لا نُدرِك وزرَ خطايانَا إلّا حِينَ نفتقِرُ إلى مبلغِ سَدادِها، فنعلَم حِينهَا أنّ غُرورَنا هوَ من دَفعَ بنا إلَى اِفتعالِها.
الصّفحاتُ التٍي كتبتُها في حَياتي لَم تُقطّع بعد، لكنّها اِهترَأت، ومَا عادَت تستوعِب سُطورًا جدِيدة.
ربّما بالعاشِرة حِين حدَث ذلِك أو اِبتدَء الأمر، يومٌ ماطِر شدِيدُ البرودَة والغيث، شعرتُ بالمَلل فجلستُ قربَ النّافذى أراقِب الجوّ بمهجة كساها المَلل.
خلفِي المنزِلُ المُظلمُ يتسوّل النّورَ و الدّفىء من المدفئة التّي تكَادُ تنطفىء، فأبِي لم يُحظِر الخشَبَ منذ أمس، حتّى أنه لم يعد، بقيتُ أرسم أشكالا على زجاج النافذة تارة و تارة أخرى أتخيل أن قطرات المطر تتسابق، و لمرّتان متتاليتانِ خسرت النقطةُ التّي أشجّعها، لذا زفرتُ باحباط.
اِستقمتُ باحِثًا عن أمّي إذ يجدُر بها أن تنادِيني لآكُل، صِحتُ أبحَث بالمَطبخِ والغُرف العلويّة... لا ردّ!
دققتُ أبوابَ الجيرَان واحِدًا تلوَ الآخر إذ فكّرت أنّها ربّما نسَت نفسَها عندَ أحدِهم، تساقطَت خُصلِي عَلى عينَي مُبلّلة من أطرَافها تُقطّر مطرًا إلى الأرض، لَم أجِد لها أثرًا حتّى أنّني فكّرت بالذّهاب إلَى مكان عملِ أبي.. القلق لاكَ عقلِي آنذاك لَم يكُن بعادَتها الاِختفاء فجأة.
وسطَ الظّلمة والضّوء القلِيل من المِصباحِ فوقَ الباب سقطتُ علَى رُكبتاي ألهثُ بحدّة إذ قواي قد خارَت، فجأة أتت أمّي من دُبر واِحتضنت جثّتي الضّعيفة باِرتجاف.
اِحتضنتها ومِن قلَقي لَم أسأل عن مكَانها إنّما فقط عبّرت عن مدَى خوفِي بالدّموع والنّواح، كأنها سَمعت ما بمكنوناتِ عقلي إذ هدّأت روعِي بكلماتٍ قليلة.
- لا بأسَ إيزوكو، لن أتركك مجدّدًا.
مرّ يومان منذُ وقتئذٍ، يومَان قضيتهما بالفراش إذ أصبتُ بالحمّى، منذ الولادة و على حسب قول أمي اِمتلكت مناعة هشة جدا.
بذاك اليوم والدي قد نام بمكان عمله، و لم يسأل عن حاليِ، رغم ذلك حين زارني بغرفتي لمدة ثلاث دقائق فقط، قضيت تلك الليلة ابتسم كالأبله، لطالما آمنتُ بأنه يتخفّى خلفَ برودِه.