17 & 18

62.7K 1.2K 29
                                    

*17*
اقتربت بخطواطها المضطربة , تقدم قدمها اليمني  تؤخر بالاخري لخلف , التربك و الذعر يتصارعان علي ملامح وجهها البريئة , وقفت امامه ..تلك العينين الحادة تنهش وجهها المذعور , قلقها و اضطرابات ملامحها تؤكد له ما رأي لتو..
همت بالحديث بلسان ثقيل تلفظ منه الكلمات اجباري :
-مازن انت واثق فيا و...
قاطعها صارخًا بأنفعال :
-انتي ليكي عين تكلمي كمان..
اشتد اقترابه منها و عينيه تتوعد لها بالعذاب المرير , عادت بخطوة الي الخلف و هي تحاول تبرير موقفها بتلك الشفاتين المرتجفتين :
-ايوة عشان انا مغلطش و انت عارف كدة صح..
و في لمحة البصر , كان كفه الضخم قد سكن علي وجهها بلا اي رحمة , تلك الصفعة القوية اللقت بجثتها علي الارض بقوة..من صدمة موقفها لم تستطع الصراخ او حتي طلب النجدة..
تأوهت بأنين صامت يصرخ بألم بداخلها , شعرت بيده تقبض علي شعرها بعنف و تديره ناحيتها لكي تقابل عينيه التي كانت يومًا موطن للأمان لها..
نظرت اليه , حاولت استنجاد نفسها منه بعينين متألمة , صرخ بها بالاهانات و السب اخذ يلعن بها ويتهمها انها خائنة..خائنة لقلب ادمن انفاسها..
حاولت تملص نفسها منه بين قبضتي يده و قد عاد صوتها الي الحياه مرة اخري لكي نتطلق تلك الصيحة المكتومة و تدفعه بعنف عنها..
لكن كيف لهذا العصفور الهروب من قبضة الاسد في وقت ثوره !
اسرع بصفعها باللكمات العديدة غير مراعي مدي تأثر جسدها بتلك الضربات العنيفة , انها حتي لا تجد وقت لدفاع عن نفسها و مصارعته كما يصارعها..اكتفيت بالصراخ المتواص..كان متمتع بصيحات طفلته المسكينة , كاد يكسر عظمها بكثرة ضرباته بقبضة  يد..
جُن في التعانف معها كما جُن في عشقها..برئ العقل نفسه من تلك الجريمة في حقها فكان المعتدي الوحيد ذالك القلب المفكر بعاطفته..
لا يعرف كيف ارتكب تلك الجريمة ؟ فقد فاق من ضرباته علي صوت الهاتف يرن بتواصل , ابتعد عنها برفق لكي يجدها تحاوط جسدها بذراعيها و عينيها تدمع دماء من اثر كثرة الكدمات علي وجهها , ثغرها يتأوه و يطلق "آه" صغيرة تزعج اذنيه..احجبت عينيها عنه و اخفضتها للأرض لترك العنان لدموعها بالبكاء بِجد..
اطاح بيده كوب المياه و دفع الكرسي بقدمه ككرة القدم , لقد جن بالفعل , كيف بها بهدم حبهم و خيانته..خائنة كانت لا تفارق احضانه بعطر  ذالك اللعين الاخر..ضرب بكلتا قبضتي يديه علي الطاولة و هو ينوح بألم..هذا الاسد ينهار تسحب روحه ببطء يشعر بطاقة رغم ضعف قلبه..
اخذ يمد خطواطه و هو يصيح بها بأعلي ما لديه :
-انتي متعرفيش انا عملت اية عشان اوصلك و تبقي معايا...متعرفيش حصلي ايه عشان تبقي في بيتي دلوقتي..انتي متعرفيش بالي عملتيه دة عملتي فيا اية..
اللقي علي وجهها صفعة عنيفة , لم تكن هناك اي وسيلة لتبرير نفسها , كانت تبكي بشجن و قلبها يحترق وجعًا..
اعاد ضرباته لها بعنف اكبر , لكماته لا تتوقف بل تتضاعف يخرج كل طاقته علي صغيرته , كانت ترجوه التوقف بصراخها المتواصل , تصرخ فقط بتلك الكلمة "كفاية" , شعر بأنه سيفقد السيطرة علي اعصابه و سيفقدها بلكماته القاسية..هدئ من روعه لثوانٍ معدودة , لينهض مرة اخري مقتربًا منها..حاصرت وجهها بذراعيها و الذعر يلتهم كلتا عينيها البارقتين دموعًا و ألمًا من كثرة الضربات المتتالية..فجأة جذبها من ذراعها بعنف لكي يجرها بقوة نحو غرفة صغيرة مظلمة , كانت ترجوه ان يتركها تصرخ تريد النجاه من ذالك المتعجرف العنيف لكن لا حياه لا تنادي..
اللقاها كالدمية القطنية علي الارض و خرج مسرعًا من الغرفة و هو يغلق الباب بالمفتاح , تركها وحيدة في تلك الغرفة المظلمة , يدرك جيدًا ان فوبيا الظلام تخيفها , هل يتعمد اخافتها  بتلك الطريقة ما ان شعرت بالوحدة في تلك الصدمة..لتضع كفيها علي اذنها و تبكي بقوة وهي تغمض عينيها..شعرت بالجنون من تلك الظلمة التي ابتلعتها بصدر رحب , اسرعت الي الباب  و اخذت تطرق بكل عنف و هي تصرخ بهستيرية :
-افتح الباب متسبنيش هنا..افتح لي الباب...افتحوا بقولك..متسبنيش ارجوك..صدقني محصلش حاجة...
و اخذت تطرق بعنف اقوي بكلتا كفيها :
-صدقني ونبي..افتح لي الباب يا مازن..
جلست بتعب علي الارض و هي تردف بضعف :
-متسبنيش لوحدي وحياتي عندك ما تسبني..انا خايفة..
استطاع التماسك , لقد كسو قلبه القسوة تجاهه , اصبحت في نظره الخائنة سمر , يشعر بـ..بأنه عاد مازن القديم مرة اخري , بذالك القلب الذي توعد بعد عودته مرة اخري..لكن تلك الفاتنة تحي الميت...لم يجد حل ينقذه الا الفرار من ذالك الصياح و تلك الضوضاء التي تصدرها بنواحها..نواحها يشبه نواح الطفل الذي سلب منه حلوته..
اللقت جسدها علي  ذالك الفراش المملوء بالتراب و الحشرات الصغيرة , غرفة صغيرة توعدوا ان تصبح لأول طفل سيرزقهما الله به..
دفست رأسها بين الوسادة و هي تبكي بتألم , لم تؤلمها الالم الجسدية كألم قلبها تجاهه , كيف له بتصديق تلك الاكاذيب ؟ كيف له بتصديق بأنها تركت قلبها لرجل غيره ؟ كيف له بتصديق انها ستسعد بين احضان رجل اخر ؟
لقد شك في عشقها البرئ له , لقد شك في شرفها , لقد قتلها بـسُم الشك و الاتهامات و مع شديد الأسف هذا السم مفعوله سريع..
                               ***
عاد الي المنزل مع شروق الشمس في كبد السماء , شعر بالراحة حينما سهر لساعات متواصلة متوجل في شوارع القاهرة المزدحمة و شفاهه تتمسك بسكيارة , يزفر انفاسه المتلوثة في الهواء الطلق , قلبه الرقيق قد اللتهمه ذالك الوحش المسمي بـالخيانة..
دلف الي المنزل و لم يسمع اي من صوتها , الا حينما مر بجانب الغرفة , ليسمع صوت بكاء و قطة تتألم و تموء برقتها المعتادة..تجاهل وجودها و قد ظهر الاقتطاب علي حاجبيه , دلف الي غرفتهما واسلتقي علي فراشه مستعد لسحر النوم..لكن المسكين كان مخطئ فما ان اغلق جفونه مستسلم لاحلامه الوردية كي تفر دمعة وحيدة سريعة , امتصتها خديه قبل ان تتوسد الوسادة..
                           ***
اصر معاندتها حتي مات قلبه النابض بعشقها تركها ثلاثة ايام في غرفة الاطفال البائسة التي لا تنبض بروح الحياه , غرفة كئيبة كـحياتهما الآن..
كان صامت طوال تلك الايام لا يذهب لأعماله لا يجيب علي المكالمات , يتسكع في شوارع القاهرة ليلًا حتي نسي وجود سمر في المنزل معه..
و في احدي الايام..
بينما هو مستلقي علي فراشه , يتأمل سقف غرفته بصمت حتي سمع رنين جرس الباب يطرق بقوة , هم واقفًا بكسل ليري الطارق..
فتح الباب كي يجد والدته مني , قد عقدت حاجبيها بعبوس و هي تعتابه :
-كدة يا مازن تقلقني عليك كل دة..مبتردش علي التليفون لية كل دة..و لة انت و لة سمر بتردوا في اية..
ثم نظرت في انحاء المنزل باشمئزاز :
-هو مال البيت عامل كدة لية..
رفع كتفيه بعدم اهتمام قائلًا بصوت ضعيف من اثر الصراخ :
-اتفضلي يا ماما استني اجبلك مية تشربيها..
شعرت بهدوء غير معتاد اين تلك المشاغبة التي تركض اليها بقوة و ترتمي في احضانها , تلك الحركة الطفولية التي كانت تعتادها من مازن و هو في السادسة من عمره..كانت يعيدها عناق سمر لـايام الماضي..
-هي فين سمر..
صمتت لفترة قصير ليتنهد ببرود و هو يصنع عصير برتقال لضيافة والدته :
-سمر نايمة تعبانة من الدروس..ادخلي صحيها
ثم اشار بعينيه صوب الغرفة المسجونة بها سمر عدة ايام , ترك ما بيده و اتجه الي الغرفة لكي يفتح بابها بالمفتاح , استغربت من وجود سمر في غرفة ليست بغرفتها و اغلاق مازن لباب غرفتها بالمفتاح..تأكدت بأن بينهما نزاع لم تود التدخل بينهما..
دلفت الي الغرفة لتجدها مظلمة كظلام القبر , وجدت جسدها النحيل نائم علي فراش و منكمش بطريقة عجيبة , وضعت مني يدها علي ذراعها كي تيقظها لكنها لم تكن علي علم بالحقيقة المُرة..
صب عصير البرتقال في كأس يبدو عليه الفخامة , امسك بالكأس بين يديه لكي يجد والدته تهرول اليه بفزع :
-البت مبتردش عليا..
اختلج الكأس من بين يديه , لكي يقع من بين يديه متحطمًا علي الارض متناثر زجاجته في كل انحاء الارض..
                           ***
ضربت بقبضة يدها القوية علي صدره غير مبالية بنظرات من في المشفي , صرخت به غاضبة :
-انت عملت في البت اية...البت بتموتت بسببك و انت واقف ساكت..انت هببت اية
ابعد والدته عنه بعنف و قد اقتضبت ملامحه بحدة و غضب , هو ايضًا يريد الصياح مثلها , يشعر بشور غريب , هل يخاف ذالك الجبار علي  حياه صغيرته ام يخاف من ضميره اذا ماتت و كان هو السبب..
ابتلع لعابه بخوف و اخذ يردد دعوات كثيرة بداخله , يشعر بأنه يريدها بأي ثمن , يريدها بجاوره فقط..يريد الاطمئنان انها علي قيد الحياه فقط...
خرج الطبيب و تتابعه في خطواطه ممرضة طويلة القامة , نظر الطبيب لمازن شارذًا و قال بحنق :
-البنت في غيبوبة سكر الحمدلله انكم جبتوها في الوقت المناسب..
اتسعت حدقتيه بصدمة و ردد :
-غيبوبة سكر..
ضربت مني علي صدرها بقوة و اطلقت شهقة قوية..
التفت الطبيب  لـ مازن و هتف بضيق :
-البنت جسمها مليان جروح و المفروض نعمل محضر تعدي ضروري..
تجاهل مازن ما قاله لتو و سأل باستفسار :
-هي هتخرج امتي..؟
اجاب الطبيب بحنق :
-مظنش انها هتطول لما تفوق هنعملها تصريح بالخروج..
زفر مازن بقوة و هو يحك مؤخرة رأسه لم يشغل نفسه بـ"المحضر" فهو يدرك جيدًا اذا عرف الطبيب من هو , لـفضل الصمت عن تلك الثرثرة عديمة الفائدة..
فجأة وجد والدته تقول بنبرة حادة :
-لينا كلام كتير يا مازن
                              ***
نظرت اليه و همهت بصوت خافض :
-ساعدتها تقف يا مازن..
اتجه علي مضض و هو يجس علي اسنانه بغضب , فتح باب السيارة , ليمد يده مساعدًا اياها..لم تنظر ليديه و خرجت من السيارة بدون حاجة لمساعدته..
استطاعت السير امامه و كأنه سراب غير موجود , مزالت صامتة مذ خروجها من المشفي لا تجيب علي احد , تنظر الي لا شيء دومًا و تبرق عينيها بدموع..
سمعت مني و هي تزجر مازن لعدم استغلال فرصة اقترابهما..مسكينة تلك السيدة الطيبة لا تعرف ان ألالم المغزو لقلبها الضعيف , جعلت العلاقة بينهما مستحيلة...
دخلت الي الغرفة البائسة التي سجنت بها لعدة ايام , استلقت علي الفراش بصمت و سكينة..
اما في الخارج..
عقدت مني حاجبيها :
-يعني ايه محصلش حاجة..البت جسمها كله مضروب انت هتفضل طول عمرك عنيف كدة..والله يا مازن كنت عارفة ان في يوم هتعمل كدة..
ثم قالت بحدة :
-سمر هترجع معايا لغايط ما تهدي ما بينكم الاوضاع بعدين ارجعها..
صمت و لم يرد علي طلبها , تركها متجهًا الي غرفة سمر و فتح الباب بقوة علي مصاريعه , اعتدلت في جلستها و نظرت اليه خوفًا من ضربها مرة اخري..انحني بظهره صوبها و قال بعينين ترمقها باشمئزاز :
-انا هرجعك مع امي البيت و مش عاوز اشوف خلقتك ديه تاني..
تأملت عينيه الحادة و ابتسمت ابتسامة جانبيه لتدير وجهها و تنظر الي الامام قائلة بثقة لتتكلم صوتها المكسور :
-انا مش عاوزة ارجع مع ماما مني لبيتها..
لا يعرف ما السعادة التي قفزت في قلبه حينما رفضت الابتعاد عنه و فراقه , فمهما حدث ستظل هي سمر الغارقة في عشقه التي لا تستطيع الابتعاد عنه لثوانٍ , لكن فجأة سمع اجابة صادمة :
*17*
اقتربت بخطواطها المضطربة , تقدم قدمها اليمني  تؤخر بالاخري لخلف , التربك و الذعر يتصارعان علي ملامح وجهها البريئة , وقفت امامه ..تلك العينين الحادة تنهش وجهها المذعور , قلقها و اضطرابات ملامحها تؤكد له ما رأي لتو..
همت بالحديث بلسان ثقيل تلفظ منه الكلمات اجباري :
-مازن انت واثق فيا و...
قاطعها صارخًا بأنفعال :
-انتي ليكي عين تكلمي كمان..
اشتد اقترابه منها و عينيه تتوعد لها بالعذاب المرير , عادت بخطوة الي الخلف و هي تحاول تبرير موقفها بتلك الشفاتين المرتجفتين :
-ايوة عشان انا مغلطش و انت عارف كدة صح..
و في لمحة البصر , كان كفه الضخم قد سكن علي وجهها بلا اي رحمة , تلك الصفعة القوية اللقت بجثتها علي الارض بقوة..من صدمة موقفها لم تستطع الصراخ او حتي طلب النجدة..
تأوهت بأنين صامت يصرخ بألم بداخلها , شعرت بيده تقبض علي شعرها بعنف و تديره ناحيتها لكي تقابل عينيه التي كانت يومًا موطن للأمان لها..
نظرت اليه , حاولت استنجاد نفسها منه بعينين متألمة , صرخ بها بالاهانات و السب اخذ يلعن بها ويتهمها انها خائنة..خائنة لقلب ادمن انفاسها..
حاولت تملص نفسها منه بين قبضتي يده و قد عاد صوتها الي الحياه مرة اخري لكي نتطلق تلك الصيحة المكتومة و تدفعه بعنف عنها..
لكن كيف لهذا العصفور الهروب من قبضة الاسد في وقت ثوره !
اسرع بصفعها باللكمات العديدة غير مراعي مدي تأثر جسدها بتلك الضربات العنيفة , انها حتي لا تجد وقت لدفاع عن نفسها و مصارعته كما يصارعها..اكتفيت بالصراخ المتواص..كان متمتع بصيحات طفلته المسكينة , كاد يكسر عظمها بكثرة ضرباته بقبضة  يد..
جُن في التعانف معها كما جُن في عشقها..برئ العقل نفسه من تلك الجريمة في حقها فكان المعتدي الوحيد ذالك القلب المفكر بعاطفته..
لا يعرف كيف ارتكب تلك الجريمة ؟ فقد فاق من ضرباته علي صوت الهاتف يرن بتواصل , ابتعد عنها برفق لكي يجدها تحاوط جسدها بذراعيها و عينيها تدمع دماء من اثر كثرة الكدمات علي وجهها , ثغرها يتأوه و يطلق "آه" صغيرة تزعج اذنيه..احجبت عينيها عنه و اخفضتها للأرض لترك العنان لدموعها بالبكاء بِجد..
اطاح بيده كوب المياه و دفع الكرسي بقدمه ككرة القدم , لقد جن بالفعل , كيف بها بهدم حبهم و خيانته..خائنة كانت لا تفارق احضانه بعطر  ذالك اللعين الاخر..ضرب بكلتا قبضتي يديه علي الطاولة و هو ينوح بألم..هذا الاسد ينهار تسحب روحه ببطء يشعر بطاقة رغم ضعف قلبه..
اخذ يمد خطواطه و هو يصيح بها بأعلي ما لديه :
-انتي متعرفيش انا عملت اية عشان اوصلك و تبقي معايا...متعرفيش حصلي ايه عشان تبقي في بيتي دلوقتي..انتي متعرفيش بالي عملتيه دة عملتي فيا اية..
اللقي علي وجهها صفعة عنيفة , لم تكن هناك اي وسيلة لتبرير نفسها , كانت تبكي بشجن و قلبها يحترق وجعًا..
اعاد ضرباته لها بعنف اكبر , لكماته لا تتوقف بل تتضاعف يخرج كل طاقته علي صغيرته , كانت ترجوه التوقف بصراخها المتواصل , تصرخ فقط بتلك الكلمة "كفاية" , شعر بأنه سيفقد السيطرة علي اعصابه و سيفقدها بلكماته القاسية..هدئ من روعه لثوانٍ معدودة , لينهض مرة اخري مقتربًا منها..حاصرت وجهها بذراعيها و الذعر يلتهم كلتا عينيها البارقتين دموعًا و ألمًا من كثرة الضربات المتتالية..فجأة جذبها من ذراعها بعنف لكي يجرها بقوة نحو غرفة صغيرة مظلمة , كانت ترجوه ان يتركها تصرخ تريد النجاه من ذالك المتعجرف العنيف لكن لا حياه لا تنادي..
اللقاها كالدمية القطنية علي الارض و خرج مسرعًا من الغرفة و هو يغلق الباب بالمفتاح , تركها وحيدة في تلك الغرفة المظلمة , يدرك جيدًا ان فوبيا الظلام تخيفها , هل يتعمد اخافتها  بتلك الطريقة ما ان شعرت بالوحدة في تلك الصدمة..لتضع كفيها علي اذنها و تبكي بقوة وهي تغمض عينيها..شعرت بالجنون من تلك الظلمة التي ابتلعتها بصدر رحب , اسرعت الي الباب  و اخذت تطرق بكل عنف و هي تصرخ بهستيرية :
-افتح الباب متسبنيش هنا..افتح لي الباب...افتحوا بقولك..متسبنيش ارجوك..صدقني محصلش حاجة...
و اخذت تطرق بعنف اقوي بكلتا كفيها :
-صدقني ونبي..افتح لي الباب يا مازن..
جلست بتعب علي الارض و هي تردف بضعف :
-متسبنيش لوحدي وحياتي عندك ما تسبني..انا خايفة..
استطاع التماسك , لقد كسو قلبه القسوة تجاهه , اصبحت في نظره الخائنة سمر , يشعر بـ..بأنه عاد مازن القديم مرة اخري , بذالك القلب الذي توعد بعد عودته مرة اخري..لكن تلك الفاتنة تحي الميت...لم يجد حل ينقذه الا الفرار من ذالك الصياح و تلك الضوضاء التي تصدرها بنواحها..نواحها يشبه نواح الطفل الذي سلب منه حلوته..
اللقت جسدها علي  ذالك الفراش المملوء بالتراب و الحشرات الصغيرة , غرفة صغيرة توعدوا ان تصبح لأول طفل سيرزقهما الله به..
دفست رأسها بين الوسادة و هي تبكي بتألم , لم تؤلمها الالم الجسدية كألم قلبها تجاهه , كيف له بتصديق تلك الاكاذيب ؟ كيف له بتصديق بأنها تركت قلبها لرجل غيره ؟ كيف له بتصديق انها ستسعد بين احضان رجل اخر ؟
لقد شك في عشقها البرئ له , لقد شك في شرفها , لقد قتلها بـسُم الشك و الاتهامات و مع شديد الأسف هذا السم مفعوله سريع..
                               ***
عاد الي المنزل مع شروق الشمس في كبد السماء , شعر بالراحة حينما سهر لساعات متواصلة متوجل في شوارع القاهرة المزدحمة و شفاهه تتمسك بسكيارة , يزفر انفاسه المتلوثة في الهواء الطلق , قلبه الرقيق قد اللتهمه ذالك الوحش المسمي بـالخيانة..
دلف الي المنزل و لم يسمع اي من صوتها , الا حينما مر بجانب الغرفة , ليسمع صوت بكاء و قطة تتألم و تموء برقتها المعتادة..تجاهل وجودها و قد ظهر الاقتطاب علي حاجبيه , دلف الي غرفتهما واسلتقي علي فراشه مستعد لسحر النوم..لكن المسكين كان مخطئ فما ان اغلق جفونه مستسلم لاحلامه الوردية كي تفر دمعة وحيدة سريعة , امتصتها خديه قبل ان تتوسد الوسادة..
                           ***
اصر معاندتها حتي مات قلبه النابض بعشقها تركها ثلاثة ايام في غرفة الاطفال البائسة التي لا تنبض بروح الحياه , غرفة كئيبة كـحياتهما الآن..
كان صامت طوال تلك الايام لا يذهب لأعماله لا يجيب علي المكالمات , يتسكع في شوارع القاهرة ليلًا حتي نسي وجود سمر في المنزل معه..
و في احدي الايام..
بينما هو مستلقي علي فراشه , يتأمل سقف غرفته بصمت حتي سمع رنين جرس الباب يطرق بقوة , هم واقفًا بكسل ليري الطارق..
فتح الباب كي يجد والدته مني , قد عقدت حاجبيها بعبوس و هي تعتابه :
-كدة يا مازن تقلقني عليك كل دة..مبتردش علي التليفون لية كل دة..و لة انت و لة سمر بتردوا في اية..
ثم نظرت في انحاء المنزل باشمئزاز :
-هو مال البيت عامل كدة لية..
رفع كتفيه بعدم اهتمام قائلًا بصوت ضعيف من اثر الصراخ :
-اتفضلي يا ماما استني اجبلك مية تشربيها..
شعرت بهدوء غير معتاد اين تلك المشاغبة التي تركض اليها بقوة و ترتمي في احضانها , تلك الحركة الطفولية التي كانت تعتادها من مازن و هو في السادسة من عمره..كانت يعيدها عناق سمر لـايام الماضي..
-هي فين سمر..
صمتت لفترة قصير ليتنهد ببرود و هو يصنع عصير برتقال لضيافة والدته :
-سمر نايمة تعبانة من الدروس..ادخلي صحيها
ثم اشار بعينيه صوب الغرفة المسجونة بها سمر عدة ايام , ترك ما بيده و اتجه الي الغرفة لكي يفتح بابها بالمفتاح , استغربت من وجود سمر في غرفة ليست بغرفتها و اغلاق مازن لباب غرفتها بالمفتاح..تأكدت بأن بينهما نزاع لم تود التدخل بينهما..
دلفت الي الغرفة لتجدها مظلمة كظلام القبر , وجدت جسدها النحيل نائم علي فراش و منكمش بطريقة عجيبة , وضعت مني يدها علي ذراعها كي تيقظها لكنها لم تكن علي علم بالحقيقة المُرة..
صب عصير البرتقال في كأس يبدو عليه الفخامة , امسك بالكأس بين يديه لكي يجد والدته تهرول اليه بفزع :
-البت مبتردش عليا..
اختلج الكأس من بين يديه , لكي يقع من بين يديه متحطمًا علي الارض متناثر زجاجته في كل انحاء الارض..
                           ***
ضربت بقبضة يدها القوية علي صدره غير مبالية بنظرات من في المشفي , صرخت به غاضبة :
-انت عملت في البت اية...البت بتموتت بسببك و انت واقف ساكت..انت هببت اية
ابعد والدته عنه بعنف و قد اقتضبت ملامحه بحدة و غضب , هو ايضًا يريد الصياح مثلها , يشعر بشور غريب , هل يخاف ذالك الجبار علي  حياه صغيرته ام يخاف من ضميره اذا ماتت و كان هو السبب..
ابتلع لعابه بخوف و اخذ يردد دعوات كثيرة بداخله , يشعر بأنه يريدها بأي ثمن , يريدها بجاوره فقط..يريد الاطمئنان انها علي قيد الحياه فقط...
خرج الطبيب و تتابعه في خطواطه ممرضة طويلة القامة , نظر الطبيب لمازن شارذًا و قال بحنق :
-البنت في غيبوبة سكر الحمدلله انكم جبتوها في الوقت المناسب..
اتسعت حدقتيه بصدمة و ردد :
-غيبوبة سكر..
ضربت مني علي صدرها بقوة و اطلقت شهقة قوية..
التفت الطبيب  لـ مازن و هتف بضيق :
-البنت جسمها مليان جروح و المفروض نعمل محضر تعدي ضروري..
تجاهل مازن ما قاله لتو و سأل باستفسار :
-هي هتخرج امتي..؟
اجاب الطبيب بحنق :
-مظنش انها هتطول لما تفوق هنعملها تصريح بالخروج..
زفر مازن بقوة و هو يحك مؤخرة رأسه لم يشغل نفسه بـ"المحضر" فهو يدرك جيدًا اذا عرف الطبيب من هو , لـفضل الصمت عن تلك الثرثرة عديمة الفائدة..
فجأة وجد والدته تقول بنبرة حادة :
-لينا كلام كتير يا مازن
                              ***
نظرت اليه و همهت بصوت خافض :
-ساعدتها تقف يا مازن..
اتجه علي مضض و هو يجس علي اسنانه بغضب , فتح باب السيارة , ليمد يده مساعدًا اياها..لم تنظر ليديه و خرجت من السيارة بدون حاجة لمساعدته..
استطاعت السير امامه و كأنه سراب غير موجود , مزالت صامتة مذ خروجها من المشفي لا تجيب علي احد , تنظر الي لا شيء دومًا و تبرق عينيها بدموع..
سمعت مني و هي تزجر مازن لعدم استغلال فرصة اقترابهما..مسكينة تلك السيدة الطيبة لا تعرف ان ألالم المغزو لقلبها الضعيف , جعلت العلاقة بينهما مستحيلة...
دخلت الي الغرفة البائسة التي سجنت بها لعدة ايام , استلقت علي الفراش بصمت و سكينة..
اما في الخارج..
عقدت مني حاجبيها :
-يعني ايه محصلش حاجة..البت جسمها كله مضروب انت هتفضل طول عمرك عنيف كدة..والله يا مازن كنت عارفة ان في يوم هتعمل كدة..
ثم قالت بحدة :
-سمر هترجع معايا لغايط ما تهدي ما بينكم الاوضاع بعدين ارجعها..
صمت و لم يرد علي طلبها , تركها متجهًا الي غرفة سمر و فتح الباب بقوة علي مصاريعه , اعتدلت في جلستها و نظرت اليه خوفًا من ضربها مرة اخري..انحني بظهره صوبها و قال بعينين ترمقها باشمئزاز :
-انا هرجعك مع امي البيت و مش عاوز اشوف خلقتك ديه تاني..
تأملت عينيه الحادة و ابتسمت ابتسامة جانبيه لتدير وجهها و تنظر الي الامام قائلة بثقة لتتكلم صوتها المكسور :
-انا مش عاوزة ارجع مع ماما مني لبيتها..
لا يعرف ما السعادة التي قفزت في قلبه حينما رفضت الابتعاد عنه و فراقه , فمهما حدث ستظل هي سمر الغارقة في عشقه التي لا تستطيع الابتعاد عنه لثوانٍ , لكن فجأة سمع اجابة صادمة :
-رجعني القصر يا مازن..انا الي مش عاوزة اعيش معاك يا مازن..
*
*
*
*
يتبع..
*18*
-رجعني القصر يا مازن..انا الي مش عاوزة اعيش معاك يا مازن..
وقف معتدلًا و نظرها اليها مطاولًا , كان الثبوت في اعينها البريئتين الخائفتين , تغير مازن الحنون الطيب و اصبح لها مازن المرعب , التي تسبقه يده قبل لسانه..
اختفي النور من الغرفة مرة اخري مع اغلاقه لباب الغرفة الكئيبة , تنهدت بقوة و بدموع علي ملقتيها , احجبت وجهها الصغير بكفيها و تركت العنان لدموعها لخروج بقهرة..
                            ***
عقد ذراعيه و رفع احدي حاجبيه بتمرد :
-هي مش هتخرج من البيت خلاص خلصت..
لترد بحنق و غضب :
-يا ابني بطل عناد و قلة ادب بقي..انا مش مطمنة لسمر معاك ايش عرفني انك مش هتضربها تاني..
لم يجيب عليها و قال بغضب متماسك :
-مش هعملها حاجة متخافيش..
نظرت اليه بحنق و تناولت حقيبتها بقوة , لتخرج من المنزل و الغضب يتطاير من اعينها..
دلف هو الاخر الي غرفته و اللقي بجسده علي فراشه , و الافكار تتشاجر في رأسه..كيف ؟ متي اصابها "السكر" ؟..
رفق علي حالها و لمعت عينيه بحزن , فجأة عاودته فكرة خيانتها له , لكن تلك المرة لم يشعر بالضيق..
فكر بعقله للحظات و ثوانٍ معدودة و اكد له عقله الذي عاد لعمله , انه من المستحيل خيانة سمر له..
لم تكن في صفاتها يومًا الخيانة , لكن الشك مازال يسكن قلبه بسبب تلك الصور التي بعثت اليه في ظرف , حك مؤخرة رأسه و قد سيطر الصداع علي رأسه..
هم واقفًا بتكاسل لكن اعتدل بانتباه عندما قفزت في عقله تلك الفكرة المبهرة و الذكية كما وصفها..اتجه لغرفة صغيرته و وقف باستقامة و رسم ملامح الجد علي وجهه , طرق الباب بقوة كانذار لها و بحركة عنيفة فتح الباب علي مصاريعه..
نظر لها بقوة لكي يجدها مستلقية علي فراشها , تمسك خلصة من خصلات شعرها القصير و تديرها حول اصابعها بمرونة و هدوء..
اتجه لها بحاجبي مقتضبين لينظر لها بحنق قائلًا :
-يلا قومي كُلي..
تجاهلته عمدًا و لم تحاول النظر الي عينيه التي تسلطت عليهما الضوء , عاود سأله بلهجة حادة و كأنه علي فتح احاديث معها , فصرخ :
-بقولك قومي كُلي احسن ما..
اولته ظهرها و استدارت لاتجاه المعاكس , ابتلع لعابه عندما شعر انها تجاهله عمدًا , لم ينفع معها التهديد اذا , اخذ نفس عميق و مال علي اذنها هامسًا :
-سمر لو سمحتي قومي كُلي عشان انتي تعبانة و في دوا لازم يتاخد و اجلي المشاكل دلوقتي,,يلا و بعدين انا عاوز اتكلم معاكي..
قاطعته بصوتها الضعيف :
-انا مش عاوزة اتكلم معاك..لو سمحت اطلع و اقفل الباب..
-طب مش عاوزة تنامي في اوضتك تاني ؟
رد بحدة :
-لا مش عازوة..
رد بلين وكأن استعاد شخصيته القديمة :
-طب عشان خاطري
و بنفس اللهجة القاسية اجابت :
-ملكش خاطر عندي..
صرخ بها :
-تصدقي انتي مينفعش معاكي الدلع انا غلطان اني عبرتك اصلا..
و خرج هذا المتعجرف و الغضب يحتل قلبه , اتجه لغرفته هو الاخر و اغلق الباب بقوة , انتفض جسدها لكن شعرت بسعادة تغمر قلبها , فلقد اقسمت علي اقامة الحداد علي حبه..
لكن فورًا ما شعرت بالضيق عندما سمعت صوت اغلاق بابها بالمفتاح , زفرت بحنق متوعدة له بداخلها بالانتقام..
                              ***
جلس علي مكتبه بعد غياب طال لاسبوعين..اراح جسده علي المقعد و اعاد برأسه الي الخلف متأمل السقف , لم تلبث دقيقة و دخلت سلمي بحذاءها الذي يقرع علي الارض محدثًا صخبات عالية..
نظر لها بثبات و قال و هو يجز علي اسنانه :
-اتأخرتي انهاردة لية هو انا عشان مكنتش باجي  تبقي مليطة..
تعجبت من اسلوبه الجاد و نظرت لساعة يدها :
-متأخرتش الا خمس دقايق كان في زحمة في الطريق..
-لو اتكررت تاني في خصم يوم..
صمتت لفترة وجيزة تأكدت انه متضايق في تلك الساعة , قالت بلطف :
-نورت الشركة حضرتك..
رتب اوراقه و قال بدون ان ينظر لها :
-شكرًا..
سلمي مسرعة :
-مستر مازن المفروض حضرتك تمضي هنا...
اقتربت من و مدت يدها بالاوراق , تناولها من يدها و وقع علي الاوراق..
كانت ستخرج من المكتب لكن سمعت نداءه لها :
-سلمي..
التفتت له بانتباه :
-ايوة يا مستر مازن في حاجة..
تنحنح بحرج و قال :
-متعرفيش اخبار عن احمد عبدالمجيد ؟
صمدت في مكانها و اتسعت عينيها بدهشة لتقول بصوت خافض :
-هو حضرتك مقرتش جرايد
هز رأسه بالنفي , لتتجه صوب طاولة صغيرة تناولت منها جريدة , فتحت احدي صفحتها ثم توقفت عن البحث ,, اعطت الجريدة لـمازن و هي تقول باسي :
-في عمارة في 6 اكتوبر ولعت
مازن بتأثر :
-لا حول ولة قوة الا بالله..
اردفت بحزن :
-احمد معرفوش يخرجه هو و الي معاه و مات محروق..
صدم مما قالته لتو ليقول باضطراب ملحوظ :
-احمد مات...
اماءت رأسها بالايجاب , مد شفاهه السفلي للأمام و ظل صامتًا و الصدمة تكسو ملامحه..
                        ***
عاد الخي البيت وجد الوضع هادئ علي غير المعتاد , اتجه لغرفته و خلع قميصه واللقاه جانبًا باهمال , فتح الخزانة و تفاجاء حينما لم يجد ملابس سمر تشاركه الخزانة , دائمًا كانت تتعمد وضع فساتينها المغرية المثيرة معللة بانها تود ان تتعطر ثيابها بعطره الخاص..
فتح خزانتها و بحث بقوة عن ملابسها فلم يجد , فزع عندما تذكر رغبتها في الرحيل الي قصرها القديم , ركض ناحية الغرفة و فتح الباب بسهولة رغم اغلاقه ليلة امس باحكام..
وجدها تجلس علي الفراش متربعة بقدميها و بيدها كتاب و القلم في يدها الاخر يبدو انها تذاكر , كانت ترتدي فستان ازرق قصير و قد رفعت شعرها بعقدة صغيرة اظهرت طول رقبتها المثيرة , و كما يبدو ان الصغيرة استطاعت توصيل النور الي غرفة المظلمة الكئيبة , كانت الغرفة يملءها صوت ام كلثوم الطرب لأغنية "فات الميعاد" وجد بجانبها مشروب غازي و مقرمشات كثيرة..
نظر لها باستغراب , كيف قادتها قوتها الي التعامل مع الحياه بذالك "الروقان" , اطال النظر بها :
-والله..
فجأة صاحت ام كلثوم بصوتها الجبار :
-تفيد ب أيه يا ندم يا ندم
وتعمل ايه يا عتاب
طالت ليالي ليالي الألم
وتفرقوا الأحباب
ابتلع لعابه خينما انصت لكلمات ام كلثوم حاول التظاهر بالقوة ليرفع بصوته :
-انتي يا هانم لما اكلمك تردي عليا..
تجاهلته كالمعتاد :
-ردي عليا بقولك..
رفعت اليه نظرها و رمقت عينيه بهدوء , توتر من عينيها تلكَ و تنحنح قائلًا باضطراب بدا علي نبرة صوته :
-مبترديش عليا ليه
كأنه لم يقل شيء لتو , اخفضت رأسها مرة اخري الي كتابها , ابتسمت بانتصار فقد نجحت في اثارة شعوره ببرودها و صمتها..
مازن بسخرية و تهديد :
-رايقة,,شكلك نفسك في علقة تانية..
شعرت بالخوف لكن قاومت خوفها و حاولت تجاهله بتكبر و غرور , رفعت صوت الاغنية التي تطابقت مع حياتها في تلك اللحظة..
انحني اليها , اسند بمرفقيه علي الفراش  و اطل بوجهه علي وجهها الملاكي ذو الملامح البريئة , سألها و هو يتأمل عينيها بجراءة :
-فتحتي الباب ازاي و انا قفله بالمفتاح ؟
اخرجت "بنسة" من شعرها لينسدل بقوة علي ظهرها  و نظرت اليه باستهزاء و خبث , حاول امساك تلك "البنسة" التي افسد كل مخطاطه , لتسرع بجذبها و رفع شعرها مرة اخري..
اعجب بفكرتها الذكية , هي بالفعل ذكية فهي الوحيدة التي تربعت علي عرش قلبه بين نساء العالم السيدات و الانسات و الفتايات البالغة , فتاة مراهقة فاتنة تتلاعب الان بمشاعر قلبه المتوتر..
اقترب منها اكثر لتعود برأسها الي الخلف حتي تطرق رأسها بالحائط , فهمت ما يدور في باله , الان يحاوط خصرها الانوثي و يشتهيها , نظرت اليه بثبوت و قالت بجدية و ثبوت :
-اطلع برة..
اصر علي معاندها :
-مش هطلع و رويني شطارتك..
سمر بضيق :
-بقولك اية يا عسل وريني عرض كتافك..
امسك ذقنها بين اصابعه و هو يقول بتهديد :
-لمي لسانك عشان مقصهوش..
ثم أكد مرة اخري علي جملته :
-و مش هطلع يا سمر
ظن بصمتها انها ستسلم بين يديه الان لكن هو غبي..فما ان حاول جذبها الي احضانه لكي تركل بقدمها بقوة و هي تصيح به بغضب :
-قولتلك اطلع برة..
صرخ بقوة متأوه من ضربتها الفجأية , تملصت نفسها منه لتركض خارج الغرفة حاول امساك ذراعها لكن افلتت منه , دخلت الي دورة المياه و اغلقت الباب باحكام و هي تسند عليه بظهرها لتتأكد بعدم محاولة دخوله , لكن فورًا ما وجدت ضرباته بيده علي الباب و هو يصرخ بغضب :
-و رحمة امك ما انا سيبك يا سمر..انتي شكلك عاوزة تتربي من جديد..
سمر بانفعال طفولي :
-انا الي عاوزة اتربي يا بتاع الستات يا حيوان انت اصلا راجل شهواني..
شعر بالاهنة تجتاحه فقال بثور و غضب :
-احترمي نفسك عشان مكسرش الباب فوق دماغك
-اعمل الي تعمله معدتش يفرق مانا هستني من واحد زيك اية..انا بقيت بكرهك يا مازن..
اندهش مما قالته و تراجع الي الخلف بخطواط هادئة , تأكدت انه ابتلع اول نقطة من سموم التي حضرتها له ستتراقص علي اوتار قلبه و البادي هو اظلم..
سمعت صوت اغلاق باب غرفته , لتتنهد براحة , فتحت الباب بخبث و خرجت منه مسرعة الي غرفتها و قد تأكدت انه لن يتعرض لها مرة اخري...
جلست علي فراشها بمرح و اخذت تقفز بسعادة , كادت تصرخ من الفرحة , استطاعت النجاح في حزنه و اثارة غريزته نحوها , دائمًا ما تجد في عينيه نظر القلق كلما تلاقت انظارهما ببعضهما , مذ امس و هي تري نظرة الندم و الحزن يغزوه , لكن لن يكون هذا عذر لتوقفها من الانتقام , فلم يكن سهلًا هذا الجرح الذي  تركه بقلبها الصافي..كان جرح عميق غاص الي ذكريتها الاولي,, حينما ارتمت في احضانه لأول مرة و حينما أمنت نفسها له , حينما همست له "بحبك" في اذنيه , حينما اخذته بين ذراعيها و هدأت من روعه يومًا..
شعور الامان مزال يزاولها في حضوره لكن شعور الخوف منه لم يفارقها , كانت تتأكد مذ زمن ان الخوف من الحبيب ليس من صالح الطرف الاخر , فقد يتحول الخوف الي كره يومًا..
                              ***
فتح حاسوبه الصغير "اللاب توب" , كان بالصدفة وجد حساب سمر متواجد , دفعه فضوله ليبحث عن اخر رسائل بينها وبين الوغد احمد , و شرع في قراءة الرسائل بتركيز و عينين حادة..
شعر بوغز في قلبه حينما وجد رسائلها و هي تؤكد له انه من سابع المستحيل تصديق مازن لتلك الكذبة فهو بالطبع يثق بها , و يا ويلتاه لقد خان ثقتها به , لم يعرف ماذا حل به عندما وجد صور لها بين احضان رجل اخر , تناسي كل شيء , هو رجل شرقي يكره النساء الخائنة يعتبر الخيانة في ميزان القتل , الخيانة هي قتل روح الانسان العاشق , وضع يده علي جبهته بتوتر و شعر بالاشمئزاز من نفسه , ألم يرفق بدموع تلك الصغيرة و هي تبكي بشهقات متتالية ام و هي تصرخ بين ضرباته العنيفة ام و هي تتوسل له بالخروج من الغرفة المظلمة ,,
كيف كان بهذا الظلم !
كيف ترك الكره يحتل قلبها !
كيف جعل دموعها تسيل علي تلك الوجنتين ذات الملمس الناعم المخمورة بحمرة !
كيف جعلها تقضي ليال خارج حضون ذراعيه !
هو المذنب لكن اين روح القاضي الرؤوف , هو له العذر فهو عاشق غير مسيطر علي افعاله كأي بني ادم طبيعي لم يذوق مذاق العشق كما ذاقه من يديها..
ستنفر منه اذا حاول التحادث معها الان , و معها الف الحق..
استلقي علي فراشه و اغمض كلتا عينيه بأسي لم يأتي النوم اليه بسهولة , كانت الافكار تتصارع في رأسه تريد قتله باحساس الذنب ببطئ..
غفل لدقائق و لكن ما لبث هذا العاشق الضعيف الا و قد استيقظ علي حلم مفزع و قد ايقظه صوت مؤذن الفجر..
كالطفل الصغير يود احضان والدته تروضه من ذالك الكابوس الذي لا يتذكر منه الا القليل , حك عينيه بنعاس , قام متكئ علي الطاولة , توضئ ليقيم صلاته بنية صافية و هو يدعو في صلاته ان تسامحه سمر علي تلك الخطيئة..
انهي صلاته ليعتدل واقفًا و يتجه لغرفة صغيرته الجميلة , فتح الباب لكي يجدها مستلقية علي فراشها نائمة ترتجف من البرد , اتي بالغطاء و وضعه علي جسدها , كما وضع قبلة راقية علي جبينها , اسرعت بفتح جفنيها برعب عندما سكنت قبلته علي جبهتها , نظرت له برهبة و قالت بصوت ضعيف :
-مازن
رد بحزن :
-نعم
ظلت صامتة لا تعرف بما تجيب اتخبره بأنها تحبه و تكره وجوده , تمالكت اعصابها و همست له بضعف :
-ابعد من عني كفاية بقي
-انا بحبك
لتلفظ بدون تفكير و كأنها تريد اثارة شعلة في قلبه :
-انا بكرهك..
امسك بكفها و طبع في باطنه قبلة طويلة , لتقول بتماسك :
-اوعي تفتكر انك بالمنظر دة هتعرف ترجعني ليك..انا مش عاوزة اعيش مع واحد شاكك فيا و انت متأكد اني معملتش حاجة , مش عاوزة اعيش مع واحد بخاف منه و انت المفروض ليا مصدر امان , مش عاوزة اعيش مع واحد ايده سابقة لسانه و فاكر ان ديه رجولة انا بقيت بكرهك و انت السبب مش انا..
اجابها بثقة عمياء :
-حبك مش هيتحول لكره..
-بعد الي عملته يتحول لأي حاجة..
-انا واثق فيكي انا مش عارف عملت ازاي كدة انا مكنتش في وعيي..
دفعته بيديها الي صدره العريض و هي تصرخ به :
-طب اعتبر اني انا كمان مش في وعيي و بقولك اطلع برة و سبني..اعتبرني مش موجودة..
اردف بحزن :
-انا بحبك و مصدق انك مخونتينش..
صرخت به بقهرة  و شجن :
-بعد اية !!..والله يا مازن لو مطلعتش هسيب البيت و امشي..
كان متأكد انها لا يمكن بفعلتها , لكن قام بارادته و خرج من الغرفة بهدوء , ليتركها بين اربعة جدران تكفكف دموعها التي لا تهدئ..
                               ***
مر ايام لا تتعدي الاسبوع لم تحاول فيها اللين ابدًا كانت متماسكة لم تزرف دمعة تود و بشوق البكاء لكي يرتاح قلبها , تشعر بكبت أليم يسكن صدرها حينما تراه..
بالفعل تشتاق له و لاحضانه العنيفة , تحب قسوته في حضنها , تلك القسوة التي تكاد تكسر عظمها , تشعر بأنها تحييها مرة اخري بعد عذاب طويل..كم كرر الاعتذار لكن لا فائدة ! لن تسامح بتلك السهولة يجب ان يذوق عذاب قلبها..
كانت  تقف في المطبخ تقوم بتحضير فطيرة محشو بالجبنة , لتجده يقف علي اعتاب المطبخ و ينظر لها بضيق :
-سيبي الي في ايدك دة و روحي ذاكري..الامتحانات مفضلش عليها كتير و انتي بقيتي تدلعي..
قهقهت من داخلها فهي لا تفعل شيء الا المذاكرة بجد و اجتهاد هاربة من الواقع أليم , شق طريق المذاكرة كفتح مجال لحديث لكن لا فائدة لن تلين , كانت لتو قد انهت اعداد الفطيرة وضعت علي طبق كبير و سارت امامه بغنج و دلال لتتجه الي غرفتها و تغلق الباب..
شرعت في المذاكرة بجهدها المعتاد و بينما عينيها تتركز في كتابها وجدت من يدلف الي الغرفة و يغلق الباب باحكام و صوت المفتاح يؤكد مرارًا انه اغلق جيدًا , فعل هذا لكي يتأكد انها لن تفر تلك المرة بأي شكل من الاشكال , نظرت له بخوف و نهضت من مكانها بذعر و هي تقول :
-انت عاوز اية..!
و.....
*
*
*
*
*
يتبع
رأيكم يهمني طبعًا بلاش متابعة صامتة بقي :D

زوجتي طفلتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن