اجنحه مكسوره

8 3 4
                                    

"في كل زاوية من هذا العالم، كانت هناك صورة ناقصة. صورة طالما بحثت عنها، لكن لم تجدها أبدًا. كانت ريتال تجلس على حافة السرير، عيناها مثبتتان على تلك الصورة القديمة المعلقة على الحائط. كان هناك طفل صغير يلعب مع والده، يضحكان معًا في لحظة من السعادة التي لم تعرفها أبدًا. كلما نظرت إليها، شعرت بشيء ثقيل في قلبها، شيء يجرحها في عمق الذاكرة. كانت تتساءل: لماذا لم يكن لديها هذا؟ لماذا لا يمكنها أن تلتصق بذراع أحدهم دون خوف من أن يتركها فجأة؟ كانت تحاول أن تقنع نفسها بأنها لا تحتاج إلى تلك الصورة لتكون كاملة، لكن في كل مرة كان الفقدان يغزو قلبها من جديد، ولا تجد الإجابة التي تريحها

---

صباح يوم عادي في حياة ريتال
رنَّ المنبّه في تمام السادسة صباحًا، صوته الحاد اخترق السكون الذي يملأ غرفتها الصغيرة. أغلقت ريتال المنبّه بضربة سريعة وعادت للاستلقاء. شعرت بثقل في صدرها، كالعادة، هذا الصباح يشبه كل صباحٍ آخر... فارغ.

سمعت صوت والدتها في المطبخ، كانت تعد الإفطار. "ريتال يلا انتِ كده هتتأخري علي المدرسه" جاء صوتها ناعمًا ولكنه يحمل قلقًا دائمًا.

جلست ريتال على السرير، تحدق في السقف لثوانٍ قبل أن تنهض. أعدّت نفسها على عجل واتجهت إلى المطبخ. والدتها كانت تقف هناك، مرتدية مئزرها المعتاد، وقد وضعت على الطاولة فطورًا متكاملًا: خبز طازج، جبن، وعصير برتقال.

"صباح الخير، حبيبتي"، قالت والدتها بابتسامة واهنة.
"صباح النور..."، ردّت ريتال بفتور. جلست إلى الطاولة وبدأت تأكل، لكنها بالكاد تذوقت الطعام. شعور الغربة يلتف حولها دائمًا.

في المدرسة
كانت الفصول الدراسية تمر كأنها شريط متكرر. المعلم يشرح، والطلاب يهمسون أو يكتبون. ريتال كانت هناك جسديًا، لكن عقلها كان بعيدًا. نظراتها الزجاجية كانت تلتقط أجزاءً من المحادثات حولها دون أن تشارك.

حين انتهى اليوم الدراسي، خرجت من المدرسة وحدها. زميلاتها كنّ يتحدثن عن عطلة نهاية الأسبوع: "هروح لمطروح مع بابا !"، " بابا وعدني انه هيشتريلي تيلفون جديد " و انا بابا وعدني اننا هنخرج سوا في اي مكان انا عايزه اروحه"... كلماتهن كانت كالخناجر.

المساء
عادت إلى المنزل لتجد والدتها تعد العشاء. الجو كان صامتًا. حاولت والدتها كسر الجليد: "يومك كان عامل ازاي يا رورو؟"
"عادي"، أجابت ريتال.

بعد العشاء، جلست ريتال في غرفتها. أخرجت مذكرتها وبدأت تكتب:
"هل يمكن للفراغ أن يصبح عادة؟ هل يمكنني أن أتوقف عن الشعور بالغياب؟ أمي تحاول، أعلم ذلك، لكن هناك جزء مفقود في حياتي. جزء لن يعود. أبي لم يترك مكانًا فارغًا فقط... لقد أخذ شيئًا مني عندما رحل. أشعر أنني لم أعد كاملة."

أغلقت المذكرة، وغرقت في النوم مع دمعة انزلقت على خده
كانت الكتابة إحدى عادات ريتال، حيث إنها عندما ذهبت إلى الطبيب النفسي لأول مرة في حياتها، أخبرها أن تكتب لأن الكتابة ستساعدها على ترتيب أفكارها وإخراج الأفكار السيئة من عقلها. لذلك، كانت ريتال كلما شعرت بشيء ما، تناولت قلمها وكتبت عنه.

كانت ريتال تمتلك مذكرة باللون الوردي، ذلك اللون الذي يظهر دائمًا في الأفلام والمسلسلات باعتباره اللون المفضل للفتاة التي لا تملك أي فكرة أو شخصية، والتي تكون ضعيفة وكل ما تريده هو جذب انتباه الفتيان. لهذا، كانت ريتال تكره هذا اللون، رغم أنه كان لونها المفضل سابقًا.

ولكن، على أي حال، كانت تعشق تلك المذكرة لأنها هدية من شخص مهم في حياتها؛ شخصية تعتبرها ريتال بمثابة أمها الثانية.

تستيقظ ريتال وتقف عن سريرها، وتجد الشقة في حالة من السكون والصمت. تتذكر ريتال أن إجازة أمها قد انتهت، وأنها عادت إلى العمل اليوم. تحاول ريتال أن تبدو سعيدة، لكنها تفشل؛ فهي تكره أن تعود للوحدة مرة أخرى، أن تجد نفسها وحيدة في شقة خالية.

تفتح ريتال خزانتها بهدوء، وتخرج منها ملابسها، بينما عقلها لا يكف عن التساؤل: لماذا حياتها ناقصة جدًا؟ فارغة جدًا؟ إنها وحيدة دائمًا. ريتال ليست من النوع الذي يكون صداقات كثيرة؛ فهي تخشى الفقدان، تخشى أن يتخلى عنها أحد.

ورغم أن ريتال لا تحب الاعتراف بذلك، إلا أن غياب والدها جعل منها شخصية تتعلق بالناس لمجرد أنهم أعطوها بعض الحنان، حتى لو كان قليلًا. للأسف، تعطي قلبها للأشخاص الخطأ، الذين يلعبون بمشاعرها ثم يرحلون، تاركين ندبة في قلبها، ندبة لن يشفيها الزمن. ندبة الفقدان. ندبة التخلي.

كانت ريتال، كلما تخلى عنها أحد، تشعر وكأنها تعود طفلة في الرابعة، ويتركها والدها مرة أخرى، مفضلًا عائلته الأخرى عليها. آه، من تلك الذكرى المرة التي لا تغادر ذاكرة ريتال. تلك الذكرى هي ذلك الكابوس الذي يتسلل إلى أحلامها، وهي نفسها الواقع الذي يطارد ريتال في كل دقيقة، ليقتلها من الداخل.

تسمع ريتال طرقات مرتفعة على الباب تُخرجها من أفكارها السوداء. تخرج من غرفتها وتقف أمام الباب، ثم تقول بصوت مرتفع:

مين؟

يرد صوت من الخارج:

أنا يا ريتال.

تجيب بلهجة متهكمة:

يا سلام، عرفت أنا مين؟ أنتِ كده.

يرد الصوت:

يوه يا ريتالي، يعني مش هتعرفيني من صوتي؟

عندما تسمع ريتال كلمة "ريتالي"، تعرف من خلف الباب أنها داليا، صديقة ريتال المفضلة. ورغم أن ريتال تكره أن يكون لديها صديقة مفضلة، إلا أنها كانت تثق بداليا. كانت على يقين بأنها لن تتركها مهما حدث؛ لأنها تعرف كل مخاوفها.

تعرف داليا ريتال بعيوبها، لكنها ما زالت تحبها. رأت كل ندبة في قلب ريتال، ورسمت حولها نجومًا.













يعني نعتبر دي مجرد حته من الروايه بمهد ليها و لفكرتها مش معتقده ان روايتي هتكون للناس اللي بتحب النهايات السعيده و التفاؤل و الامل عشان الفكره الاساسيه للروايه عن مشاكل المراهقين يعني حاجه كلها قرف و حزن و بكاء يا باشا🤗😭😭😍

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: 4 days ago ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

موسم الاضطراب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن