الفصل الرابع: أسرار الظلال
بعدما انغلقت الظلال حول ليلى في المكتبة، شعرت كما لو أن المكان قد انتزع من عالمها وانتقل إلى بُعد آخر؛ بُعد مليء بالصمت الداكن والمجهول. كانت قادرة على الشعور بنبضات قلبها تتسارع في صدرها، متزامنة مع تراقص الظلال من حولها.
تقدمت ليلى خطوة للأمام، محاولة الوصول إلى الكتاب مجددًا. لم يكن شيء واضح، ومع ذلك شعرت بوجود شيء ما يراقبها. كانت الظلال تحيطها أكثر، تكاد تخنقها، تلتف حول قدميها ببطء وتشدها إلى الخلف. "لا، لا أستطيع البقاء هنا!" همست لنفسها، بينما تجاهد للخروج من قبضة الظلال المتكاثفة.
وفجأة، سمعت همسة منخفضة، صوتًا لم يكن من العالم الذي تعرفه. كان همسًا غريبًا، لكنه بدا مألوفًا بطريقة غير مفسرة. "اقتربي من الزهور، هنالك مفتاح"، قال الصوت بنبرة غامضة وهادئة. كانت تعلم أن عليها أن تثق بهذا الصوت، رغم كل الغموض المحيط به.
خرجت ليلى من المكتبة بسرعة، وفي قلبها خليط من الرهبة والفضول. اتجهت مرة أخرى إلى الحقل حيث تنمو الزهور الليلية. وعندما وصلت، كانت الشمس قد بدأت بالغروب، وظهرت تلك الزهور مرة أخرى، تتفتح ببطء وتنتشر كأنها تستعد لاستقبالها.
اقتربت ليلى بحذر من الزهور، وبينما كانت تتفحصها، رأت أن جذورها لم تكن تمتد تحت الأرض فحسب، بل كانت تندمج مع ظلال خفية وكأنها تمتد نحو مكان بعيد، نحو عمق لا يمكن أن تراه بعينها. وبينما تراقبها، ظهر الجذر الأسود الذي رآته في الليلة السابقة، يتلوى ويتحرك ككائن حي، يشدها نحوه.
فجأة، ظهرت دائرة من الزهور وسط الحقل، أكبر وأغرب من غيرها، متشابكة وكأنها ترسم رموزًا قديمة. وقفت ليلى في منتصف الدائرة، وشعرت وكأن شيئًا ما كان يحاول التواصل معها.
"إذا كنتِ تريدين معرفة الحقيقة، عليكِ أن تدخلي إلى الظل." قال الصوت الغامض مرة أخرى، بصوت خافت وكأنه يتلاشى مع الرياح. لم تفهم ليلى ما يعنيه ذلك تمامًا، لكنها شعرت باندفاع للانغماس في هذه التجربة، رغم كل المخاوف.
وقفت ليلى بين الظلال والزهور، مغمضة عينيها، مستعدة للمواجهة. وما إن فعلت ذلك، حتى بدأت الزهور تتحرك من حولها في تناغم، وكأنها ترسم بوابة بين عوالم خفية.
حين فتحت عينيها مرة أخرى، وجدت نفسها في مكان مختلف. كان ظلامًا مطلقًا، مع ضوء خافت ينبعث من بعيد. كانت الزهور المحيطة بها تلمع بلون غريب، باهت لكنه قوي. كان بإمكانها رؤية أشكال غامضة تتحرك في الخلفية، ظلال تراقبها وتترصد خطواتها.
وبينما كانت تتقدم ببطء نحو الضوء، سمعت الهمسات من جديد. "أنتِ تبحثين عن الحقيقة، لكن الحقيقة ليست كما تظنين. ما تراه العيون ليس إلا جزءًا ضئيلًا من الصورة الكاملة."
بدأت ليلى تفكر في كلمات الصوت، متسائلة عن حقيقة هذا العالم المظلم وعن دورها فيه. وعندما وصلت إلى الضوء، وجدت أمامها مرآة قديمة، مليئة بالغبار. نظرت فيها، ورأت انعكاسها ولكنها كانت مختلفة، أكبر سنًا، وعيونها تلمع بالمعرفة والخوف معًا.
في اللحظة التي مدت يدها للمس المرآة، أحاط بها وهج خافت، وعادت إلى عالمها الأصلي. كانت تقف وسط الحقل مجددًا، لكنها أدركت أن هناك شيئًا قد تغير بداخلها.