صباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوه
مضى عامانِ يا أمّيعلى الولدِ الذي أبحر
برحلتهِ الخرافيّهوخبّأَ في حقائبهِ
صباحَ بلادهِ الأخضروأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسهِطرابيناً منَ النعناعِ والزعتر
وليلكةً دمشقية..أنا وحدي..
دخانُ سجائري يضجرومنّي مقعدي يضجر
وأحزاني عصافيرٌ..تفتّشُ -بعدُ- عن بيدر
عرفتُ نساءَ أوروبا..عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ
عرفتُ حضارةَ التعبِ..وطفتُ الهندَ، طفتُ السندَ، طفتُ العالمَ الأصفر
ولم أعثر..على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر
وتحملُ في حقيبتها..إليَّ عرائسَ السكّر
وتكسوني إذا أعرىوتنشُلني إذا أعثَر
أيا أمي..أيا أمي..
أنا الولدُ الذي أبحرولا زالت بخاطرهِ
تعيشُ عروسةُ السكّرفكيفَ.. فكيفَ يا أمي
غدوتُ أباً..ولم أكبر؟
صباحُ الخيرِ من مدريدَما أخبارها الفلّة؟
بها أوصيكِ يا أمّاهُ..تلكَ الطفلةُ الطفله
فقد كانت أحبَّ حبيبةٍ لأبي..يدلّلها كطفلتهِ
ويدعوها إلى فنجانِ قهوتهِويسقيها..
ويطعمها..ويغمرها برحمتهِ..
.. وماتَ أبيولا زالت تعيشُ بحلمِ عودتهِ
وتبحثُ عنهُ في أرجاءِ غرفتهِوتسألُ عن عباءتهِ..
وتسألُ عن جريدتهِ..وتسألُ -حينَ يأتي الصيفُ-
عن فيروزِ عينيه..لتنثرَ فوقَ كفّيهِ..
دنانيراً منَ الذهبِ..سلاماتٌ..
سلاماتٌ..إلى بيتٍ سقانا الحبَّ والرحمة
إلى أزهاركِ البيضاءِ.. فرحةِ "ساحةِ النجمة"إلى تختي..
إلى كتبي..إلى أطفالِ حارتنا..
وحيطانٍ ملأناها..بفوضى من كتابتنا..
إلى قططٍ كسولاتٍتنامُ على مشارقنا
وليلكةٍ معرشةٍعلى شبّاكِ جارتنا
مضى عامانِ.. يا أميووجهُ دمشقَ،
عصفورٌ يخربشُ في جوانحنايعضُّ على ستائرنا..
وينقرنا..برفقٍ من أصابعنا..
مضى عامانِ يا أميوليلُ دمشقَ
فلُّ دمشقَدورُ دمشقَ
تسكنُ في خواطرنامآذنها.. تضيءُ على مراكبنا
كأنَّ مآذنَ الأمويِّ..قد زُرعت بداخلنا..
كأنَّ مشاتلَ التفاحِ..تعبقُ في ضمائرنا
كأنَّ الضوءَ، والأحجارَجاءت كلّها معنا..
أتى أيلولُ يا أماهُ..وجاء الحزنُ يحملُ لي هداياهُ
ويتركُ عندَ نافذتيمدامعهُ وشكواهُ
أتى أيلولُ.. أينَ دمشقُ؟أينَ أبي وعيناهُ
وأينَ حريرُ نظرتهِ؟وأينَ عبيرُ قهوتهِ؟
سقى الرحمنُ مثواهُ..وأينَ رحابُ منزلنا الكبيرِ..
وأين نُعماه؟وأينَ مدارجُ الشمشيرِ..
تضحكُ في زواياهُوأينَ طفولتي فيهِ؟
أجرجرُ ذيلَ قطّتهِوآكلُ من عريشتهِ
وأقطفُ من بنفشاهُدمشقُ، دمشقُ..
يا شعراًعلى حدقاتِ أعيننا كتبناهُ
ويا طفلاً جميلاً..من ضفائره صلبناهُ
جثونا عند ركبتهِ..وذبنا في محبّتهِ
إلى أن في محبتنا قتلناهُ...