ملامح من قدري

79 7 1
                                    

بكاء طفل على احد ابواب ميتم، والليل الحالك يحيط الارجاء، برد لاسع تقشعر له الاجساد ، رضيع لم يتجاوز الاشهر من عمره، موضوع في سلة قش مهترئه ومثقوبه من كل جانب، مغطى بقطعه من القماش المتسخ الذي لا يمكن ان تقي شيئا من برد هذا الشتاء القارس...
أُم تبكي وزوجها يحتضنها بين ذراعيه محاولاً بيأس طمأنتها ولكن كيف؟؟...
الام تقول ودموع الألم والحرقة ابنها تنهال بقوة: ارجوك عزيزي دعنا نعد ونأخذه معنا، سأفعل اي شئ، ارجوك لا استطيع تركه وحده هنا...
الزوج مجيبا وقلبه محتقن بالالم على طفله الرضيع ويشد بيده على كتفها: اعلم عزيزتي ولكن من اين لنا ان نربيه، او حتى أن نحميه، لقد سمعتي ما قاله المرابين لنا اليس كذلك؟! انهم ينوّن خطفه وقتله في حال لم نسدد ديننا، ارى ان تركه بالميتم ومعرفه انه على قيد الحياه، فذلك سيكون أهون مليون مره علي من تركه يموت امامي على يد قتله...
صوت بكاء الام يرتفع اكثر فأكثر: شينو ارجوك لا تكرهنا مهما حصل، ارجوك عندما تكبر ابحث عنا، اريد ان اضمك واشم ريحك العطرة هذه مره اخرى، فأنت قطعه من قلبي... ارجوك بني عد إللي...
ثم قامت ويداها ترتجفان بوضع رساله بجانب الطفل، وذهبا مسرعان بعد دق الباب عده مرات بقوه...
احدى البنات العاملات بالميتم تصرخ متفاجأه بعد أن فتحت الباب: يا اللهي رضيع هنا؟!!
آنسه راني... آنسة راني تعالي بسرعه، هناك رضيع ملقى امام الباب...
هبت الانسه راني مسرعة لحمل الطفل محاوله تهدئة بكاءه الصارم، ثم قالت بغضب: يا اللهي ما اقصى قلوبهم، يتركون طفل لا يبدو انه تجاوز الشهرين من عمره هكذا، بالفعل انها نهايه الدنيا...
كارلا اشعلي الحطب علينا تدفئه هذا الطفل بسرعه وابعثي ماريو الى اي صيدليه لشراء حاجات للطفل، من حليب وغيرها...
كارلا مجبيه بتأهب: حاضر آنستي..
بعد ذلك قامت الآنسه راني برفع السلة بيدها اذ بها ترى الرساله ...
مرت تقريبا عشر سنوات منذ ايجاد الطفل على الباب، صراخ بالخارج عند الباحه الاماميه للميتم: هيا شينو ما الذي تنتظره مرر الكره لساري...
شينو يفكر بإستراتيجيه لاختراق دفاع الخصم وتسجيل الكرة: ساري ليس اكثر شخص مناسب في ذلك الموقع ليسدد، لذا علي الانظار قليلاً بعد وفي حال لم يتناسب أحد مع الموقع للتسجيل، عندها سأختراق الدفاع بنفسي وأسجل من الزاويه اليمنى، حيث أنها أكثر من متاحة لادخال هدف...
وبعد أن انتظر لوهلة، ولم يقم أحد ممن معه بالفريق بتغيير مواقعهم، أقدم هو حينها على الانطلاق مسرعا وتخطى الجميع بسرعه مذهله ، وعندما وصل المنعطف الايمن سجل الهدف بالفعل...
صراخ (ياي احرزنا هدف الفوز)
ساري معاتبا: اعلم انك سجلت الهدف واننا فزنا، ولكن كان من الممكن فعلها لو مررت لي ايضا الا تظن انك اناني قليلا؟؟
شينو مجيبا بتعالي: لو كنت اراك ستسجل بالفعل لكنت اعطيتها لك، وايضا لم يجبرك احد على الانضمام لفريقي فكما تعلم الجميع يريد ان يكون معي وبفريقي لانني دوما افوز(ضحكه تكبر) لذا لا تلمني على تحسين لعبكم، فهمت؟؟
السيده راني تصرخ من داخل حجرة الميتم: يا اولاد كفاكم لعباً بالخارج حان الوقت لتدخلوا وتستحموا وتأكلوا...
دخل الجميع مسرعاً الا ان شينو بقي بالخارج لفترة أطول يلعب بالكره والسعاده تغمر قلبه كلما لامست قدمه، وكأن جزء منه يخاطبها، كان الأمر أشبه بصداقة بينهما (اي الكرة وشينو)، بعد ذلك خرجت السيده راني لتكلم شينو وهي مبتسمه وقالت له: شينو الهذه الدرجه تحب كره القدم؟؟
شينو معانقا لراني ويقول لها: احبك اكثر منها، واجل انا احبها كثيرا، اشعر انني اريد ركلها طوال النهار، ومع ذلك لن اشعر بالملل ابداً، بل املّ عندما لا اللعب بها...
السيده راني تثني ركبتيها وتنظر اليه قائله وهي تلعب بشعره الناعم الاسود الطويل: يا لك من طفل جميل وموهوب، ارى بخضار عينايك ملاعب كبيره ستفتح يوما امامك، لذا انتبه لنفسك، ولا تثقل على كاهلك اللعب أكثر من اللازم فأنت مازلت صغيراً اما الان فالنذهب للداخل عزيزي، هناك مفاجأه تنتظرك...
شينو ينظر بسعادة الى السيدة راني ويشد فستانها متسألاً : حقا حقا وما هي ارجوك؟؟ اخبريني؟؟
السيده تضحك وتقول: فور ان ندخل، وننتهي من كل شئ، ستعرف ما هو، اتفقنا؟..
وبعد ان استحم جميع الاطفال وتناولوا طعامهم، كان الميتم قد جهز لهم تلفاز ليسليهم، فسعد الاطفال كثيرا لهذا، وما ان فتحوا التلفاز، حتى قامو بتقليب قنواته كثيرا، لم يلفت نظرهم شئ الى أن عثروا على قناه رياضيه تعرض مباره حقيقيه لمنتخبين محترفين، ملئ البريق عينا شينو وهو يشاهد اللاعبين وهم يركلون الكره بينهم، اعجبه كل شئ رأه امامه، اذ بسوبارو حارس أمن الميتم يقول: انظر الى هذا اللاعب جيداً يا شينو، انظر اليه الان كيف سيسجل، يا اللهي انهم بالفعل محترفون من الطراز الرفيع، ولكن لم لا يسجل، اه لقد ضيعها الاحمق...
نظر شينو الى العم سوبارو وسأله: هل تعرف جميع اللاعبين هنا؟؟
نظر سوبارو اليه، وقال مبتسماً: تقريبا نعم، فكل شخص له اسم شهره بين الناس، فمثلا ذلك اللاعب يسمى بالغزال الاسمر لسرعه جريه، اما الواقف بالميمنه، فيلقب بالقدم الحديديه لان ركلاته لا تخيب الا ما ندر، والكابتن هو من يرتدي تلك الشارة على ذراعه وهو يلقب بالمثقاب، لانه يخترق اي دفاع امامه....
كان شينو يستمع الى ما يقوله سوبارو وهو اكثر من مستمتع، ثم وقف امام التلفاز وصرخ بعلو صوته مفاجأً الجميع: انا سأكون هيرو..
نظر الاطفال اليه وقالو له: هي شينو ابتعد من أمام التلفاز فنحن نريد ان نشاهد المباره لا حماقتك...
ثم كرر قالاً بثقه: اقسم بأنني سأصبح بطل اللحظات الاخيرة بالمباراه، لذلك لقبي سيكون هيرو... أسمعتم؟
نظرت السيده راني اليه نظرة إدراك لمستقبل مشع، شعرت بخفقان قلبها المتسارع بعد سماعها لكلامه، ثم وضعت يدها على قلبها وقالت: شينو، هلا اتيت معي للحظه عزيزي؟
خاف شينو من أن السيدة ستعاقبه لما فعل فقال بتوتر: ارجوك لا تعاقبيني صدقيني لم اقصد ان ازعجهم الامر فقط انني تحمست قليلا ليس الا...
راني مبتسمه: لا تخف لن اعاقبك اعدك، ولكن هناك شئ علي أن أريك اياه...
تعجب شينو ولحق بها الى الغرفه، رأها تفتح صندوقا قديما، وتخرج رساله، وتقول له: تعال الى هنا، اجلس بجانبي...
شينو متسائلا بإستغراب: ولكن ما هذه يا سيده راني؟؟
راني والدمعه على عينها تقول: انها رساله لك من والديك...
شينو يصرخ: ماذا ؟؟من والداي؟؟ ولكن اليسا ميتان و لذلك انا هنا؟؟ اذا كان هناك رسائل منهم اذن اين هما؟؟
راني تربت على رأس شينو وتقول له: اهدء عزيزي ارجوك، سأقرأها لك حتى تعلم ما يحدث...
(شينو صغيرنا وطفلنا العزيز، نحن آسفان لترك في هذا الميتم، نعلم انه لا يحق لنا حتى ان ننادى بوالدين على فعلتنا هذه بك، ولكن صدقنا نحن نحبك اكثر من نفسنا، الا ان الظروف الصعبه اجبرتنا على تركك هناك، لم يكن لدينا المال الكافي لاعالتك، ولا حتى لانقاذك من مصائب الدنيا، لذا ارجوك عش حياتك سعيدا وسامحنا، نعلم انه لا يحق لنا طلب هذا الامر منك ولكن ارجوك، يوما ما ان استطعت، فالتبحث عنا، لاننا دوما سنشتاق اليك، وسنحبك دوماً، مع آسفنا الشديد والداك..)
اشتعلت الدموع في عيون شينو، لم يدري ما يقول، فقط ظل ممسكا نفسه من ان يبكي بصوت عالي حتى لا يراه الاولاد الاخرون...
عانقته راني بشده، واخبرته بأن كل شئ يسير بخير وانه يستطيع ان يبكي، لان حتى أعظم الرجال يبكون وقت الشدة..
بعد مرور ست سنوات، اصبح شينو بعمر السادسه عشر، شاباً ذو وجه حسنً وعيون واسعة خضراء، طويل القامة وبجسد رياضي لائق، هذا الشاب الناضج قد قرر ان يترك الميتم أخيراً ليحترف الكره، ويوم وداعه ليذهب للسفر خارجاً الى ايطاليا، أخرجت راني قلادة من عنقها وقالت: خذ هذه القلاده ابقها قريبه من قلبك دوما لانها ستحميك، وستذكرك بي وبأصدقائك هنا، أعلم انك تريد ان تحترف الكره وتصبح مشهورا ليسهل علبك البحث عن والداك، ولكن صدقني انها ليست مهمه سهله، حيث ستواجه العديد من العقبات وستيأس حين وتنسى هدفك حينا اخر، لذا اينما كنت وحينما يساورك الشك امسك هذه القلاده وافتحها، وستتذكر هدفك وما تسعى لاجله، اتفقنا...
عانقته عناق قويا، ثم همست له بأذنه: أنا لم أرزق يوماً بإبن، ولكنني شعرت دوماً انك ابني وقطعه من روحي، لذا ارجوك هيرو (مناديتاً اياه باللقب الذي يحلم به) اعتني بنفسك جيداً بني، أحبك...
نظر إليها شينو قائلاً والدموع تنهمر من عيناه رغماً عنه: أنت هي أمي صحيح أنني أبحث عن والداي، الا أنك كنت وستظلين عائلتي وأقرب إنسانة على قلبي، أحبك أمي...
ودع جميع من بالميتم شينو، وعانقوه كما لو أنه لن يعود، ثم ومن العدم قال له الجميع بصوت واحد قوي: عد الينا يوماً ما يا يا ... بطل اللحظات الاخيرة... يتبع

بطل اللحظات الاخيرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن