المستذئب الأخير [ 1 ]

12.8K 285 13
                                    

.
فتح عينيه بصعوبة وبطئ فوجد نفسه في مكان لم يألفه من قبل، ذا سقف وجدران خضراء فاتحة، ووجد نفسه مستلقٍ على سرير ذا أغطية بيضاء، كان يشعر بتعب وضعف شديد. شعر وكأنه استيقظ للتو من سبات طويل وعميق.
سمع بعض الهمهمة والهمس على يساره فالتفت ورأى امرأة ورجل يتحدثان معاً بصوت منخفص.
كانت المرأة جالسة على كرسي، مرتدية عبائتها السوداء، والرجل واقف بجانبها مرتدٍ ثوباً أبيضاً.
التفتت المرأة صوبه وعندما وقعت عينيها عليه، فتحت فمها في دهشة وقامت من مكانها واتجهت نحوه، وكذلك فعل الرجل.
رددت المرأة كلمات لم يفهمها أو لم يسمعها لأنه شعر بأنه يفقد وعيه، أغمض عينيه وبدأت الأصوات حوله تتلاشي حتى اختفت تماماً.
- ضاري، ضاري.
بدأت الأصوات تعود من جديد، وسمع صوتاً ينادي اسمه (ضاري).
- ضاري، تسمعني؟ نادي الدكتور بسرعة، استيقظ.
..
في مدرسة الأنوار الثانوية للبنات وفي الصف الثالث ثانوي، تقف المعلمة في أول الفصل وهي تشرح الدرس أمام الطالبات الغير منتبهات لما تقوله من معلومات، فتلك طالبة ترسم وثانية تقرأ كتاباً تخفيه تحت الطاولة وأخرى تراقب السقف، واثنتان تتهامسان.
- آلاء!
-نعم
-ماذا حدث مع أخيك؟
-يقول الدكتور أنه مصاب بفقد ذاكرة مؤقت
-هل تعرف عليكم؟
-نعم، لكن لا يتذكر آخر ماحدث له..
- آلاء، ملاك، هذه ثالث مرة أنبهكم، المرة القادمة سأتعامل معكم بالدرجات.
تصمت الفتاتان بعد تحذيز المعلمة..
- أين وجدتوه؟
- قبل أمس، أتى شخص ملثم لمنزلنا وهو يحمله بين ذراعيه وغادر بدون أن يقول أي شي.
- ألم يتـ...
- آلاء! ملاك!
كنت تلك صرخات المعلمة الغاضبة.

ينتهي الدرس فتحمل آلاء وملاك حقائبهما استعداداً للمغادرة وهما تتحدثان.
- ألم تعرفوا أين ذهب من قبل أن يختفي؟
- لا، أخي لا يخبرنا أبدا عن الأماكن التي يذهب إليها، بخرج من المنزل كل ليلة ويرجع الصباح لينام.
- ألا يحضر للمدرسة؟
-لا، ترك الدراسة منذ وقت طويل، توقف عند الصف الثالث متوسط.
قطع حديثهما صوت من بعيد:
- آلاء!
- تقترب صاحبة الصوت وهي تقول:
- مبروك، المركز الأول في مسابقة الرسم على مستوى المملكة!
إنها معلمة الفنون، سامية، المعلمة الطيبة جداً إلى درجة السذاجة، وهي قريبة جداً من الطالبات أكثر من المعلمات، وتتعامل معهن وكأنهن صديقاتها، حتى مع أستخفاف بعض الطالبات السيئات بها.

-وهذه هدية صغيرة مني بمناسبة الفوز.
تعطيها صندوقاً أبيضاً صغير وبشرائط وردية وتضمها بفرح وحماس.
- شكراً لك معلمة، كله بفضل تشجيعك ووقوفك معي.
- لا لم أفعل شيئاً يستحق.
ردت المعلمة بخجل..
.
يدخل الطبيب إلى الغرفة ويقترب منه وينظر إلى الرجل والمرأة:
-هل أنتم  أقاربه؟
-أنا خاله وهذة أمه.
-تحدثوا لنر إن كان يتعرف إليكم.
يقترب الرجل من وجهه:
-ضاري، تعرفني؟
تأمل ضاري ملامح وجه الرجل الأبعيني وشعر بأن ذاكرته بدأت تعود إليه تدريجياً بدأ يتذكر هؤلاء الأشخاص، هذا خاله أيوب، وهذه أمه سارة، لكن لم يعرف أين هو، ولماذا هو هنا، بدأ الشعور يعود إليه وشعر بآلام في عضامه، وكأنه قد سقط من مبنى عالٍ أو من جبل وتدحرج منه عدة مرات.
.
امسكت أمه بيده وضغطت عليها:
-ضاري! أنا هنا، أنا أمك، تعرفني؟
لم يُرِد أمه أن تعتقد بأنه لم يعرفها فحاول أن يتكلم ويجيبها لكنه ما أن فتح فمه حتى شعر بعظام فكه تؤلمه فحاول أن يحرك رأسه بالإيجاب لكن رقبته آلمته هي الأخرى لكنه استطاع ان يومئ برأسه ايجاباً لأمه بأنه يعرفها، فاستهل وجهها فرحاً وزادت الضغط على يده. اقترب منه خاله أكثر وقال:
-ضاري، هل تتذكر آخر ماحدث لك؟ من هو الرجل الذي أحضرك للمنزل بالأمس؟
هذا ما لا يتذكره ضاري، أنه يعرف من هو، إنه ضاري، يسكن مع أمه وزوجها العم غالب وأخته من أمه آلاء، عمه غالب يطرده كثيراً من البيت ويعيش أغلب وقته خارج المنزل. لكن مالذي حدث له ليكون هنا وليشعر بهذه الآلام في عضامه، وليرى أقاربه حوله في قلق؟ وماذا عن الرجل الذي أحضره للمنزل؟ لا يتذكر شيئاً من هذا.
.
مر به يوم وهو على هذه الحال، مستلق على السرير بلا حراك ووالدته تجلس على كرسي بجانبه، أما خاله فقد رحل بعد أن اطمئن على حالة ابن أخته.
كانت أمه واضعة يدها على صدره وهي تتلو بعض الآيات عندما دخل عمه غالب فجأة غرفة المستشفى وقد بدى على وجهه الغضب الشديد. تقدم نحو ضاري وهو يحمل عصا صغير خشبية وقبل أن يصل وقفت زوجته أمامه وهي تحاول منعه من التقدم، لكنه دفعها بيده حتى سقطت أرضاً ورفع هو العصا وضرب بها ضاري الذي صرخ من شدة الآلم:
- أين السلاح؟ أعرف أنك أخذته، لا أحد يتجرأ يلمس أشيائي إلا أنت! السلاح سيرجع ألي.
رفع عمه العصا ليضربه ضربة أخرى لكن زوجته أمسكت بها وسحبتها لكنه دفعها بقوة وهو يصرخ:
- اسمعي، أنتي المسؤولة! إذا لم يرجع لي سلاحي لن تري ابنك الكلب هذا حياً، أتفهمين؟
يخرج عمه من الغرفة، وتمسك أمه بيد ضاري وهي تقول:
-لا تهتم إنه لا يقصد مايقوله ، أنا وخالك في صفك.
-السلاح!
-أي سلاح؟
وأخيراً نطق ضاري "السلاح!"
تذكر الآن! السلاح! تذكر أنه دخل إلى غرفة عمه وسحب من تحت السرير صندوقاً خشبياً ثقيلاً وأخرج منه بندقية صيد، وتذكر أنه قد عزم على عدم العودة أبداً إلى منزل عمه، تذكر أنه تناول العشاء مع أمه وأخته آلاء كوداعٍ أخير لكن لم يخبرهم بشيء مما عزم عليه، كانت خطته أن يركب سيارته الصغيرة التي تركها والده بعد وفاته، ويخرج بها إلى البرية ويأخذ هذا السلاح كمعين له في رحلته، ليصطاد به ويقتل به مايعيق طريقه من الحيوانات البرية الضارية. هذا آخر شيء تذكره، لا بد أن هناك شيء أعاقه في رحلته أو شيء هاجمه!
.

المستذئب الأخيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن