يُقال أن الصّمتَ ما هو سوى غطاء للضجيج الذي يسكن دواخلنا، وأنا أقول أن هذا صحيح، نحن نصمتُ ليس حينما تنفذ الكلمات منا بل حين نعجز عن الحديث والتعبير بسبب كثرة ما بداخلنا.
ثم إن هذا الصمت يدفعنا للهرب بعيدا عن البشر، ولنبقى بمفردنا لبعض الوقت، لا نفعل سوى المراقبة والنظر، إلى لوحة ربما، نغرق في تفاصيلها، في أمواج البحر، في السماء، في الجمال الصامت، نتبادل حديثا دون كلمات أو أصوات، مع الطبيعة أين تجد الروح مهربا لها من كل الضجيج الذي يستطيع تمزيقنا، ويجعل الجمال ينكمش.
لذلك عندما نرغب بأن يتم سماعنا نصمت، عندما لا نجد ما نقوله نراقب فحسب.
ننظر للتفاصيل...
أحبّ التفاصيل، تلك الصغيرة منها التي يظن الواحد منا أن بدونها يستمر العالم، لكن قلّة من هم يستطيعون رؤية العوالم الصغيرة الخفية بين ثنايا أيامنا، تلُوح لنا في غصن شجرة، بخار كأس شاي، غيمة عابرة، عشّ طائر، موج هادئ وحتى نملة تسير حاملة حبّة سكر صغيرة.
إنها حتما تضجّ بالحياة ومعناها، لكننا لا نراها وسط فوضى الأيام والضجيج الذي لا يخرس في عصر السرعة، فلا نكاد نفتح أعيننا حتى نجد العجلة تدور وتدور، وعلينا مواصلة الركض إلى ما لا نهاية، كلما أُخبِرنا أننا أوشكنا على الوصول لبدء العيش إذ بنا نبدأ جولة أخرى وهكذا يمضي الوقت ونحن لا نشعر، ظنّا أننا فعلا على الطريق الصحيح. وحتى لو كنا كذلك فلا بدّ للحظات من التريّث لتأمل جمال التفاصيل.
أحبّ آلة التصوير الرقمية خاصتي، لأنها تجعلني أسير عبر طرقات المدينة باحثة عن تفاصيل صغيرة كي ألتقطها، إنها تداعب بنعومة الروح الدافئة في داخلي حتى أنظر للحياة من الجانب الآخر، الجانب الطيّب منها، ولهذا فأنا أحبّها، أسير متفحصة كل شيء، أينما كنت وكيفما كان الوقت، سأحملها دوما معي وألتقط الصور.
كانت هناك تلك الأيام التي ألتقط فيها صورا عشوائية لأخلّد الذكرى، هل سأرى ذلك العصفور مجددا؟ عليّ إلتقاط صورة له، أم أني هل سأعيش يوما آخر لأشهد غروب شمس على الشاطئ يماثل هذا الغروب بالضبط؟
حتما لا.
لكن ما أحببتُه بالفعل كان طيور النورس والبحر وأبولو.
أنت تقرأ
إبتسم للكاميرا، أبولو
Romance«آمل أنّك تبتسم الآن، كما فعلتَ قبل قليل أبولو، آمل أن تبتسم للأبد.»