السلطان المملوك 14

5.2K 334 11
                                    

#السلطان_المملوك
الفصل الرابع عشر
أطلقت السهم فور أن حانت لها الفرصة، و لكن يدها أرتعدت في أخر لحظة حين تدخل قلبها في القرار. كانت تستطيع أن تصيبه في مقتل لولا إرتجاف يديها، و تلك الدموع السخيفة التى ملأت عينيها، فحجبت عنها الرؤية. رأت السهم يصيبه في جانبه، و إرتاعت لهول ما أقدمت عليه. حين استدار على جواده و نظر إليها، علمت أنه يعرف أنها من أطلق السهم، حاولت الهرب حين رأته متجهاً نحوها، سيقتلها! تعلم أنه سيقتلها. بعد محاولات مستميتة أفشلها الخوف، تمكنت من ركوب فرسها و بدأت الهروب، لكن فرسها المسكينة لا طاقة لها بمنافسة جواده القوي. أسرها، و وضعها كالجوال فوق حصانه، ليتها قتلته!

حاولت الإفلات، لكنه ظل يضرب مؤخرتها، حتى كادت تقبل قدميه ليوقف ما يفعله. الألم، الإمتهان، و ذلك الإستهزاء في عينيه.. جعل الدموع تنسكب بلا توقف. أكمل نزال أعدائه، و كأنها بلا وجود. صليل السيوف و تحطم الأعناق و الصريخ يكاد يصم أذنيها. أغمضت عينيها بشدة، لكن الإحساس بالدماء الساخنة التي أصابت وجهها و شعرها و ملابسها، كان له أثر أشد رعباً من رؤية مشهد الحرب نفسه.

رنت بنظرها إليه، فلاحظت شحوب وجهه، و قطرات العرق على جبينه. حين أخفضت نظرها، رأت جرحه ينزف. قد يبدو لأعدائه في تمام العافية، لكنها تعلم أنه يتألم و يتحامل على نفسه. أرادت أن تلمس الجرح الذي تسببت فيه.. لماذا فعلت به ذلك؟ أحست بالندم. أتراها مازالت تحبه؟ كان من ضمن ما سمعته من وصيفاتها أنه ينوي الزواج بأخرى، و أن هذه الأخرى قد تكون إحدى جواري قصره. في باديء الأمر تجاهلت الخبر و تظاهرت باللامبالاة، لكن ذلك لم يدم طويلاً، فقد أخذت الغيرة و الكرامة الثائرة ينهشان في قلبها كما الضباع. كيف تسول له نفسه أن يحتضنها كل ليلة، ثم يذهب للنوم بين ذراعي جارية.

آلمها رأسها لإندفاع الدماء إليه بوضعيتها على حصانه، لكن لا مجال لأن تطلب منه ذلك الأن، فهو ينازل خصومه بشراسة قد تدفعه لنحرها إن أفلتت من فمها كلمة. كان جسدها و قلبها و عقلها في نزاع كبير بين ندم على فعلتها، و بين سخط على معاملته لها. إنها مازالت تحبه، و لذا فهي تعاني الأن من هذه المشاعر. نظر إليها سائلاً "هل أنتِ بخير؟" كادت تبكي و تنوح.. أتسأل عن حالي أيها الأحمق و انت تتحمل الألم الذي سببته أنا لك. عاودت النظر للأرض و هي فوق الحصان أمامه كالجوال قائلة. "نعم.." و صمتت بعدها.

يا إلهي لقد قال " أنتِ"! كيف علم بأنني إمرأة؟ لقد قصصت شعري و أرتديت ملابس الجند! كيف كشف حقيقتي؟ نظرت لوجهه، و أدركت أنه علم بما يدور في عقلها. إحمر وجهها خجلاً، و عاودت النظر لأسفل لا ترى سوى حذائه و هو يركل الجواد محثاً إياه على الإسراع للأمام. سمعته يسأل عن ملك البلاد، و فور علمه بهربه صاح كما الأسد الجريح، صيحة أدخلت الرعب في قلبها. لما يسود الظلام أمام عينيها، و تخفت الأصوات شيئاً فشيئاً. أرادت أن تسأله لكن صوتها لم يخرج، فقد فقدت الوعي كي يرتاح عقلها و قلبها من المعاناة.

إنتهت الحرب لصالح شاهين، لكن هروب خاله، حال دون إستمتاعه بفتح البلاد و إعتلائه عرش أبيه و إسترداد ما كان حقاً له، أرسل الجيش إلى خراسان لإخراج عمه من غيابات السجن، و إرجاع ملكه إليه. ما نزفه من دماء جعل قواه خائرة. لم يدع الطبيب يداوي جرحه إلا بعد أن إطمأن على ذلك الجندي الصغير، الذي يحمل عيني زوجته العنيدة و رائحة جسدها. تلك الحمقاء! لم يتركها تبعد عن ناظريه لحظة، فقد يمكن أن تقتل أو يصيبها مكروه. هذه اللعينة! كاد يقتلها لولا أن رأى عينيها. لكنها أصابته بسهمها. أنهكت جسده و عقله و قلبه و روحه.. لكم يحبها و يكرهها في نفس الوقت! لكم أثبتت له أنه ضعيف أمامها. كان الطبيب يداوي الجرح النازف و يقول شيئاً عن إرتفاع حرارته و تلوث الجرح و الحمى و ...

"و ماذا يا شهرزاد؟ أكملي!!" " لقد صاح الديك.." "تباً لذلك الديك سأقتله!!!" "مولااااي😜"

السلطان المملوكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن