي من مكانه بحذر، وشعر بقلق يتسلل إلى قلبه. كانت هذه الليلة قد بدأت تأخذ منحى مرعباً. رافق منى إلى بيت السيد حمدان حيث تجمع الناس يتبادلون همسات القلق والخوف. كانت الشيخة شهد، الحكيمة العجوز، تقف بجوار الباب. نظرت إليهما بنظرة فيها مزيج من الحزن والمعرفة، كأنها تعلم سرًّا لا يرغب الآخرون في سماعه.
اقترب علي منها وسألها بصوت منخفض: "هل تعتقدين أن ما يحدث هو بسبب اللعنة؟"
أومأت الشيخة شهد برأسها ببطء وقالت: "هذه القرية تحمل على عاتقها خطيئة قديمة، وخطيئة منسية لا يمكن محوها بسهولة. كائن الظلام ينتظر في الغابة، يُراقب كل شيء. الليلة، أحفاده يتسللون بين الظلال، يختارون ضحاياهم، ويعودون بصمت."
شعر علي برغبة شديدة في معرفة المزيد، لكن قبل أن يتمكن من سؤالها، دوّى صراخ مفاجئ قادم من الغابة. تجمد الجميع في أماكنهم، ونظروا باتجاه مصدر الصوت، الذي اختفى بسرعة، تاركاً خلفه صدى يخيف حتى أشجع القلوب.
اندفع علي نحو الغابة، وقد لحقته منى، رغم اعتراض بعض الأهالي. كانا مصممين على اكتشاف حقيقة ما يحدث. وسرعان ما تلاشى صوت القرية خلفهما، وحلّ محلّه صوت خطواتهما وسط الأشجار.
كلما تقدموا، ازدادت الغابة ظلاماً وكأنها تغلق عليهما. تملكت منهما رغبة عارمة في التراجع، لكنهما استمرا، يملؤهما تصميم على كشف الحقيقة، ويعززهما الأمل بإنقاذ السيد حمدان قبل أن يكون قد فات الأوان.
بينما كانا يتنقلان بحذر بين الأشجار، لاحظا بعض الرموز الغريبة محفورة على جذوعها، رموز لم يشاهداها من قبل. تلك العلامات القديمة، التي بدت وكأنها تحذيرات من عالم آخر، زادت من إحساسهما بالرهبة.
وفي لحظة سكون، سمعا خطوات خفيفة تقترب. تحركت الظلال من حولهما وكأنها تحيا، قبل أن يظهر أمامهما كائن غامض، مظلم الهيئة، يتحرك بخفة بين الأشجار، ثم اختفى كما ظهر.
أدركا حينها أن الأسطورة ليست مجرد حكاية. كان كائن الظلام حقيقياً، وكانت الليلة قد بدأت للتو..