كانت هي خطيئته الوحيدة ، رغم ادراكه انه سيرسل للجحيم ..لاكنه لا يستطيع التوقف عن ما بدأ به ...
الغموض ...أشياء مفقودة،..الألم كانت هاكذا حياتها .
استيقظت من النوم مع شهقتها المعتادة و قطرات العرق التي سبح فيها جسدها الهزيل .
جالت عيناها في ارجاء الغرفة و كالعادة لم تجد شيئا .
بثقل ابعدت الغطاء المزركش بالأبيض و الأرجواني الغامق عنها ،انزلت قدميها الي الأسفل لتسري رعشة خفيفة في جسدها بسبب برودة القاع ، .
توجهت مترنحة نحو الحمام ، فتحت صنبور المياه الساخنة وتركتها لتملأ المسبح .
عادت لتنظر الي وجهها البائس بالمرآت ،الهالات السوداء كانت قد ابتلعت عينيها تقريبا ،بشرتها الصفراء و الجافة تضفي لونا آخر من التعاسة علي وجهها .
شعرها القصير يبين تلك الندوب علي رقبتها و التي لطالما جهلت مصدرها .
بدأت المرآت تمتلأ بالبخار و ملامحها بدأت بالإختفاء .
تنهدت بثقل بينما تغرق جسدها بالمياه الدافئة ،اغلقت عينيها في محاولة لجعل دقات قلبها تنتضم ولو قليلا ....
صوت صراخ دوي في ارجاء تلك الشقة الفخمة ،الصوت المعتاد الذي لطالما ازعج بقية الجيران .
امسكت برأسها بينما دموعها اختلطت مع قطرات الماء الساقطة من خصلات شعرها الأسود كالليل ، لم تتوقف عن صراخ لأن تلك الأصوات لم تتركها وشأنها بعد ،قفزت خارج المسبح بذعر و انزلقت بسبب الأرضية الرطبة ،زاد هذا من المها لاكنها لم تكترث ،قامت بلف جسدها بتلك المنشفة المتوسطة و خرجت بسرعة ، قلبها الذي يدق بشدة ضد قفصها الصدري ينذر بخروجه في اي لحظة ،قامت بالضغط علي صدرها و اطلقت آخر صرخة قبل ان تسقط علي سريرها فاقدة للوعي.
كانت عقارب الساعة التي توسطت جدار الغرفة تشير الي تمام الواحدة بعد منتصف اليل عندما اقترب منها بخفة ...
جلس بهدوء علي طرف السرير بينما يمعن النظر في تفاصيل وجهها .
ابتسامة جافة اخترقت شفتيه الكرزيتين
"حالتك تسوء اكثر في كل يوم " همس لاكن صوته العميق كان كفيلا بجعلها تقطب حاجبيها الرقيقان بإنزعاج .
استقام بحذر و ترك قدماه الطويلتان تقودانه الي خارج الشقة .
الآن استيقظت وهي تصرخ بعد ان مر يومان وهي نائمة ،صوت قرع بابها بسبب الجيران اللذين سبب صراخها في استيقاظهم من قيلولتهم مع شتائمهم التي اصبحت جزءا من يومها، أغلقت فمها بكفيها الصغيران في محاولة لمنع شهقاتها من الخروج ، مرت نصف ساعة و الآن دموعها قد جفت و جسدها المرتعش بدأ يرتخي .
نظرت الي ملابسها ،هي تذكر تماما انه قد أغمي عليها بتلك المنشفة التي هي الآن فوق الجانب الآخر من السرير و موضوعة بشكل مرتب ،نظرت الي ملابسها ،لا تذكر انها امتلكت شيئا كالذي ترتديه الآن : قميص رمادي ذي أكمام طويلة ،كان يصل الي ركبتيها .
كالعادة توجهت نحو الثلاجة ،فتحتها بملل لاكن تفاصيل وجهها تغيرت بينما تفرك عينيها غير مصدقة ، ثلاجتها قطعا لم تكن تحتوي علي علب من الحليب و قطع كبيرة من اللحوم الحمراء و الكثير الكثير من الخضار الغلال ،و الأجبان المتنوعة الأشكال .
هذا جزء جديد من الغموض الذي لا تستطيع حله ،كل شيئ يتعقد اكثر مع كل يوم ،من هي ؟ لما هي وحيدة ؟ تذكر انها كانت بالشارع و فجأة وجدت نفسها في هذه الشقة الضخمة مع ورقة كتب عليها "الإقامة مجانية "ايرين" "
الندوب التي تملأ عنقها و ايضا وزعت علي جسدها تجعلها ترتعش في كل مرة تدقق النظر بها .
و ايضا تلك الأصوات التي ترن في اذنيها لتجعلها تصرخ ،كل شيئ كان غامضا و مؤلما كالجحيم و هاهو الآن يزداد .
خرجت من الشقة بعد ان شربت علبة حليب و قليلا من البسكويت الذي وجدته مغلفا بشكل لطيف في احدي ادراج المطبخ .
بدأت تسير بسرعة محاولة الإختباء من تلك النظرات الحاقدة و التي تكاد تخترق جسدها ،أقسمت انها لو كانت اشعة لكانت قد ماتت بسببها منذ زمن .
اجل نظرات الجيران التي لم و لن تتعود عليها ،كلماتهم القاسية التي يرمونها دون ان يهتمو بالألم الذي ستحصل عليه جراء كلماتهم الجارحة .
اخذت الطريق الذي اعتادت علي السير فيه ،خطواتها سريعة نوعا ما لأنها تعرف تماما انها ستوبخ و بشدة ،فالحقيقة هي تعمل في مطعم تقليدي قديم الطراز لذالك لا يزوره عادة سوي كبار السن .
رن جرس الباب الذي غطاه الصدأ معلنا عن دخولها، انحنت بخفة للسيد العجوز و اسرعت لتغير ملابسها قبل ان تبدأ في سماع تذمراته و توبيخاته اللامتناهية .
بينما كانت منحنية تنظف احدي الطاولات الخشبية ،رن الجرس معلنا دخول زبون ،التفت الي الباب ،كان نفس الشاب ،الشاب الوحيد الذي يأتي ليجلس بين كبار السن ،حتي تلك الفتاة الغير مهتمة بما يحدث تشعر بالفضول تجاهه .
"مالذي تطلبه سيدي " سألته بعد ان امسكت قطعة الورق و ذالك القلم الذي ضل معها طيلة سنتين
تنحنح جسده الطويل و بإختصار اجابها بصوته العميق "كالعادة "
و رغم انها تدرك تماما ما يطلبه كل مرة الا انها تضل تسأله في كل مرة .
ابتعدت عنه فإلتفت اليها ،ابتسامة خفيفة شقت شفتيه لتظهر غمازاته الفاتنة "دائما منهكة " تحدث صوته الداخلي فيما هو ابقي عينيه عليها .
مر اليوم ببطئ بالنسبة لها ، كانت تمر بين الشوارع المكتضة ،هذا يوم ما قبل رأس السنة و الجميع يتجهز للإحتفال ،الشوارع و الأشجار و حتي اسطح المنازل اتخذت من الثلج غطاء لها لتضفي الصفاء علي المكان .
ضوء السيارات لم يمكنها من الرؤية لجزء من الثانية ،وجهت نظرها تجاه واجهات المحلات المكتضة ،هناك العديد من الأطفال في احظان اهلهم ،الثنائيات يعيشون جوا من الرومانسية لإطفاء الدفئ علي المكان ،.
صحيح ! ماذا عنها ؟ فالحقيقة هي فقط تنظر ،و تساءلات عديدة لا تستطيع حتي تنظيمها تتهافت علي دماغها .
لما هي وحيدة ! هذا كان اكثر سؤال ارادت الإجابة عليه ،لاكن لا فائدة ذاكرتها الفارغة لاتمكنها من التقاط اي ذكري حتي لو كانت بسيطة .
تنهدت ليخرج البخار الدافئ من بين شفتيها التي تحول لونها للأزرق ،فركت كفيها في محاولة للحصول علي الدفئ .
وصلت الي شقتها ، صوت طنين الذبابة بجانبها كان مزعجا للغاية ،اخذت تلوح بيدها حتي تبتعد عنها و لا تتمكن من الدخول .
القت بجسدها المنهك علي السرير بعد ان غيرت ملابسها الي اخري اكثر راحة
"انا " همست بضعف بينما تنظر الي اصابعها النحيلة التي علقتها بالهواء ،.اغلقت عيناها تدريجيا،عندها لم يكن من الصعب عليه الضهور قرب خزانة ملابسها " انت متعبة ،كان عليك تناول شيئ علي الأقل " همس فيما يتفقد جسدها الظعيف "فقر دم ... حتي الجرح لم يشفي بعد ،الاهي هذه الشقية اتريد الموت ؟" تحدث صوته الداخلي فيما يمرر اصبعه علي الجرح قرب ذقنها .
بدأت انفاسها تضطرب ، الدماء حبست في وجهها ل يتلون بالأحمر ، بدأ جسدها بالتحرك تدريجيا ...تتخبط ...تصرخ ،اضواء الجيران اشتعلت ،و صوت الشتائم الذي لم تستطع سماعه وهي بتلك الحالة ،لم تستطع فتح عينيها ،لقد كان هو لا يزال هناك ينظر اليها بألم او شفقة ربما ،رفع يده و وضعها بلطف علي وجهها ،عادت انفاسها لتنتظم ،اختفي صراخها كما لو انه لم يكن ،جسدها ارتخي علي السرير لتبدو كالأميرة النائمة . ابتسم برضي بينما يبعد خصلات شعره الأسود عن عينيه و اختفي كما لو انه لم يكن لتوه هناك ،لم يأخذ منه ذالك سوي اجزاء من الثانية حتي كان عند ملتقي البحر و السماء
"لم يكن عليك فعل ذالك ،انت تضحي بنفسك " تحدث صوت ما محاولا جعله يقتنع لا كنه لا يفعل ،طيلة سنتين كان قد تمرد ،كانت تلك الخطيئة الوحيدة التي ارتكبها ،فالحقيقة بالنسبة اليه لم تكن خطيئة بل كانت افضل شيئ فعله ويستحق ان يدخل الي جنة الخلود بسببها ،كان ذالك رأيه الذي لم يحاول التفكير في مدي صحته لأن عينيه ربما قد وضعت عليها غشاوة ،حتي اذنيه كذالك
"بلي ،علي ذالك اسف لأني ازعجك بأن تأتي الي هنا دائما لتخبرني بحال امي ،لاكني فعلا لا استطيع التوقف ،اتمني ان يتفهمني احدكم في يوم ما "
اجاب ليدير ضهره ،بينما ابتسم الآخر بإنكسار يبدو انه قد فقد الأمل من اعز اصدقائه "كما يحلو لك بارك تشانيول " همس بصوت مسموع ليخرج كل منهما تلك الأجنحة البيضاء تماما كالثلج الذي يغطي القطبين ،بدأ الريح بالتلاعب بذالك الريش الناعم و ببساطة رفرف كليهما بجناحيه و انحرفا الي وجهات مختلفة .
اختفت اجنحته و معها تلاشت الذرات البيضاء المشعة ، تنهد بعمق فهو اصبح يعلم جيدا انه سيصبح عبرة لسكان السماء بعد ذالك ،قدماه الطويلتين تقودانه و كما في كل مرة الي امام شقتها ليبعثر شعره الناعم بإحباط ،اكان عليه ان يكون ملاكها الحارس من البداية ،لما هي بالذات لقد كانو يعلمون تماما انه معجب بها و رغم ذالك جعلوه اقرب منها بحق الله مالذي كانو يتوقعونه ،ان ينساها مثلا ؟ ملاك واقع بحب بشرية ، هذا يبدو تماما كإحدي الأساطير القديمة .
الملائكة هم الكائنات الأنقي بهذا العالم او لنقل الكائنات الوحيدة التي لا ترتكب اخطائا ،وهي كذالك الأجمل علي الإطلاق بينما البشر و تماما مثل المقولة المشهورة لديهم "نحن مجرد بشر" هم بالفعل كانو كذالك .
فالبشر اذكياء ،حكماء ،ضعفاء ايضا ،لاكنهم كذالك يبقون تلك كائنات خطيرة ،مفسدة ، والتي ترتكب الأخطاء علي الدوام .
كان هذا الفرق بين الملائكة و البشر كفيلا بجعل ذالك الحاجز بينهما الا وهو الطبقات السبع من السماء ...
فكر مالذي سيفعله بحبه الأعمي لها او لنقل بخطيئته الوحيدة ، هل سيظهر امامها ليخبرها بأنه ملاك و بأنه يحبها و بأنه طرد من السماء و ستكون نهايته الجحيم بسببها ، لنفترض بالفعل انه اخبرها بذالك ،من سيصدق كلاما قريبا الي لغة المجانين ،حتي لو كانت هي تلك الفتاة البائسة التي تحتاج الي ملجأ دافئ يحمي قلبها من التجمد لا يزال لديها شيئ يدعي دماغا لتستنتج به ان كل ذالك مجرد ترهات لا معني لها .
هز رأسه محاولا طرد كل تلك الأفكار السلبية ، ابتسم بدفئ عندما شاهدها تقف عند الشرفة و اشعة الشمس التي تذيب الثلوج شيئا فشيئا تسطع علي وجهها النحيف ،لاكن سرعان ما اختفت ابتسامته عندما سمع تلك الجارة العجوز ،انها تشتم فتاته الآن ،نظر اليها بنظرات غضب تكاد تخترقها ،نظرات ليس علي الملائكة امتلاكها ،ابتلعت العجوز ريقها فيما تسرع بخطواتها نحو الجهة الأخري من الشارع .