¹-"بداية النهاية "

24 5 0
                                    

" القسم الأول "
مادِريد إسبانِيا

الساعة 9:30.. بالمحكمة الوطنية

جلست كاثرين على مقعدها في الزاوية اليسرى من قاعة المحكمة، تلك القاعة التي بدت وكأنها محكمة الزمن نفسه كانت الجدران الداكنة تحمل عبق الخشب المعتق و النوافذ الطويلة تسمح بخيوط ضوء باهتة يتسلل لتكشف وجوه الحاضرين القاعة بصمتها القاتم بدت كأنها شاهدة على حكايات مكسورة أكثر مما يمكن حصره.

بمعطفها الكشميري الذي وضعته بجانبها بدت وكأنها جزء من هذا السكون حقيبتها الجلدية السوداء كانت متمركزة بدقة على الجهة الأخرى فاصلة مادية بين حياتها الماضية وحياتها القادمة شعرها البني المتموج انساب بحرية على كتفيها متمردًا على انضباط يومها وعيناها العسلية كانت مثبتة على الأرض تراقب بلا وعي حركة قدميها تحت الطاولة في يدها اليسرى كانت ساعتها الحديدية الصغيرة تلتف حول معصمها النحيل بينما انشغلت أناملها بتدويرها ببطء تحاول إيقاف الزمن أو تسريعه من يعلم .

على الجانب الآخر جلس أندرو متوترًا في بدلته الداكنة التي بدت وكأنها تخنقه وجهه ذو الملامح الرجولية الحادة بدا شاحبًا أكثر من المعتاد عيناه السوداوان تابعتا كل حركة لكاثرين لكنها لم تلتقِ بهما ولو للحظة واحدة كان يحاول جاهدًا قراءة ملامحها تلك الملامح التي لطالما أحبها ، هدوؤها تناقضات عينيها بين العسلية الدافئة وبرود النظرة و تلك الابتسامة التي كانت في الماضي تعني كل شيء له لكنها الآن غابت تمامًا .
توقف نظره أخيرًا عند يدها اليسرى عند إصبعها الذي كان يحمل خاتم زواجهما في ما مضى لكن الأن مجرد فراغ ، الفراغ الذي تركه الخاتم هناك بدا وكأنه طعنة صامتة شعر أندرو بشيء ينكسر داخله ذلك الشعور الذي يرافق فقدان شيء لم يُدرك قيمته حتى بعد فات الأوان .

كانت المشاعر تضطرب داخله كبحر في عاصفة غضب مكتوم لأنه لم يستطع منع ما يحدث حزن عميق لفقدان شيء كان يحبه واستسلام بارد لفكرة أن هذا هو القدر الذي فرض عليهما .

كانت اللحظة التي نطقت فيها كاثرين بـ 'نعم' لتأكيد طلب الطلاق أشبه بضربة سكين هادئة و حاسمة ليس كل قرار نهائي دليلًا على الكراهية أو الخيانة أحيانًا يكون الانفصال صرخة يائسة من أجل النجاة محاولة لإنقاذ ما تبقى من الروح قبل أن تُبتلع في ظلام الروتين أحيانًا تنطفئ الشموع لا لأن أحدًا أراد ذلك بل لأن الهواء أصبح ثقيلًا لدرجة أنه لم يعد يسمح لها بالبقاء مضاءة لم تكن كاثرين تطفئ النور الذي كان بينهما بل كانت تهرب من ظلاله التي طغت على حياتها متيقنة أن الظلال لا يمكن أن تكون موطنًا أبديًا ."

و عندما رفع القاضي نظره وأعلن رقم القضية و قد إنتهت رفعت كاثرين عينيها للحظة خاطفة نحو أندرو كانت تلك النظرة الأخيرة التي جمعت بينهما كزوجين . أندرو بحزن يشبه الجبال الثقيلة أراد أن يصرخ أن يتوسل لها لكنه لم يفعل رأى في عينيها قرارًا صامتًا لا رجعة فيه وفهم متأخرًا جدًا أن الشمعة التي جمعت حياتهما قد احترقت بالكامل.
بهدوء يشبه هدوء بحيرة ساكنة ، لكنها كانت تحمل عاصفة داخلية طغت عليها طيات السنوات الماضية و ابتسامة خافتة بالكاد مرئية، ارتسمت على شفتيها ؛ لم تكن ابتسامة سعادة بل كانت أشبه بتلك التي تظهر على وجه شخص يجد السلام في قبول ما لا يمكن تغييره رفعت عينيها لتجد أندرو يقترب منها ببطء وجهه كان لوحة من المشاعر المختلطة عيون سوداء تحمل اضطرابًا لا تستطيع إخفاءه وملامح جامدة تخفي ما يعجز عن قوله .
وقف أندرو أمامها تردد في البداية قبل أن يهمس بصوت بالكاد يُسمع "إذن، انتهى الأمر."
أومأت كاثرين برأسها ببطء تُثبت حقيقة لا جدال فيها نظرت إليه بعينيها العسليتين كانت عيناها فارغتين من أي شعور و كأنها صارت ترى الماضي من خلاله فقط الماضي الذي أصبح الآن طيّ النسيان .
همست له بصوت هادئ و ثابت "نعم ، انتهى الأمر سيد أندرو وأتمنى لك حياة سعيدة... بدونّي."
كانت الكلمات قاسية، لكنها خرجت برقة ، تُهديه حريته كهدية وداع حيث مدّت يدها نحوه محاولة أن تُنهي الموقف بشيء من الرسمية، لكنها كانت تعلم أن المصافحة لن تكون كافية لإغلاق هذا الفصل أندرو نظر إلى يدها الممدودة ثم هز رأسه نفيًا كأنه يرفض أن تختزل سنواتهما معًا في هذا اللمس البارد و قد همس لها بصوت أكثر دفئًا مما توقعت"هل يمكنني... أن أحتضنك ؟ للمرة الأخيرة ربما ؟"

حِـيْن تَنطَفِئِ الـشُمُوْع حيث تعيش القصص. اكتشف الآن