ظلال الماضي

0 0 0
                                    


في زاوية مظلمة من البيت المهدم، جلس سامي على الكرسي القديم الذي كان يشغله دائمًا في غرفة الجلوس. الهواء بارد، ورائحة العفن تعبق في كل ركن من أركان المنزل الذي عاش فيه طوال سنواته الأولى. لكن هذه الرائحة لم تكن هي الوحيدة التي جعلته يشعر بالضيق، هناك شيء آخر، شيء أكبر يطوف حوله.

المنزل كان قديمًا، مهدمًا، لكنه كان يحمل كل ذكرياته مع أمه التي رحلت منذ عامين. كانت هي كل شيء بالنسبة له، الحياة نفسها، ووفاتها كانت بمثابة انهيار كل شيء كان يظن أنه يعرفه. كان يراها في كل زاوية، يسمع صوتها في كل ركن، لكن الآن لم يعد يرى إلا الفراغ، والظلال التي تكبر مع الوقت.

كل مساء، يظل سامي في المكان ذاته، يحاول استرجاع اللحظات الجميلة مع أمه. لكنه لم يكن يدرك أن هذا العذاب سيكون له ثمن.

ذات الليلة، بينما كان يحاول النوم على الأريكة القديمة في غرفته، شعر بشيء غريب. أولاً، كان الصوت خفيفًا، كهمسات تأتي من بعيد، ثم بدأ الصوت يزداد وضوحًا. كانت الكلمات غير مفهومة، لكن كان هناك شيء يعرفه جيدًا في قلبه؛ كان الصوت يشبه صوت أمه.

شعر بجسده يرتجف، قلبه ينبض بسرعة، لكنه لم يجرؤ على الوقوف. هو يعلم أنه إذا فعل، قد لا يعود نفس الشخص الذي كان عليه.

ثم فجأة، ظهر الضوء الخافت في الزاوية. كانت هناك امرأة تقف هناك، وجهها محاطًا بظلال داكنة، ولكن رغم ذلك كان بإمكانه أن يميز ملامحها. شعر بشيء غريب في قلبه، كان يعرف ذلك الوجه جيدًا، ولكن عينيه كانت ترفض تصديقه.

"أمي؟" همس بها بصوت مرتعش، لسانه جافًا كأن الكلمات تكاد تخرج من بين شفتيه بصعوبة.

ابتسمت الظلال، لكن ابتسامتها لم تكن كما كانت عليه من قبل. كان هناك شيء في عيونها، شيء مظلم، شيء مليء بالحزن والغضب، وكأن الروح التي كانت أمه قد عادت لتطلب شيئًا منه.

"لماذا تركتني، سامي؟" قالت بصوت منخفض. كان الصوت يشبه صوت أمه، لكنه كان مشوشًا، محملًا بشيء من الألم. "لماذا تركتني وأنا في أمس الحاجة إليك؟"

سامي شعر وكأن الأرض تهتز تحت قدميه. في تلك اللحظة، عرف أن أمه لم تتركه، وأنه هو من تركها. في تلك اللحظة، أدرك أن شيئًا مظلمًا قد بدأ يتسرب إلى قلبه، شيئًا لا يستطيع الهروب منه.

ما وراء الوهمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن