غربة

59 2 5
                                    



وطني في حرب هو يعيش !!
السلام بها منعدم ؛ فلا تهنأ لك عين بها !!
تخشى أن يتم اقتحام منزلك فما تجد أمامك سوى أحبابك قد صاروا في عداد الموتى .
صوت الصواريخ يكاد يصم الآذان ناهيكم عن الرجفة و القشعريرة التي تتملكنا عندما سماعه !!
بعد محاولات عديدة و صعبة من أسرتي ، أجبروني على السفر خارجاً بحجة أنني طالب جامعي و على أن أهتم بدراستي و بمستقبلي ، و في ظنهم أن هناك الراحة و الطمأنينة !

-
انتقلت لأمريكا ، سجلت في إحدى جامعاتها !!
لا أشعر بالراحة إطلاقاً ! كم هو الجو ثقيل و قاتم ؟! بحق ما الذي سأفعله في مكان كهذا !
شتاءها قارص جداً لدرجة تتساقط فيها الثلوج !!
لا حجتب بهذا البلد ! رائحة الخمور تملأ كل الأرجاء !
هذا المكان ليس سوى منفى للعصاة ! ليس سوى أرض الذنوب !!
تمنيت حقاً في تلك اللحظة أن أقابل مسلمين مثلي ، لكن يبدو بأن هذا صعب المنال !

-

بدأت الجامعة ، كبيرة هي ؛ ربما تتكون من ستة أدوار أو أكثر .
كل شيء بها متطور ، بصراحة شعرت بالحسرة على بلاد المسلمين .
هم سرقوا منا كل هذا التطور و استفادوا منه و ارتقوا ببلادهم بينما بلاد المسلمين ، كل بلد بها حروب ؛ فهم لا يعيشون بأمان مطلقاً .
وهم المسلمين أطهر ديانة على وجه البشرية .
يا حسرةً عليكِ يا بلادي ! يا حزني عليكِ يا أوطاني !

مر الاسبوع الأول على ما يرام و الثاني كذلك !
لكني لا أزال لا أشعر بالراحة ، كيف سأرتاح ؟ و أنا بعيد عن أهلي و أحبابي ، أعيش في غرفة صغيرة بمفردي ، أواجه الجدران ليل نهار و كأنها أصدقائي .
أريد العودة لموطني ! أويد ذلك .

-

أتى الأسبوع الثالث ، ظننت أنه مثل الاسبوعين السابقين سيظلون يتجنبونني طوال الوقت .
لكنني فوجئت عندما وجدتهم ينهالون عليَّ بالشتائم و السب !
بالكاد كظمت غيظي و جعلت تلك الأيام تمر بسلام .
تمادوا في فعلهم ! فبدأوا بارماء القاذورات عليَّ !
لم أتحملهم فقد ضقت ذرعاً منهم ، فاتجهت لمكتب المدير .
- مرحباً سيدي المدير . بكل أدبٍ أردفت .
رسم شبه ابتسامة على شفتيه بالكاد ترى و هز رأسه بالإيجاب و كأنه يحييني هو أيضاً .
تنحنحت فأردفت و أنا احاول كبح غضبي :
- سيدي ، العديد من الطلاب بدأوا يزعجوني ، فهم يسبوني و يشتموني و يرمون عليَّ القاذورات ايضاً ! أرجو أن تتخذ معهم الإجراء اللازم !!
حدق بي بنظرات اشمئزاز ، خلع نظراته البيضاء الشفافة ذات الأيدي السوداء و الخيط الرفيع الذي يتدلى منها !
- آسف لا حل لدي ، ارحل الآن أرجوك فأنا مشغول جداً . قال وهو ينظر للملفات أمامه .
رائع مدير المدرسة بنفسه لا يستطيع فعل اي شيء .
و لكن لِمَ يعاملونني هكذا ؟ ألست بشرياً مثلهم !!
تباً أكره تلك البلد بمن فيها !
عندما شعرت بأنني قد أخطأ بحق المدير خرجت بسرعة من مكتبه و قد اغلقت الباب بقوة لدرجة شعرت فيها بانني ساصم .

عدت لشقتي أو بمعنى أصح غرفتي و شرعت ألملم أغراضي المبعثرة ؛ أنا لا أستطيع العيش هنا أكثر .

-

في مساء اليوم التالي كنت في منزل عائلتي .
كم هو جميل أن تراهم مجدداً !
تعرضت للتوبيخ من والديَّ و لكنني سردت لهم الحكاية كاملة فتفهموا موقفي !
إنه رائع حقاً أن أبقى بين أحبابي و عائلتي حتى لو كان هذا يعني الموت .
فالأرض من دون أحبابي كالصدفة من دون لؤلؤ و كالبحر من دون مرجان .

.... انتهت ....  

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Oct 04, 2016 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

و مالغربة بذلك الأمر الجميل !حيث تعيش القصص. اكتشف الآن