~ابتسامتي الغالية~

731 43 76
                                    

••

الشتاء..
في وضح النهار بحيٍ هادئ شبه مهجور !

حيث تقف تلك البُرعم المُتفتح ذات الثالثة عشر ربيعاً إلى جوار سياج الباحة الشبكي ، تكتسي ثوبها المدرسي حاملةً محفظتها الثقيلة خلف ظهرها ، متيبسةً ليست تبدي أي تعبيرٍ بمحياها الفتي كأن الزمن توقف محيطها بل انتهت الحياة بعينيها ؟!
مرت متسللةً حوَليها على الرصيف ريحٌ زوبعية كما هيَ حال تلك السَهوك التي تجوب ذاتها الخاوية المقفرة حينما انتصبت شعيرات جسمها بآنٍ واحد !
ومن دون أي حسٍ يثبت بقائها متشبثةً بقيود الحياة رمش جفناها مغمضَين لبُرهةٍ مرت بها سنين عدة

عشرة أعوامٍ بدت لنا وكأنها طرفة عين ، ولكن الوضع مختلفٌ تماماً بالنسبة لبُرعمنا التي كبُر صغرها وأشتد عودها وبرزت لنا بعد فتح أعيُنها زهرةً يافعةً فتية بذروة ريعان شبابها
قد وهبها خالقها حُسناً وجمال

بشرةٌ صافيةٌ قمحية وشعرٌ أسمر بخصلاتٍ متناثرة ، أكثر ما يميز محياها هوَ وبجل تأكيد تلك المقلتين الذهبيتان المحصورتين داخل أهدابٍ كثيفة أضافت لعيناها بريقاً فريداً عن غيرها ، كذلك تمتلك ابتسامةً هادئة برغم عدم تبسمها سِوى نادراً
لكن شعاع جمالها لم يكتمل فشجنٌ عميقٌ يسكن وجهها ، كذا جسدها الهزيل جداً ينمُّ عن أرق النوم بالسرمد ، أو سوء تغذيةٍ ربما ؟!!
معطفها الشتوي ذا الشكل الجديد يجبرك لأن تحسب بل وتتيقن أنها ليست تنتمي إلى هذا المكان الفقير مطلقاً !

قد تبدل الزمن بعد مرور عقدٍ كذلك هوَ الحال لدى الواقفة موقعها بسكون
رفعت يدها ممسكةً بالسياج لتدخل أناملها بفتحاته ذات الشكل الرباعي وسمرت مقلتيها تجاه منزلها المتواضع البسيط هيئةً والثري بما يحويه من مشاعرٍ سامية من ودٍ خالص ومحبةٍ فائضة

خطت بعد ذلك خطاها لتلج الباحة الترابية المفروشة بثلجٍ ناصع والخالية سِوى من بقايا أُرجوحةٍ إعتادت قضاء أوقاتً مرحة على كرسيها الصغير!
من الجيد أن هطول الثلج قد أخذ استراحةً قصيرة سامحاً لها بالعودة للمنزل وإلا لما تمكنت من القدوم ، كما أنها آملةٌ بقاء الوضع على ما هوَ عليه ، فآخر ما تبغيه هوَ هبوب عاصفةٍ تحتجزها وتقيد حريتها 

خرجت تلك التنهيدة الدافئة من فاهها إلى الصقيع على شكل بخارٍ ضبابي وتوارت خلال جزءٍ من الثانية !
قد خنعت أنفاسها المُتكدسة لمخافة إقتراب لحظةٍ انتظرتها لدهور ، ووجدت نفسها تقف متذمرةً معاتبةً حلمها المتأخر الآتي بوقتٍ غير مناسب ، بل وقد فاتته محطة قطار السعادة مما دفعه إلى اللحاق به متأخراً ! ، ولكنها سَهَت كلياً عن عدم مقدرته على القدوم في زمنٍ أبكر من ذلك بسبب انتظاره لنداءٍ يقينٍ منها شخصياً ؟!

لم ترسو سفينة مشاعرها المُتأججة على ميناء السكون ولم تجد من الهواء ما تطعم به رئتيها المتضورة جوعاً للأُوكسجين حد الفناء !
ليست تخاف دخول عشها الحميمي ولا تخشى ما سيحل بعدها من أحداثٍ وأقاويل ، كذا ليست قلقة بشأن تأثير ذلك على نفسها التي كــَلَمتها ذكرياتٌ عشوائية على حين غرة كما اعتادت مباغتتها دائماً
نفت شعورها بالجزع ولم تتفهم ما وراء الموج المتلاطم بأحشائها ؟ ، وإن لم تفقه هيَ ما يجوب خُلدها فكيف سنقوم نحن بفهم موقفها !؟

ما تبقى من بسمتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن