"نبض المطر"

5 2 0
                                    





يا زين صوت المطر لا هَمَلْ
يغسل هموم القلوب العليلة

في غرفة هادئة بالمستشفى، الإضاءة خافتة والصوت الوحيد هو صوت جهاز نبضات القلب. الدكتور عبدالعزيز كان واقف عند نافذة غرفة المريض، يناظر السماء اللي بدت تغيم. لفت انتباهه صوت ضحكة خفيفة جاية من السرير. التفت، وشاف سدن – المريض اللي صار له فترة طويلة تحت رعايته – يبتسم ابتسامة واسعة وكأنه نسي آلامه كلها.

عبدالعزيز: "وش اللي يضحك؟"
سدن، بنبرة طفولية مليانة حماس: "المطر! شوف الغيم، واضح إنها بتنزل أمطار غزيرة."

عبدالعزيز رفع حاجبه، مستغرب من ردة فعل الولد: "ما تخاف؟ المطر أحياناً يخوف، خصوصاً لو صار فيه صوت رعد أو برق."
سدن هز راسه بحماس: "لا والله! أنا أحب المطر من يومي صغير. أحسّه يعطيني حياة جديدة."

وبالفعل، المطر بدأ ينزل، قطراته تضرب زجاج النافذة بشكل ناعم أول شي، ثم زادت مع الوقت. سدن قام من سريره بصعوبة، معتمد على حامل المحاليل اللي جنبه، وراح وقف عند النافذة.

سدن: "يا دكتور، شفت شي أجمل من كذا؟ المطر كأنه يغسل الدنيا كلها، حتى الغبار اللي كان فوق الزجاج، اختفى!"

عبدالعزيز كان يناظر الولد، مو بس مستغرب من كلامه، لكن من هدوءه وسعادته اللي ما تناسب وضعه الصحي. وقف جنبه، يناظر المطر هو بعد، بس عيونه كانت تتسلل بين لحظة ولحظة على سدن.

عبدالعزيز: "غريبة يا سدن، أغلب المرضى اللي يجلسون فترة طويلة هنا يتضايقون من أي صوت أو حركة، وأنت كأنك تعيش حياتك طبيعية!"
سدن ابتسم وهو يحط يده على الزجاج: "لأن الحياة قصيرة، وأنا ما ودي أضيع أي لحظة أقدر أستمتع فيها، حتى لو كانت بسيطة زي المطر."

الكلام دخل قلب عبدالعزيز بدون استئذان. حس بشي يتحرك داخله. ليش الولد ذا مختلف؟ ليش كلامه بسيط لكنه ثقيل في نفس الوقت؟ حاول يتجاهل إحساسه ويفكر بشكل منطقي، لكنه ما قدر يوقف نظراته عن ملامح سدن.

سدن، بنبرة مزاح: "دكتور، شكلك ما تحب المطر؟"
عبدالعزيز، مرتبك شوي: "لا بالعكس، أحبّه، بس مو بالطريقة اللي أنت تشوفها!"

سدن ضحك: "جرب تناظر المطر بعيون بسيطة، بدون ما تفكر كثير، يمكن تفهم اللي أقصده."

عبدالعزيز وقف جنبه، ساكت، يسمع صوت المطر ويتأمل الولد. كان فيه شي غريب في هاللحظة، كأن الدنيا كلها توقفت. صوت المطر، ضحكة سدن الخفيفة، وحتى نبضات قلبه اللي بدت تدق أسرع شوي.

سدن فجأة التفت عليه: "دكتور، شكلك سرحت!"
عبدالعزيز ابتسم ابتسامة خفيفة: "يمكن... سرحت أفكر كيف أنك مختلف."

سدن رفع حاجبه: "مختلف؟ وش قصدك؟"
عبدالعزيز، وهو يرجع يناظر المطر: "يعني... مختلف بطريقة تخليك تعلّمنا كيف نعيش اللحظة."

صمتوا بعدها، بس الصمت كان مريح. عبدالعزيز حس إنه هاللحظة ما راح ينساها أبدًا، لأنها زرعت في قلبه شي جديد، شي يمكن يكون بداية مشاعر ما كان يتوقعها.

"على نافذة المطر"Where stories live. Discover now