الفصل الاول: على شفير الفقد

62 6 2
                                    

كانت ليلة مظلمة و كالمعتاد اشعل فيها ماركو الشعلات خارج بيته لمنع اقتراب الوحوش الاكلة للحم البشري و الملقبة ب "الفليش ايترز" و فور انتهائه توجه لغرفة والدته من اجل تفقد حالتها.
دق على باب غرفتها مستئذنا منها من اجل الدخول لترد عليه بصوت خافت ممزوج بالسعال: "تفضل..بدخول يا بني"
فتح ماركو باب الغرفة و دخل ليرى والدته مستلقية على فراشها عيناها شبه مغلقة و وجهها شاحب مصفر غير قادرة على الحراك ، فإقترب منها ببطء و من ثم وقف امامها و حملق بعينه في الارجاء فرأى ان الطعام الموضوع امامها بالكاد لم يمس و من ثم دنى منها و تكلم بصوت رقيق و قال:"عليك انت تنهي طعامك أماه..انك تحتاجينه اذا اردتي لحالتك ان تتحسن"
نظرت امه نحوه و من ثم سعلت قليلا قبل أن تجيبه قائلة:"لقد..كنت في انتظارك..حتى نأكل سويا يا بني".
ظل ماركو صامتا لوهلة ثم طأطأ برأسه موافقا و جلس يتناول الطعام مع والدته.
و بينما كان الاثنان يأكلان توقف ماركو لوهلة و حملق في الطعام و قال بصوت هادئ:" تدرين يا أمي انه بإمكاني العيش ببقايا الطعام كالعادة..لم تكوني بحاجة لان تطلبي مني الانظمام لك في الاكل"
ابتسمت امه ابتسامة صغيرة و من ثم اجابته بصوت رقيق حنون قائلة:" و لما هذا..ألا يحق لام ان تشارك الطعام مع ابنها الوحيد؟"
فينظر ماركو نحوها بنظرات يملأها القلق و يقول:" الامر هو انك لست في صحة جيدة..عليك أن تأكلي جيدا و تأكلي كثيرا..انا على الجهة الاخرى بخير و استطيع العيش على بقايا الطعام كالعادة"
تبدا ابتسامة الام في التلاشي قليلا، نظرت إلى الارض و من ثم اجابته بصوت رقيق فيه بعض الحزن:"الامر هو يا ولدي...اني بدأت احس ان..نهايتي قد اقتر-"
قبل أن تكلم كلامها قاطعها ماركو قائلا بصوت حازم شبه عال:"لا تقولي هذا!..هذا لن يحدث ابدا...سأخرج غدا و احضر لك المزيد من تلك الاعشاب و ستكونين بخير مجددا!"
عم الصمت لوهلة و من ثم ابتسمت الام مجددا و وضعت يدها على كتف ماركو و شرعت في الضغط عليه برفق و قالت بصوت حنون:" اعتذر عن قول هذا يا بني و لكن-"
و لمرة الثانية قاطعها ماركو قائلا بصوت حازم و شبه عال:" لا تقولي لكن!...سيكون كل شيء بخير ستشفين من مرضك قريبا و تعودين لحالتك الصحية القديمة....لن اسمح بحصول اي شيء آخر غير هذا!"
عم صمت لوهلة و من ثم قال ماركو بصوت هادئ:" اعتذر عن مقاطعتي لك مرتين..و لكن حقا لا يمكنني تقبل سماع هذا..انك اعز ما املك اذا فقدتك..لا اعلم ما قد افعل!"
نظرت امه نحو و إبتسمت و من ثم تركت قبضتها من كتفه و قالت بصوت حنون:" اعلم..اسفة لقول هذا يا عزيزي نعم..ماكان علي التفكير في ذلك." ثم لبثت قليلا و قالت:"انك شخص طيب انا اثق ان الملايين يتمنون ان يكون عندهم ابن مثلك..او صديق مثلك" ثم ابتسمت له و لبثت لبعض الوقت صامتة و من ثم قالت:"لقد تأخر الوقت الان...من الافضل ان تأخذ قسطا من الراحة."
طأطا ماركو رأسه كعلامة على التفهم و قال بصوت رقيق هادئ مرفوق بإبتسامة: نعم معك حق الافضل ان أنام..و انت ايضا اماه..نوما هنيئا لك اتمنى ان تتحسن حالتك قريبا"
و من ثم نهض و غادر الغرفة مغلقا الباب من خلفه برفق
عادت الام لتكون وحيدة في غرفتها..نظرت مطولا الى الباب و إبتسمت و من ثم استلقت على فراشها و قالت بصوت خافت:" اسفة يا بني..و لكني حقا في حالة يرثى لها و انا حقا على شفير الموت...اعتذر منك اذا ما سببت حالتي المتاعب لك..انك لم تستحق عيش حياة كهذه..لو ان ذلك الرجل فقط لم يتركنا وحيدين في صغرك و لم يكن مجرد مدمن قمار...لربما كان وضعنا الان افضل".
و من ثم اغلقت عينيها و انهمرت منها بعض الدموع و من ثم نامت.
في الناحية الاخرى دخل ماركو غرفته و تأملها لوهلة و من ثم اقترب من النافذة و نظر للخارج و قال:" ان الرياح قوية هذه الليلة اكثر من الليالي السابقة..حتى لو كان احد تلك المخلوقات قريبا ستكون ملاحظته صعبة جدا....اني حقا اتمنى ألا اضطر لمقابلة احدها قريبا!"
من ثم استلقى على فراشه و نظر الى السطح مطولا و قال بصوت هادئ:" أمي..ارجو ان تتحسن حالتك قريبا"و من ثم اغلق عينيه و نام.
في تلك الاثناء تسببت الرياح القوية لهذه الليلة بإطفاء بعض الشعلات التي كانت تنير الجهة الامامية للمنزل من الخارج
بعد بعض ساعات و بالتحديد اربع ساعات استيقظ ماركو من نومه على صوت انفتاح نافذة غرفته بسبب الرياح القوية ليقوم بعدها بإغلاقها و من ثم توجه نحو غرفة امه ليطمئن عليها
فتح الباب ببطئ و حذر و من ثم دخل و تقدم نحو امه التي كانت غارقة في نومها و من بعدها دنى منها بينما كان يبتسم، و لكن سرعان ما بدأت ابتسامته في الاختفاء بعدما لاحظ ان امه لم تكن تتنفس او تتحرك فبسرعة بدأ في هزها لتستيقظ و لكن دون جدوى، و من ثم دنى منها اكثر و وضع اذنه على صدرها ليتفقد نبضها..و لكنه لم يسمع اي شيء.
سرعان ما بدأ في الهلع و الارتعاش و اصبح تنفسه اثقل و اصعب و صار يحس بثقل في صدره و بدأت القليل من الدموع بالانهمار من عينيه بينما يقول بصوت يملأه اليأس:" امي...لا..هذا لا يمكن! لا..لا يمكن لهذا ان يحصل...لماذا!...لماذا!!"
و بينما هو غارق في احزانه داخل الغرفة كان باب المنزل الامامي قد شرع في الانفتاح شيئا فشيئا و بدأ ظل اسود كبير في التقدم الى الداخل، لقد اقتحم احد تلك الوحوش اكلة اللحوم النهمة المنزل.

قلوب من ظلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن