" القِسم الثاني "
الساعة حوالي 9:20 لَيِلًا...
كانت الليلة الشتوية هادئة بشكل مهيب كأن الكون قد عقد هدنة مع نفسه الهواء بارد لكنه غير قاسٍ يحمل معه نسمات خفيفة تتخلل الزقاق الضيق حيث كانت كاثرين تسير بخطوات رتيبة لا عجلة فيها ولا تردد كان الغروب قد استقر في أحضان الظلام بينما تلألأت مصابيح الشارع بوهج أصفر دافئ انعكس على الرصيف الرطب. خلفها ودّعت الطريق الرئيسي الذي تركت فيه ماكس ، يلوّح لها من بعيد قبل أن يغيب في سيارته متجهًا نحو دوامه الليلي .
لازالت هيئة كاثرين تعكس سلامًا داخليًا هشًا أقرب إلى تلك اللحظات التي يلتقط فيها القلب أنفاسه بعد عاصفة طويلة معطفها الداكن ملفوف حولها بإحكام وشعرها البني المتناثر فوق كتفيها يرقص مع الريح رغم الهدوء الظاهر كانت عيناها تحملان بريقًا جديدًا كأنما تشهدان بداية مختلفة لحياتها بداية صنعتها بيديها.
حين وصلت إلى بوابة منزلها الجديد توقفت للحظة المنزل لم يكن كبيرًا ولا مترفًا لكنه كان يخصها وحدها بكل ما يحمله من بساطة أدخلت المفتاح في القفل وأدارت الباب ببطء ، تاركة خلفها البرد والنسمات، لتغمرها حرارة الداخل.داخل المنزل كان الدفء يسكن كل زاوية رائحة خشبية عذبة ملأت الأرجاء مزيج من ألواح الأرضية التي لم تُمس بعد وعبق الأفرشة الجديدة التي تحمل وعدًا ببداية مختلفة كانت الغرفة الرئيسية مرتبة ببساطة أريكة صغيرة مغطاة ببطانية ناعمة طاولة قهوة خشبية أنيقة تتوسط المكان ومصباح جانبي يشع ضوءًا خافتًا وهادئًا صوت خفيف من خشخشة الخشب في المدفأة أضفى إحساسًا بالحميمية .
وضعت حقيبتها على الطاولة تنفست بعمق وهي تستنشق رائحة المكان وكأنها تتأكد من أنه حقيقي أنه بات لها . شعرت بوحدة خفيفة، لكنها لم تكن ثقيلة كانت أشبه بنسيم يمر فوق بحر هادئ . الوحدة هذه المرة لم تكن انعكاسًا للفقد بل للحرية الحرية التي اكتسبتها عندما قررت أن تُنهي علاقة كانت مليئة بالحب ، لكنها كانت تخنق روحها "الحب لا يكفي ليجعل الحياة كريمة" فكرت وهي تبتسم بخفة لقد اختارت أن تترك الماضي خلفها لأنها تستحق حياة تليق بها، حتى لو جاءت هذه الحياة بتكلفة الوحدة.
كانت خطواتها خفيفة، بالكاد تُسمع خلعت معطفها الداكن بعناية، علقته على الخطاف القريب من الباب ، تخلع عن نفسها كل أعباء الخارج عادت بخطوات حافية رشيقة نحو المطبخ قدمها تلامس الأرضية الباردة فتشعر بوخز خفيف يذكرها بأنها على قيد الحياة ضغطت على زر مشغل الموسيقى وسرعان ما بدأت أغنية داليدا تتسلل إلى الأجواء ، بصوتها الفرنسي الدافئ الذي يحمل شجنًا ممزوجًا بالأمل "love in portofino "الأغنية أسرَتها أخذتها إلى عالم مختلف عالم مليء بخفة اللحظة بدأت تدور ببطء في الغرفة خطواتها تتمايل مع الإيقاع يداها ممدودتان في الهواء وكأنها ترقص مع شبح نفسها الجديدة . لم تكن بحاجة لشريك، كانت كافية لنفسها.
بينما تدور بدأت تنزع ثيابها قطعة تلو الأخرى مع كل قطعة تخلعها شعرت بأنها تزيل طبقة من الماضي بقيت لحظة تنظر إلى نفسها في انعكاس المرآة القريب ابتسمت بسخرية خفيفة ثم أكملت مسيرها نحو الحمام.
أنت تقرأ
حِـيْن تَنطَفِئِ الـشُمُوْع
Romance"لا أحد يختار النهاية، لكننا نختار كيف نمضي " في تلك اللحظة عندما نطق القاضي بإعلان الطلاق لم تشعر كاثرين بالخسارة بل بشيء أشبه بالتحرر تحرر من الروتين من حياة كانت تشبه غرفة مُغلقة بلا نوافذ لكنها لم تكن تعرف أن هذا القرار سيقودها إلى رحلة جديدة تم...