كان صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين، يتخلق ويتمثل بقوله تعالى: " تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" [القصص: 83].
فكان صلى الله عليه وسلم في ذروة الذُّرا من هذا الخلق العظيم في كل صوره وأشكاله.
☼ أما تواضعه في ذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم؛ فكان صلى الله عليه وسلم يكره المدح، وينهى عن إطرائه ويقول: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ؛ فَقُولُوا: عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ» (البخاري).
☼ وعن أنس رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا، وَيَا خَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُـوا بِقَوْلِكُمْ، وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله؛ عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ، والله مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي الله عَزَّ وَجَلَّ» (أحمد والنسائي وصححه الألباني).
فليت شعري!! كيف يدعي محبتَه صلى الله عليه وسلم أقوامٌ؛ ثم هم يتجاهلون أمرَه وتحذيرَه الشديدَ من الغُلوِّ فيه؟!
☼ وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام»(مسلم).
☼ وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مَلَكٌب يَنْزِلُ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: «إِنَّ هَذَا الْملَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ»، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ، قَالَ: أَفَمَلِكًا نَبِيًّا يَجْعَلُكَ، أَوْ عَبْدًا رَسُولاً؟» قَالَ جِبْرِيلُ: «تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ» قَالَ: «بَلْ عَبْدًا رَسُولاً» (أحمد وصححه الألباني).
☼وكان يقول صلى الله عليه وسلم: «آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ»(أخرجه ابن سعد والبيهقي وصححه الألباني).
☼ وكان صلى الله عليه وسلم يجلِس على الأرض، وعلى الحصير، والبِساط.
فعن عَبْدِ الله بْنِ بُسْرٍ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِي صلى الله عليه وسلم قَصْعَةٌ يُقَالُ لَهَا: الْغَرَّاءُ؛ يَحْمِلُهَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ؛ فَلَمَّا أَضْحَوْا وَسَجَدُوا الضُّحَى أُتِيَ بِتِلْكَ الْقَصْعَةِ - يَعْنِي وَقَدْ ثُرِدَ فِيهَا- فَالْتَفُّوا عَلَيْهَا، فَلَمَّا كَثُرُوا جَثَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: مَا هَذِهِ الْجِلْسَةُ؟! قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي عَبْدًا كَرِيمًا، وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا عَنِيدًا»(أخرجه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني).
☼ وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُ عَلَى الأَرْضِ، وَيَأْكُلُ عَلَى الأَرْضِ، وَيَعْتَقِلُ الشَّاةَ... (أخرجه الطبراني وصححه الألباني).
☼ ولما رآه رجل ارتجف من هيبته فقال صلى الله عليه وسلم: «هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ» (ابن ماجه والحاكم وصححه الألباني).
☼ وكان صلى الله عليه وسلم يدعو، ويقول: «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ المَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (أخرجه الترمذي وحسنه الألباني).
☼ وأما تواضعه صلى الله عليه وسلم لربِّه عزَّ وجلَّ؛ فكان من أجل مظاهر تواضعه صلى الله عليه وسلم في نفسه؛ فكان دائم الافتقار والتذلل والتمسكن بين يديه سبحانه.
☼ يقول أَبَو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه: رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي المَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ (البخاري ومسلم).
☼ ويقول ابن عباس رضي الله عنهما، في بيان صفة خروجه صلى الله عليه وسلم لصلاة الاِسْتِسْقَاءِ: خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا مُتَبـََذِّلاً مُتَضَرِّعًا مُتَرَسِّلاً (أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وحسنه الألباني).
و(التَّبذُّل): ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة، على جهة التواضع. و(الترسُّل): التأني في المشي، وعدم العجلة.
☼ ولما فتح الله عليه مكة؛ دخلَها خاشعًا لله، مُتَواضِعًا له، شاكرًا لأنعمه، وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ، يُرَجِّعُ (البخاري ومسلم)؛ يردد القراءة.
☼ وأما تواضعه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه؛ فعجيبة من عجائب أخلاقه صلى الله عليه وسلم؛ ومواقفه في ذلك كثيرة وعديدة؛ حيث كان سَجيَّة من سَجَاياه، وخُلقًا مُلازمًا له صلى الله عليه وسلم.
☼ فكان صلى الله عليه وسلم يجيبُ دعوةَ الحرِّ والعبدِ، والغنيِ والفقيرِ، ويعودُ المرضى في أقصى المدينةِ، ويقبلُ عُذرَ المعتذرِ.
☼ وكان هذا هديه صلى الله عليه وسلم في السَّفر والحضَر؛ يقول عثمانُ بنُ عفَّانَ رضي الله عنه: إِنَّا والله، قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (أخرجه أحمد وصححه الشيخ أحمد شاكر).
☼ وكَانَ صلى الله عليه وسلم لَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الَأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ (أخرجه النسائي وصححه الألباني).
☼ وكانَ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي ضُعَفَاءَ المُسْلِمِينَ، وَيَزُورُهُمْ، وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ (أخرجه الحاكم وصححه الألباني).
☼ وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه، أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ؛ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ» فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا (مسلم).
☼ ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجيب الدعوة ولو إلى خبز الشعير، ويقبل الهدية.
ويقول صلى الله عليه وسلم: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ» (البخاري).
و(الكُراع): ما دون الرُّكْبة من الساق
☼ وعن أنس رضي الله عنه، قال: كان صلى الله عليه وسلم يُدعى إلى خُبزِ الشَّعيرِ وَالإِهَالَةِ السَّنِخَة فيجيب (أخرجه الترمذي وصححه الألباني).
و(الإِهَالَةِ السَّنِخَة): أي الدهن الجامد المتغير الريح من طوال المكث.
أنت تقرأ
مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم
Historical Fictionأهلاً وسهلاً بكم في هذا الكتاب سنحاول أن نتكلم عن حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أشرف الخلق. سنتكلم عن حياته و كيف كان يتعامل مع زوجاته و ابنائه وبناته و احفاده و أقاربه وجيرانه و ضيوفه والخدم و الفقراء و مع جميع الناس. للأسف الكثير منا لا يعلم إل...