باطل - قصة قصيرة - جمال القواسمي

70 2 3
                                    

(إهداء إلى المصوِّر الجميل محمد الجبالي/غزة )

الشاب الذي يحبُّ الحياة رأى ابتسامة مصطنعة عابرة ترتسم على وجه فتاة تبحث عن لقطة مهمة أو شخص مثير تحبسه في كاميرتها الحديثة. كم ودَّ الشاب أن يعاتبها ويقول لها: لي في ذمتك عشر نظرات وقُبلة السلامة على جبيني ولكِ في ذمتي حياة أبذل عمرها وأنا اعتني بأحلامك وأطفالك، لكن الفتاة أعرضتْ عنه، فسقط الشاب دركاً سفلياً في بحرِ غيرِ المهمِ من الحياة.

قرفص في منتصف الشارع. بدا للناس الذين يحبونه انه وجد الحياة فائضة في تلك اللحظة أكثرمما ينبغي وأطول مما ينبغي. صرخ الناس فيه: باطل، باطل، باطل عليك. كلُّ مَنْ في الشارع أحسُّوا انه يريد ان ينتحر، وأرادوا أن يحقِّقوا كلَّ أحلامه لئلا يفقدوه. تدافعت النسوة بالصراخ، والرجال الباطلون عن العمل والطلاب الجوعى والباعة المتعبون وأوقفوا جميعهم حركة السير والمارة، ورتَّبوا المشهد حول الشاب الجميل، الذي طمع ببعض الاهتمام واستسلم لضحكات فاضت من كيانه المتعب وقد انهالت عليه تكَّات احناكهم وطرقعات أصابعهم وفلاشات عيونهم وهم يلتقطون له الصور بكاميرات غيرمرئية. وحدها الفتاة التي تحمل كاميرة حديثة، التي انتبهتْ متأخِّرة بمقدار قصة حبٍّ رومانسية، التقطت له صورة فعلياً، وهو وحده مترِّبع كبدوي يبحث عن ماء بسمتها وكلأ رضاها، لا توقفه حدودٌ ولا يقتله محلٌ، فابتسم ابتسامةرضى ولا أحلى، والناس تتزايد كأنَّ لا اعمالَ ولا وظائف لهم، حتى ظهر من بعيد شرطي السير، الذي يعمل كديك بلدي بستمائة صيحة بالشهر، فقد تذمَّر واحتج وكاكَ: ..

لاينفع هذا الكلام. السيارات يجب أن تمرُّ، يجب أن أنظِّم السير وأخلق أزمات المرور وأديرها وأخالف الناس، يجب أن تحدث بعض حوادث السير، يجب أن تنشأ أزمات مرورية خانقة؛ بعدقليل، يجب أن تصل سيارات الإسعاف لانقاذ بعض الناس أو لا تصل بتاتاً لتحمل الغيوم أرواحهم. أعينوني على تلك الصحفية المزعجة التي تلتقط رزقها من فضائح المجتمع وعيوبه بتعرفة قدرها عشر نظرات مقابل الصورة الواحدة، أعينوني واعيدوا الحركات للحروف والناس والسيارات، أعينوني يا جيش الباطلين عن العمل بإزاحة ذلك الشاب الباطل عن العمل عن الشارع، يأتي كل يوم ويُضحك الناس بأحلامه، ويثير فيَّ خوفاً خفياً من فقدان وظيفتي وهيبة زيِّي، وينهي أزمات السير بضحكاته المتمردة ووجهه الفوتوجينيك وشغفه بتلك الصحفية ذات الابتسامة المصطنعة العابرة التي تبيع الصورة الواحدة بعشر لقيمات مغمَّسة بالتعب والغبار وصيد الفرص.

30-01-2013

جمال القواسمي / القدس

من المجموعة القصصية، 'ذلك هو بيتي'، الصادرة عن قدس ارت عام 2013

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jan 24, 2014 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

باطل - قصة قصيرة - جمال القواسميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن