-3

2 1 0
                                    


عادت للمصحة التي بدأت العمل بها منذ مدة قصيرة لتجد مكتبها كما تركته تماما،إبتسمت بخفة تدلف بخطوات هادئة ، تتخذ جلستها خلف مكتبها وتجذب هاتفها ترى مواعيدها وما إلى ذلك..

وقع نظرها على إسم مريضها الوحيد الحالي..
نظرت له بشرود تتذكر تفاصيل آخر جلسة؛
كلماته،طريقة حديثه، والأهم..نظراته تلك..نظرات شخص بين العقل والجنون،

غريق يجيد السباحة ربما ؟...

موعدها معه بعد نصف ساعة فقط ، وتتسائل حقا عن سبب مجيئه الحقيقي للخضوع لعلاج لا يرغب به..

وقفت مكانها تعيد الكرسي للخلف بمهل ، خصلاتها الكراميلية تتراقص أمامها ، أزاحتها ببطئ عن ناظريها ، يسمع طرق كعب حذائها بينما تتجه لخارج مكتبها تنوي الحصول على فنجان قهوة في هذا الصباح البارد...

ألقت التحية على بعض العمال والأطباء الذين صادفتهم أثناء عودتها للمكتب، تجلس مكانها تحتسي من كوبها بصمت قاطعته الطرقات المستأذنة على الباب قبل أن يفتح وتظهر ممرضة رفقة ساراز...

سروال قطني رمادي، قميص أسود..خصلات شعر مبعثرة ونظرات فارغة، لا وجود لسبب يجعل أنفاسها
تضيق لكنها فعلت...

إستأذنت الممرضة وخرجت تغلق الباب خلفها..مرت ثواني من الصمت قوطع حينما وضعت كوبها جانبا تقف ، تبتسم بهدوء وأعين لامعة ، أشارت له بصمت ليجلس ففعل بصمت كذلك..

إبتسم بجانبية يهمس بصوت حرص على أن يصلها

"طبيبة مريضة"

"أفضل من مريض مجنون"

"هذا ينافي أخلاقيات العمل"

ضحكت بخفوت بسبب نبرته الجدية تجلس مكانها وتنظر له بنفس الإبتسامة ، لينظر لها بتلاعب يسأل

"إذا..؟"

أعادت خصلات شعرها للخلف مجددا تلاحظ نظراته التي تركز على خواتمها الفضية، تحدثت بهدوء وعملية

"إذا ساراز...مادور العائلة في حياة الطفل؟"

"سؤالك مباشر بطريقة لا يجب أن يطرح بها حضرة الطبيبة"

"كلانا يدرك أنك لست هنا للعلاج"

"عليك محاولة علاجي..لير.."

صمتت لثواني بدهشة من إختصاره لإسمها، إبتسمت بخفوت تهز رأسها بغير تصديق

"أنت لست هنا للعلاج..."

قالت تنظر صوب عيناه الفارغتان مباشرة، تخبره انها تدرك أنه لا يرغب بذلك ولا يفكر به حتى ، تجبره على تقبل أنها تعلم أنه يرغب بشيء آخر تماما..

"ربما أنا هنا من أجل شخص؟..رغبة؟ ربما..من يعلم؟"

نظر بشكل خاص يعود بجسده ضد ظهر الكرسي، نظراته حملت شيئا جائعا ومظلما..قبيحا بشكل جعلها تجعد حاجبيها تبتلع..صمتت لثواني تنظر له ، أبعدت أنظارها تحتسي آخر رشفة من كوب قهوتها، تعود للنظر إليه تسأل بخفوت

"رغبة بالحرية؟"

"كلا..أنا سجين أبدي.."

"الإنتقام؟"

"لن يثلج صدري.."

"ماذا إذا..؟"

"شخص..شخص يضمني ولا يمانع طعني له عندما أرغب برؤية دمائه "

إهتزت نظراتها تعود بجسدها للخلف عندما إنتفض بعنفوان يماثل عنف كلماته، يضع يديه على مكتبها وينظر لها بإبتسامة هادئة ونظراته تلتهم جسدها ، إبتلعت،يتوتر جسدها ، ثقلت أنفاسها تشعر بقلبها على وشك الإنفجار.. ومع ذلك حافظت على ملامح ثابثة..

نظر لها يضحك بخفوت و يعود لمكانه

"وجه البوكر...أحسنتي أيتها الطبيبة..أخشى عليك من إهتمامي إن سلط عليك.."

زفرت بهدوء تشيح بوجهها للجانب ، مسحت على رقبتها بهدوء تنظر له يتتبع حركة يدها المزينة بخواتمها ، تنهدت تشعر بتعب نفسي..لا تصدق أنه الصباح فقط ولازال أمامها يوم كامل..كلماته لا تطمئن أبدا..لا شيء به يطمئنها..

"تصرف هكذا مجدداً وستتعفن في السجن..أعدك"

"أوه..كنت أمزح...جنس ناعم بكاء "

قال بإبتسامة جانبية ساخرة وصوت فارغ ينظر لها..

"العائلة هي قالب..هي ما يصنعك ويمنحك الشكل الأساسي..خاصتي شكلتني من طين متعفن..
ممزوج بدماء ظلال كريهة تعود كل ليلة لنهش روحي ، تنزف روحي ما نزفته أجساد غيري سابقا..لير"

قال ينظر لعينيها ، صوته خافت لين ، ونظرته رقت بل كسرت تظهر لها تشوهات روحه ،يمنحها إبتسامة خافتة أثناء حديثه..ليختفي كل ذلك فجأة عندما نطق إختصار إسمها ، تغلف عيناه نظرة قاسية جامدة ، وترتخي تعابير وجهه بشكل فارغ ميت..

تبادلا النظرات لثواني ، لتنتفض هي مكانها عندما وقف بصمت ينوي المغادرة ، وقفت أمام الباب تسد طريقه

"ساراز دوكريت..لم تنتهي الجلسة بعد أيها المريض"

"أنا سجين قبل أن أكون مريضا أيتها الطبيبة..من سلب روح أول موطن له لن يتردد أمام أرواح الآخرين "

قال بهمس أمام وجهها مباشرة ، طرف أنفه يلامس خاصتها... وعيناه الفارغتان الناعستان تنظران لخاصتها المتسعة..

منحها إبتسامة جانبية سامة يمسك ذقنها يمنعها من الحركة ، مد يده الأخرى يحشر شيئا في جيبها..ثم أفلتها  يدفعها جانبا بفظاظة ويطرق الباب تفتح له الممرضة وترافقه خارجا..

يترك ليران متصلبة مكانها بقلب مضطرب...

تحركت أخيرا تغلق الباب تستند عليه، تمسك ما وضعه في جيبها ليتضح أنها رسالة، مررت عيناها على الأسطر بسرعة لتخفض رأسها ترتجف يدها الممسكة بالورقة الصغيرة...




















______________________________________

           
                 أنتم نجوم سمائي فأنيروها

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Oct 19 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

إصفحي عنيWhere stories live. Discover now