المجازر والتعصبات الطائفية في عهد الشيخ المفيد
الشيخ فارس الحسون
المقدمة
الحمد لله سابغ النعم، والصلاة والتحية على رسوله المرسل الى العرب والعجم، وعلى أهل بيته أصحاب الجود والكرم.
المؤرخ المنصف عليه أن يتجنب فيما يكتبه كل التعصبات لأي فرقة ـ وان كانت الفرقة التي ينتمي اليها ـ ويتحرى الواقع فحسب، وهذا الشرط أساسي للمؤرخين كافة، والالم يحصل اطمئنان بنقلهم.
والمؤرخ المنصف كما ينقل في تاريخه ما حدث وما شاهد من مسرّات ومشاهد مشرقة، عليه أن ينقل ما شاهد أو نقل اليه عن الثقات من أحزان ومشاهد مظلمة ... وينقل التاريخ كما هو الى من يأتي بعده... وينقل ما حصل على هذه الفرقة أو تلك من مصائب وظلم وتشريد.
ومن المؤسف عليه أن مؤرخينا لم يلتزموا بهذا الشرط في النقل، وخرجوا عن الانصاف، وغطّوا على كثير من المسائل لأسباب غير خفية.
وأكثر من وقع في حقه الاجحاف في النقل الفرقة الشيعية، فانعقد شبه اتفاق من المؤرخين على طمس أخبار هذه الفرقة وتشويه الأحداث المرتبطة بها، والقاء الاتهامات عليها!
ولا يشك الناظر في التاريخ أنّ لشيعة أهل البيت عليهم السلام اليد الطولى في ارتقاء الدرجات العليا في أكثر المجالات، وبهذا بيّضوا صفحات التأريخ ونوّروها.
ولا يشك ايضا فيما جرى على هذه الفرقة على مرور الزمان من مصائب وقتل
الصفحة 6
وحرق وابعاد، وهذا ضريبة ولائهم أهل بيت نبيهم صلوات الله عليهم أجمعين.
والتاريخ قبال الشيعة وقف وقفة تخاذل واجحاف، فالصفحات المشرقة بدّلها بصفحات مظلمة، ونقلها الى المجتمع مع تزوير وبهتانٍ!
والمنصف من المؤرخين من نقل شيئا يسيرا من الحقائق مع الغمز والتشكيك فيها.
ومنذ مدة غير قريبة عزمنا على تأليف كتابٍ يجمع بين دفّتيه ما جرى على الشيعة من مصائب وطردٍ واباحةٍ من الصدر الأول والى يومنا الحاضر، سواء في ذلك من قبل الحكام أم الناس، استخرجناه من الفلتات التي فلتت من اقلام المؤرخين، وإلاّ فهم لا يذكرون أمثال هذه الأحداث ويحاولون طمسها بكل ما لديهم من قوّة.
كل هذا ليعرف الخلق كافّة أيّ حرّيّة كانت في التفكير واختيار المذهب آنذاك، وأنّ الفرد اذا اختار مذهبا معينا يخالف مذهب اكثر الناس، وله أدلّة عقليّة ونقليّة تدّل على اختياره، بأيّ أسلوب كان يتعامل معه؟ هل بالدليل والمجادلة بالتي هي أحسن؟ أم يقابلون أدلّة بالسياط والقتل والتبعيد؟!!
ولقرب انعقاد المؤتمر العالمي بمناسبة مرور الذكرى الألفية لوفاة الشيخ المفيد اقترح عليّ سماحة العلامة المحّقق الحجّة السيد عبدالعزيز الطباطبائي أن اكتب ما جرى على الشيعة من مجازر في عهد الشيخ المفيد، من ولادته (336هـ) والى وفاته (413هـ).