في إحدى مقاهي باريس الباردة ..
.. في منتصف شهر ديسمبر القاسي .. كنت و صديقتي " ليان " نحتسي القهوة حينما صرخت فجأة من فكرة مجنونة خطرت على عقلها
وقالت : حياة ، ما رأيك لو تقيمين الحفل هنا
فقلت : ليان هل انتي مجنونة ؟ هنا !
فردت : أجل ، يعني هذا المكان هو أصل بداية هذه القصة
فقلت : لا لا أنسي الأمر لن أفعل
فقالت : حياة ، أنتي ما زلتي تحبينه و لا يمكنك نسيانه و لهذا لا تريدين إقامة الحفل هنا أليس كذلك ؟
فقلت بتوتر ملحوظ : ليان ماذا تهذين أنا نسيته منذ زمن
فقالت : لا أصدقك
فقلت : حسناً لا تصدقيني
ثم قمت من مكاني و توجهت لمدير المقهى تكلمت معه ثم عدت
تحت أنظار ليان فقالت : ماذا تكلمتي مع السيد جوان
قلت : أخبرته أن يجهز المقهى يوم الجمعة لحفل توقيع كتابي
أبتسمت ليان و قالت : هل هذا إثبات أنكِ نسيتيه أم ماذا ؟
فقلت : أنظري للأمر كما تريدين لا يهمني الآن سوا التجهيز للحفل
فقالت : أجل أجل لا يهمك شيء ، على كل حال يجب أن نعلن عن الحفل فالناس تنتظر منذ مدة
ثم وقفت توضب أشياءها من على الطاولة لنخرج من المقهى
بينما سرح خيالي و عدت لأيام لا أنساها أبداً
فقلت وسط شرودي : ليان
فقالت : ماذا ؟ ما بك ؟
فقلت : هل كنتي تصدقين يوماً أنني سأصل لهذه المكانة
ضحكت و قالت : لا شيء مستحيل مع الإرادة و الإيمان و أنا
كنت دوماً مؤمنة بنجاحك على الرغم من كل المعوقات
ابتسمت و قلت : فعلاً ، دوماً كنتي لي سند في حياتي و كنت أكثر من أخت
كنتي مركز طاقتي و كاتمة أسراري .. أستمعتي إلي دون ملل لأيام
و ليال و نصحتني خير النصيحة ، على الرغم مما كنا عليه في الماضي
لكنني الآن ادعو الله دوماً ألا يفرقنا
عانقتني ليان بقوة و قالت : يا حياة من أين لك بهذا الكلام الجميل
نحن أصدقاء منذ القدم و سنبقى دوماً هكذا
ابتعدت عنها و ضحكت ثم قلت : يعني ماضينا لا يعتبر جيد أيضا
أمسكت ذراعي و هي تقول : يعني لا يعتبر
ثم أنفجرنا بالضحك في وسط ذهول من حولنا
لا أحد يفهم سبب ضحكاتنا سوانا
ثم انطلقنا للمنزل تحت المطر و نحن نسترجع ذكرياتنا و نضحك عليها
...
أمضيت تلك الليلة المطيرة أتقلب في فراشي
و أنا أتذكر " خالد " كل دقيقة و أتذكر تفاصيل حبنا
نعم معها حق ليان أنا لم أنساه يوماً و لم أنسى حبه و سأحبه
حتى الموت ، تماماً كما وعدته ..
...
مضى الأسبوع سريعاً لنصل إلى يوم الجمعة
يوم توقيعي كتابي الأول
كنت في قمة حماسي و توتري خوفاً من حدوث أي خطأ
لكن كل شيء كان كما يجب أن يكون
و بدأت بتوقيع الكتاب للناس بكل فرح و سرور
حضر العديد من الأصدقاء لدعمي و العديد من الاشخاص
فقط للحصول على توقيعي و الطبعة الاولى من كتابي
شعرت انني شخص ب غاية الاهمية
كان أسعد يوم في حياتي البائسة ..
و قبل أن ينتهي ذاك اليوم .. أثناء إنشغالي بتوضيب أغراضي
وضع أحدهم باقة ورد على الطاولة و قال بالعربية : مبروك
ابتسمت بألم فقد كان صوتاً أميزه من بين عشرة أصوات
كان صوته هو " خالد " بعد خمسة سنوات من الفراق
خانتني دمعتي و تدفقت على خدي .. بينما لم أعد قادرة على الإمساك بالقلم
رفعت رأسي و نظرت لعينيه .. دق قلبي كما لو أنه أول لقاءٍ لنا
أشتقت له .. اشتقت لعينيه الزرقاوتين .. اشتقت لشعره الاسود
اشتقت لقامته الطويلة .. اشتقت لسمار بشرته .. اشتقت لأتحسس عضلات يده .. اشتقت للتغزل به .. اشتقت لكل نقطة به
لكن خالد لم يكن خالد الذي أعرفه .. كان يتغلب عليه الألم و التعب
كان يبدو الإرهاق في عينيه .. ماذا فعلت به الدنيا
كيف تحول خالد المرح المحب للحياة لهذا الرجل الناضج
تلاقت أعيننا لدقائق معدودة ثم ابتسمت و أنا امسح دمعتي
و قلت : الله يبارك فيك
فقال محاولاً تخفيف الصمت : يعني حققتي حلمك أخيراً
ابتسمت بحزن و قلت : يعني لنقل تحقق جزء منه
فقال بحزن : ماذا ينقص بعد ؟
و كأنه لا يدري أنه حلمي و واقعي
قلت : أنت ...
نظر لي بدهشة فتداركت نفسي و قلت : أي أنت تعلم ماذا ينقصني بعد
و قبل أن يقول أي شيء تدخلت ليان التي كانت تراقبنا من بعيد لتنقذ الموقف و قالت : حياة هيا
محمد و الأطفال بإنتظارك
نظر لها خالد ثم ألتفت لي بدهشة و كأنه يحاول تفسير ما سمعه
فقلت : على كل حال .. شكراً على الازهار يجب أن أذهب الوداع ..
غادرت بسرعة و توتر دون الإلتفاف خلفي
حتى أنني تركت أغراضي بالمقهى لكنني تجاهلت الأمر
حاولت ليان التلكم معي لكنني رفضت الحديث
توجهت للمنزل رميت بنفسي في السرير عانقت أزهاره و أجهشت بالبكاء ..
نمت و أنا أبكي يا خالد ..
كما يحدث في كل ليلة منذ خمس سنوات
سئمت من الحزن يا خالد سئمت من الإشتياق لك
و كلما حاولت نسيانك أنسى النسيان و تبقى أنت
حقاً أنت كاللعنة ...~•
مهما فعلت لا أستطيع التخلص منك ..~•