Part 1

25 3 2
                                    

ظلُّ الشهرة

الشُّهرةَ... لطالما حلمتُ بها، تخيَّلتُ أنَّني سأكون سعيدًا وسطَ كلِّ هذا الاهتمام، كلِّ هذا الحُب. لكنَّني الآن، وبعدَ كلِّ هذه السنينِ، أشعرُ أنَّني أضيعُ في ظلالِها. قد يكونُ الأمرُ غريبًا؛ كيفَ يمكنُ للإنسانِ أن يشعرَ بالوحدةِ وسطَ حشودِ المعجبينَ؟! ولكن، صدِّقني، هذه الوحدةُ عميقةٌ جدًا، تبتلعني كلَّ يومٍ.

ذاتَ مساءٍ كنتُ أتنفَّسُ بعمقٍ، أشعرُ أنَّني أبتعدُ عن كلِّ شيءٍ ثقيلٍ يحيطُ بي. كنتُ قد انتهيتُ من إحدى الحفلاتِ الكبرى، وكنتُ في سيَّارتي أراقبُ الشوارعَ الممتدةَ. أضواءُ المدينةِ تلمعُ من حولي، لكنَّها لم تُضئ داخلي. شيءٌ ما كانَ ينقصني، شيءٌ أكثرُ من النجاحِ والشهرةِ التي لطالما اعتقدتُ أنَّها ستحقِّقُ كلَّ رغباتي. كلُّ تلكَ الأضواءِ والتصفيقِ لم تكنْ قادرةً على ملءِ الفراغِ الذي أشعرُ به. كأنَّني مجرَّدُ ظلٍّ يتجولُ في الحياةِ بلا روحٍ.
قررتُ فجأةً أن أتركَ كلَّ شيءٍ وراءَ ظهري ولو للحظةٍ. أخذتُ استراحةً من الشركةِ، وارتديتُ بعدها قبعتي ونظَّارتي، وأخذتني قدماي إلى مقهى صغيرٍ لم يكن معروفًا للعموم، وكأنَّه مخبأ عن العالم. كانت أجواؤه هادئةً جدًا، بعيدًا عن الصخبِ الذي يرافقني في كلِّ مكانٍ أذهب إليه. جلستُ في ركنٍ مظلمٍ، أبحثُ عن هدوءٍ نفسيٍّ، أبحث عن تلكَ الراحةِ التي لم أجدها في عالمِ الأضواءِ.

هناك، في هذا المقهى الغرِيب، رأيتُها للمرةِ الأولى. كانت تقفُ خلفَ المنضدةِ، عيناها لا تحملانِ شيئًا من الاهتمامِ بعالمنا. كانت فتاةً بسيطةً، لا تعلمُ من أكون. هذا ما شدَّني إليها. كانت تتعاملُ معي كأنني شخصٌ عاديٌّ، لا أكثر ولا أقل. أمرٌ نادرٌ في حياتي هذه الأيام.

أخذنا الحديثَ شيئًا فشيئًا. بدأت زياراتي للمقهى تتكرَّرُ بشكلٍ غير متوقَّع. كنتُ أجدُ في حديثها ملاذًا من كلِّ ضجيجِ الشهرةِ، شيئًا مختلفًا عن العالمِ الذي أعيشُ فيه. مع كلِّ يومٍ، كنتُ أقتربُ أكثر من فهمها ومن معرفةِ شخصيتِها. كنتُ أرى فيها نقاءً وهدوءًا لا يوجدانِ في حياتي الصاخبة.
مرَّت الأيام، ومع مرورها ازدادت علاقتنا عمقًا. كنا في البداية نجلسُ بعد أن تُنهِي طلباتِ الزبائنِ مجرَّد صديقين يتشاركانِ بعضَ الأحاديثِ اليومية، لكنها كانت أكثر من مجرد أحاديث. كانت تُصغي إليّ بطريقةٍ لم أعتدْها. كنتُ أستطيعُ أن أتحدثَ معها بحريةٍ، دون الخوف من الأحكامِ أو التوقعات. وفي تلكَ اللحظاتِ، شعرتُ بأنني أعودُ إلى نفسي، إلى الشخص الذي كنتُ عليه قبل أن تلتهمني الشهرة.

لكنَّ شيئًا داخلي كان يتغيَّر. بدأتُ أشعرُ بشيءٍ يتجاوزُ الصداقة. في كلِّ مرةٍ ألتقيها، كانت مشاعري تزداد تعقيدًا. كنتُ أبحثُ عن الكلماتِ لأُعبِّر عمَّا يدورُ في داخلي، لكنَّني خشيتُ خسارتها إذا اعترفتُ لها بما أشعر. كانَ صراعًا داخليًا عنيفًا. "أأُخاطرُ وأفصحُ عن حبِّي لها؟ أم أظلُّ صامتًا وأحتفظُ بما بيننا من صداقة؟"

ظل الشهرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن