عِشت أيامي مع ذلك المدعُو ألفريد في بيته الكبير ، لا بل قصره المذهل لأكون صادقاً . أدرس وأتناقش معه بقضايا علمية . يأخذني لمجالس العُلماء ، لأَعرِض عليهم أفكاري و آرائي ؛ فما كان منهم سِوى الصدمة من ذكائي وعبقرية تفكيري .
أنا لا أعلم لما هم مُقتنعون أني عبقري بِذكاء خارق ! . كل ما أعتقده أن المدرسة مُمِلة ، وِ ما أُعلَمُه بإمكان أي شخص مَعرفته ، مُجرد القراءة تفي بالغرض .
جعلوي أُلقي مُحاضرات علمية كثيرة في جَامِعاتهم رغم أنني كنتُ قد بلغت الرابعة عشر من عمري فقط .
حتى أُنهم أطلقوا عَليّ لقب رصاصة العبقرية . صِدقاً لا أعلم لِما كلمة رصاصة بالذات ، ربما لعشقهم لاستعباد الفقراء و قتل الأبرياء برصاصاتهم الفضية . أو لأنهم لاحظوا احتفاظي الدائم لتلك الرصاصة التي أرفض أن أُري كلماتها المنقوشة لأحد غيري ، حتى ألفرد لم يستطيع معرفة سبب احتفاظي لها .
أذكر سؤاله لي في إحدى المرات قائلا : " يزن ما بال تلك الرصاصة ترمقها دائما بناظريك ، متمتما بكلمات لا أسمعها حتى؟ " .
قلت له بعدم اهتمام يحتويه هدوء شخص اتصف بثقة عمياء في تلك اللحظة :" خالق السماء يسمعها ".
▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶
كان ألفرد رجلاً وحيداً في قصره يلبي لي جميع مطالبي رغم حدة طباعي و حبي لأكون وحيدا طِيلة الوقت . إلا أنه لم يزعجني يوماً ، بل كان يحبني بشدة ، و يتحدث معي كصديق بِنفس سنه و ليس طفلاً يجاريه في حديثه . بالإضافة لمعاملتهِ لي كابن لم ينجبه بعد .
هو في حقيقة الأمر لم يتزوج حتى الآن رغم كونه وسيماً و طِباعه جيدة . أكره الاعتراف بأن ثرياً كان طيباً معي . لكن ذلك الواقع المُؤلم الذي يلعب بي ، و يجعلني َأتخبط بوحدتي و قهري بمفردي.
▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶
في ربيع الثالث والعشرين من عمري توفي ألفريد بسبب مرضه المزمن الذي كان يخفيه عن الجميع . حتى أنا لم أكن أعلم ، ربما لذلك لم يتقدم للزواج . لقد نُقِلتْ جَميع أملاكِه لي . صِدقاً لقد فوجئت حينما علِمت أنْ ألفريد كَتبَ جميع أملاكِه لي ! ، لأكون الوريث الشريعي لها .
ماذا الآن هل ستستمر حياة الثراء بالتبشبُث بي لأفقد هويَتي الأصلية مع ماضي أرضي ؟. أنا لا أريد ذلك حقاً . لا أريد أن أصبح مجرد هيكل بشري تجرد من انسانيته لينزع القناع عن وجهه القبيح العاشق للتملك دون مساعدة من هم أقل مِنهم . لَطَالما كرهت هؤلاء الأغنياء منذ دَفَنت مشاعري وأَخفيت آلامي في تُراب أرضي قبل رحيلي .
أمقُت فكرة أن أرتدي قناع الثراء مثل الأثرياء هنا وهناك و هم يتغنون من وراء أقنعتهم البيضاء بقبح نواياهم ونزعتهم الدموية للقتل .
▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶
بعد عدة أيام من وفاة ألفريد تَقلَدت منصِبَه في مجلس المدينة ، لأكون أنا المسؤول عن كل شيء .
ربنا تتسائلون كيف يحدث هذا في غضون أيام فقط ؟! . أن أُرِشح لمنصب رفيع وخطير يجعلني أتحكم بقوانين هذه المدينة ومعيشتها . و أنا قد أكملت الثالثة والعشرون من عمري للتو .
دعوني أعرض أوراقي عليكم لتموت تلك الحيرة في أعينكم . منذ أن اعترف ألفريد و الجميع بذكائي . أخذني ألفريد معه ذات مرة لمجلس المدينة و دعاني لحضور إحدى الاجتماعات الخاصة بشؤون معيشة الأغنياء في المدينة . رحبَ بي الجميع بالطبع ، و بقيت أسمع حواراتهم و نقاشاتهم حتى أخبرني أحد المستشارين بأن أعرض رأيي أيضاً . و بالفعل فعلت ذلك بعدما أَذِن لي ألفريد . ما كان من الجميع إلا أن ذُهِلوا بما قلته و قد أدرجو رأيي بالفعل ضِمن مخططاتهم لِتطوير المدينة . في ذلك اليوم كُنت قد أكملت السابعة عشر من عمري .
منذ ذلك الحين وقد قرر أفراد المجلس أن أحضر بعض اجتماعاتهم لعرض رأيي . و بالطبع كان ألفريد سعيداً بذلك وفخوراً بي . في الواقع كان الجميع يسمي ألفريد بالرجل العظيم . لقد أحبني الجميع ومنحوني ثقتهم واعترفوا بآرائي واحترموا حتى رأيي المعارض لهم . لكني لم أحضر اجتماعاً يخص حروبهم على مناطق الفقراء قط .
لقد كان يجول بِبالي دائماً كيف لشخص محبوب و طيب مثل ألفريد أن يكون المسؤول الأول والمتحكم المطلق بدمار و تعذيب أهل القرى الصغيرة التي غزاها الفقر لإهمالهم لها رغم أن تلك القرى يحكمها أيضاً ألفريد و ليس مدينة الثراء فقط ؟! .
لا أعلم هل من حقي أن أحزن على موته و أفرح بمنصبي الجديد ؟ ، هل من حقي أن أنسى حِقدي اتجاه ألفرد الظالم ، و أتذكر فقط ألفريد الطيب ؟.
لا أعلم تلك المشاعر أشبه بالسم ، وَضعها ألفريد بقلبي مُتعمداً ، و كأنه يعلم حقيقة هويتي ، ليقول كُن مُمتناً لي و دع الظلام يلتهم ماضيك .
▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶▶
في نهاية المطاف لقد تم تنصيبي في ذلك المنصب خلفاً لألفريد .
فتحت ذلك الباب الفخم لأدخل لتلك الغرفة التي زُيِنت بِمُقتنيات ثمينة . أتقدم بِضع خطوات نحو ذلك الكرسي ، أثناء حديثي مع نفسي قائلاً :" لا أعلم كيف انتهى بي المطاف لأكون ممتناً لألفريد ، كونه اهتم بي في بيته و طور مواهبي ، لكن رغم ذلك لن أغفر لنزعته الدموية . لقد جعلت من ذلك الطفل يا ألفريد رصاصة العبقرية بالفعل و ليس لقباً وحسب ، دون أن تدري أنه سيأتي يوم وتدور دائرة القدر ليكون ذلك الشاب اليافع يزن حاكم مدينة الثراء وجميع القرى الفقيرة حولها ، قد شق ثوب الدجى محاولاً حكم منطقته بطريقة العدل والمساواة لا بالدماء وشهوة القتل ".
أجلس على ذلك الكرسي الذي يقبع في منتصف الغرفة ، أمامه تلك الطاولة الفخمة لأنظر لتلك الرصاصة في يَديّ قائلا :" لطالما كانت كلمات الرصاصة مَن يُنسِيني حُزني وَ يدفعني صَوب هدفي"
(بإذن الله سأنتصر......)
تلك الكلمات مِن حفرها يزن في طفولته المسلوبة على الرصاصة الفضية التي احتفظ بها دائماً .
أنت تقرأ
في يَدِي رصاصة
Contoعن اللاشئ أتحدث...... عن جُثث هنا وهناك تمكث .... عن أضغاث أحلام هشمها عابث ...... وَسط براثين غريب خبيث .. عن حنايا مكان يَستَحِث آلاما أمام مغيث ......... عن ثكالى أتعبها الاستِغاث في دائرة الحوادث.... حيث اللاشئ سيد برداء البياض تلقب........ وب...