كانت ليلة مظلمة و كالمعتاد اشعل فيها ماركو الشعلات خارج بيته لمنع اقتراب الوحوش الاكلة للحم البشري و الملقبة ب "الفليش ايترز" و فور انتهائه توجه لغرفة والدته من اجل تفقد حالتها.
دق على باب غرفتها مستئذنا منها من اجل الدخول لترد عليه بصوت خافت ممزوج بالسعال: "تفضل..بدخول يا بني"
فتح ماركو باب الغرفة و دخل ليرى والدته مستلقية على فراشها عيناها شبه مغلقة و وجهها شاحب مصفر غير قادرة على الحراك ، فإقترب منها ببطء و من ثم وقف امامها و حملق بعينه في الارجاء فرأى ان الطعام الموضوع امامها بالكاد لم يمس و من ثم دنى منها و تكلم بصوت رقيق و قال:"عليك انت تنهي طعامك أماه..انك تحتاجينه اذا اردتي لحالتك ان تتحسن"
نظرت امه نحوه و من ثم سعلت قليلا قبل أن تجيبه قائلة:"لقد..كنت في انتظارك..حتى نأكل سويا يا بني".
ظل ماركو صامتا لوهلة ثم طأطأ برأسه موافقا و جلس يتناول الطعام مع والدته.
و بينما كان الاثنان يأكلان توقف ماركو لوهلة و حملق في الطعام و قال بصوت هادئ:" تدرين يا أمي انه بإمكاني العيش ببقايا الطعام كالعادة..لم تكوني بحاجة لان تطلبي مني الانظمام لك في الاكل"
ابتسمت امه ابتسامة صغيرة و من ثم اجابته بصوت رقيق حنون قائلة:" و لما هذا..ألا يحق لام ان تشارك الطعام مع ابنها الوحيد؟"
فينظر ماركو نحوها بنظرات يملأها القلق و يقول:" الامر هو انك لست في صحة جيدة..عليك أن تأكلي جيدا و تأكلي كثيرا..انا على الجهة الاخرى بخير و استطيع العيش على بقايا الطعام كالعادة"
تبدا ابتسامة الام في التلاشي قليلا، نظرت إلى الارض و من ثم اجابته بصوت رقيق فيه بعض الحزن:"الامر هو يا ولدي...اني بدأت احس ان..نهايتي قد اقتر-"
قبل أن تكلم كلامها قاطعها ماركو قائلا بصوت حازم شبه عال:"لا تقولي هذا!..هذا لن يحدث ابدا...سأخرج غدا و احضر لك المزيد من تلك الاعشاب و ستكونين بخير مجددا!"
عم الصمت لوهلة و من ثم ابتسمت الام مجددا و وضعت يدها على كتف ماركو و شرعت في الضغط عليه برفق و قالت بصوت حنون:" اعتذر عن قول هذا يا بني و لكن-"
و لمرة الثانية قاطعها ماركو قائلا بصوت حازم و شبه عال:" لا تقولي لكن!...سيكون كل شيء بخير ستشفين من مرضك قريبا و تعودين لحالتك الصحية القديمة....لن اسمح بحصول اي شيء آخر غير هذا!"
عم صمت لوهلة و من ثم قال ماركو بصوت هادئ:" اعتذر عن مقاطعتي لك مرتين..و لكن حقا لا يمكنني تقبل سماع هذا..انك اعز ما املك اذا فقدتك..لا اعلم ما قد افعل!"
نظرت امه نحو و إبتسمت و من ثم تركت قبضتها من كتفه و قالت بصوت حنون:" اعلم..اسفة لقول هذا يا عزيزي نعم..ماكان علي التفكير في ذلك." ثم لبثت قليلا و قالت:"انك شخص طيب انا اثق ان الملايين يتمنون ان يكون عندهم ابن مثلك..او صديق مثلك" ثم ابتسمت له و لبثت لبعض الوقت صامتة و من ثم قالت:"لقد تأخر الوقت الان...من الافضل ان تأخذ قسطا من الراحة."
طأطا ماركو رأسه كعلامة على التفهم و قال بصوت رقيق هادئ مرفوق بإبتسامة: نعم معك حق الافضل ان أنام..و انت ايضا اماه..نوما هنيئا لك اتمنى ان تتحسن حالتك قريبا"
و من ثم نهض و غادر الغرفة مغلقا الباب من خلفه برفق
عادت الام لتكون وحيدة في غرفتها..نظرت مطولا الى الباب و إبتسمت و من ثم استلقت على فراشها و قالت بصوت خافت:" اسفة يا بني..و لكني حقا في حالة يرثى لها و انا حقا على شفير الموت...اعتذر منك اذا ما سببت حالتي المتاعب لك..انك لم تستحق عيش حياة كهذه..لو ان ذلك الرجل فقط لم يتركنا وحيدين في صغرك و لم يكن مجرد مدمن قمار...لربما كان وضعنا الان افضل".
و من ثم اغلقت عينيها و انهمرت منها بعض الدموع و من ثم نامت.
في الناحية الاخرى دخل ماركو غرفته و تأملها لوهلة و من ثم اقترب من النافذة و نظر للخارج و قال:" ان الرياح قوية هذه الليلة اكثر من الليالي السابقة..حتى لو كان احد تلك المخلوقات قريبا ستكون ملاحظته صعبة جدا....اني حقا اتمنى ألا اضطر لمقابلة احدها قريبا!"
من ثم استلقى على فراشه و نظر الى السطح مطولا و قال بصوت هادئ:" أمي..ارجو ان تتحسن حالتك قريبا"و من ثم اغلق عينيه و نام.
في تلك الاثناء تسببت الرياح القوية لهذه الليلة بإطفاء بعض الشعلات التي كانت تنير الجهة الامامية للمنزل من الخارج
بعد بعض ساعات و بالتحديد اربع ساعات استيقظ ماركو من نومه على صوت انفتاح نافذة غرفته بسبب الرياح القوية ليقوم بعدها بإغلاقها و من ثم توجه نحو غرفة امه ليطمئن عليها
فتح الباب ببطئ و حذر و من ثم دخل و تقدم نحو امه التي كانت غارقة في نومها و من بعدها دنى منها بينما كان يبتسم، و لكن سرعان ما بدأت ابتسامته في الاختفاء بعدما لاحظ ان امه لم تكن تتنفس او تتحرك فبسرعة بدأ في هزها لتستيقظ و لكن دون جدوى، و من ثم دنى منها اكثر و وضع اذنه على صدرها ليتفقد نبضها..و لكنه لم يسمع اي شيء.
سرعان ما بدأ في الهلع و الارتعاش و اصبح تنفسه اثقل و اصعب و صار يحس بثقل في صدره و بدأت القليل من الدموع بالانهمار من عينيه بينما يقول بصوت يملأه اليأس:" امي...لا..هذا لا يمكن! لا..لا يمكن لهذا ان يحصل...لماذا!...لماذا!!"
و بينما هو غارق في احزانه داخل الغرفة كان باب المنزل الامامي قد شرع في الانفتاح شيئا فشيئا و بدأ ظل اسود كبير في التقدم الى الداخل، لقد اقتحم احد تلك الوحوش اكلة اللحوم النهمة المنزل.
أنت تقرأ
قلوب من ظلام
Adventureهل فكرت يومًا كيف يمكن لجشع رجل واحد أن يهدد مصير البشرية؟ في البداية، لم أولِ هذا السؤال الكثير من الاهتمام. الجميع أحرار في حياتهم واختياراتهم. لكنني كنت أحمل ذرة فضول. هل يمكن حقاً أن يجلب جشع فرد واحد دماراً شاملاً؟ في البداية، كانت الفكرة تبدو...