نور المفقود في منزله

54 4 0
                                    

في يوم من ايام الشتاء العاصف خرج محيي الدين من منزله مسرعا كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة مساءا لم يكن يملك الوقت لينظر إلى الساعة وكل همه كان أن يصل إلى عيادة القرية تلك التي تقع في الطرف الآخر من القرية ومن شدة عجلته نسي أن يلتقط لكي تقي عنه زخات المطر الشديد مضى مسرعا بين حواري القرية وأخيرا أبصر أضواء العيادة لم يكن يفصله عنها سوى حاجز للجيش وعندما وصل الحاجز بدأ بالتوسل لضابط مسؤول ان يسمح له بالدخول وبعد ان يأس لم يجد أمامه سوى طريق بين جبلين لا تخلو من الكلاب المسعورة و الوحوش والخطر الأكبر كان ان تصطاده رصاصة من أبراج المراقبة المزروعة على الجبال ولكن كان مستعدا ليفعل اي شيئ في سبيل مولوده الذي لم يبصر الحياة بعد وبعد معاناة كبيرة وصل العيادة أخذ سيارة الاسعاف وتوجه إلى منزله وهنا كانت الفاجعة الكبرى وجدت زوجته قد وضعت مولودها دون أي مساعدة طبية الأمر الذي أودى بحياتها لم يكن يدري ما الذي يفعله أي يفرح بقدوم مولوده الأول او يحزن لفراق شريكة حياته وبعد ان قام بدفن زوجته تردد الى سمعه صوت كتن خافتا في الظاهر ولكن وقعه عليه كان كالرعد "ماذا ستسمي المولود" ولم يتبادر إلى ذهنه إلا اسم واحد هو سيكون اسمه "نور" لعله يكون النور في الظلمة التي تركتها أمه ويكون نور حياته الذي يعيش لأجله ولكن محيي الدين لم يكن يعلم بالاهوال التي يخباها له الزمان فهو الآن يجب أن يقوم بدور الأب والأم يجب أن يعمل وأن يطعم وأن يعد الطعام فكان يوميا يستيقظ من الفجر يحلب معزته الوحيدة يسقي بعض الحليب لولده نور ثم يأخذه لجارته ام عبد الرحمن كانت ام عبد الرحمن تمتلك ولدا واحدا ولكن توفي عندما اصيب بلدغة في قدمه فوجدت في نور ضالتها التي ستعوضها عن فقدان ولدها وكان محيي الدين والد نور يعمل في بستان يمتلكه أحد أغنياء المدينة وكان اسمه جابر وكان جابر لا يمتلك الاولاد لانه كان عقيما وكان لديه لهفة كبيرة ليكون له ولد ليشعر بإحساس الأبوة الذي لم يعشه ابدا وبعد مرور عدد من الأشهر مرض محيي الدين مما منعه من العمل و أجبر على ان يبيعه معزته وهكذا لم يعد لديه شيء يطعمه لولده نور وهنا رأى جابر الفرصة سانحة له لأن يأخذ نور ويربيه ويتخذه ولدا له فعرض الموضوع على محيي الدين الذي كان رافضا للأمر في البداية ولكنه وافق حيث أنه أراد أن يؤمن حياة كريمة لولده نور واتفقا على ان يحضر جابر الولد كل فترة لكي يراه والده ولكن جابر سيطر عليه شعور بابا تانية وأراد أن يربي نور ويكون نور ولده هو فأخذه وسافر إلي عمان ومرت الأيام والسنين وكبر نور وهو يعلم أن والده هو جابر الغني وفي القرية البعيدة تعافى محيي الدين من مرضه ولكن حيرته على ولده لا تزال في قلبه فكان التساؤلات لا تغادر دماغه "أين هو يا ترى ؟ وهل دخل الجامعة ام لا ؟ ان عمره الآن يزيد عن العشرين عاما " وفي عمان أرادت زوجه جابر ان تعود لديارها لترى اهلها وإقناع جابر بالعودة بدعوى أن نور لا يعرف والده وأن محيي الدين حتى وإن رآه بالصدفه لن يعرفه ولربما أن محيي الدين قد مات وانتظروا جميعا الأجازة لأن نور لا يستطيع أن يترك جامعته وبعد ايام حزموا حقائبهم وتوجهو عائدين إلى الديار وبعد ان وصلوا لأحد نور ان والده جابر لا يسمح له بالخروج من المنزل بدعوى أنه لا يعرف شيئا في هذه البلاد ولكن الحقيقة كانت ان جابر يعلم أن محيي الدين لا يزال في القرية ولا يريد لنور ان يقابله حتى وإن كان لا يعرفه ولكن فضول نور دفعه للخروج من المنزل واستكشاف المكان ووصل نور إلى الحي الذي يسكن فيه محيي الدين وكان محيي الدين جالسا على عتبة منزله يفكر في ولده الذي ضاع منه "نور" وفجأة رفع محيي الدين نظره ليرى شابا قويا في ثياب نظيفه متجها إلي وهنا بدأت الأفكار تتواجد إلى ذهن الرجل المسكين "انظروا إلى هذا الشاب لو كان نور لا يزال هنا لكان بمثل عمره وكان يقولها وهو يحدث نفسه" وهنا نادى محيي الدين على نور قائلا أيها الشاب أيها الشاب فأجابه نور نعم يا عم ما اسمك سأله محيي الدين فأجابه اسمي نور وهنا كانت الصاعقة وتفتح الف جرح في قلب محيي الدين نور بالها من صدفة وبنفس عمره تقريبا ودمعت عينا محيي الدين فسأله نور هل من مشكلة يا عمي فكفكف محي الدين دموعه وقال له لا يا ولدي ما من مشكله وذهب نور لحاله ولكن الحسرة لم تفارق قلب محيي الدين وأحس بشيء في داخله يدفعه للتعرف على هذا الشاب وفي اليوم التالي جلس محيي الدين نفس جلسته على عتبة البيت وهنا مر نور وعندما رآه قرر ان يتبعه وتبعه إلى بيته وصدم مما رآه لقد رأى نور يدخل إلى بيت جابر والذي صدمه أكثر أنه عندما التقى نور بجابر عانقه وقال له يا ابي وهنا تأكد محيي الدين أن نور هو ولده الذي سلب منه قبل سنوات عدة وعاد محيي الدين إلى بيته وهو يفكر كيف سينقل نور أنه والده وهل سيتقبل نور الأمر وهل سيترك حياة الرفاه مع جابر ويعيش حياته البسيطة وبعد ايام كان محيي الدين يقضيها بالنظر وتتبع نور من مكان لمكان صادف جابر في طريقه والتقيا وجه لوجه وهنا لم يتمالك محيي الدين نفسه وهجم على جابر وانهال عليه بوابل من اللكمات وهو يردد سرقت ولدي سرقت ولدي وبعد دقائق مر عليهما نور فرءا محيي الدين وهو يضرب والده جابر فازاحه عنه وقال له لماذا تضرب والدي يا هذا فهرب مححي الدين وراح يجري خوفا من مواجه نور بالحقيقة وردة فعله وخوفا من أن تكون الحقيقة قوية على نور وعندما عاد جابر إلى البيت أخبر زوجته قائلا "لقد حدث ما كنا نخافه واخاف ان يكون نور قد عرف الحقيقة التي ظننا أنها ماتت خلال السنوات التي قضيناها في عمان"وفي تلك الأثناء كان نور يختبئ وراء الباب يتسمع على الحديث فلم يتمالك نفسه وهرع إلى محيي الدين وعندما وصله انه ال إلى قدميه وأخذ يردد "لقد عرفت الحقيقة يا ابي لقد عرفتها " وهنا دمعت عينا محيي الدين ورفع ولده إليه وقال "لقد عدت إلى بيتك يا ولدي وانا الآن أخذت من الدنيا كل ما أريده واحتضنه وعاشوا معا في سعادة وهناء

🎉 لقد انتهيت من قراءة حكاية فتى قروي 🎉
حكاية فتى قرويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن