* صحيح أني غير قادر على المقاومة ولكن لن أصبح كما تريدون
أصعب مأساة قد يعيشها الإنسان على الإطلاق هي أن يحبَّ في صمتٍ، أن يحبَّ وهو عاجز عن البوح بل إنه لا يعرف إلى ذلك سبيلا، تُغلق في وجهه جميع المنافذ و المسالك و تصبح حياته مليئةً بالمهالك، حتى و إن حاول فتح ثغرة للأمل في الاعتراف وجد نفسه بين نارين، نار الدوس على الكبرياء و الكرامة حين يعبّر عن الحبّ، و نارًا ثانية تكون نتيجة الأولى، فالعاشق إن اعترف ربما يخذله المعشوق فيعيش سجنًا داخليًّا بين الحنين و الذّكرى التي تتعب الذاكرة و تُكسر الرّوح إلى شظايا مُشتتة، و تصير نفسه مصدعة، و قلبه دامٍ لا يتوقف عن النزيف فلا يعرف للرَّاحة عنوانا، مشكلة كتمان الحبّ أنه يقود صاحبه نحو الهوس ثم الهلاك، يتجلَّى له المحبوب في كلّ الأشياء و يَظهر له في كلّ الصور، يتقمص بدل الأربعين شبيهًا ما لا نهاية من الأشباه، و النتيجة الحتمية إن لم يتوقف عن هذا الإدمان سعادته و تعاسته تصبح بيد غيره و يصير سجينا غارقا في جروحه لا يملك سبيلا للخلاص.
-------
الأعياد دوّارة... عيد لك وعيد عليك . إنّ الذين يحتفلون اليوم بالحبّ ، قد يأتي العيد القادم وقد افترقوا... والذين يبكون اليوم لوعة وحدتهم... قد يكونون أطفال الحبّ المدلّلين في الأعياد القادمة . علينا في الحالتين أن نستعدّ للاحتمال الآخر !
يوم كان العشّاق يموتون عشقًا، ما كان للحبّ من عيد. اليوم أَوجد التجّار عيدًا لتسويق الأوهام العاطفيّة، غير معنيّين بأنّهم بابتداع عيد للحبّ يُذكّرون غير العشاق بخساراتهم، ويقاصصونهم بفرح الآخرين. إنّه في الواقع أكثر الأعياد تجنّيًا !
كم أصبحت مخيفة سرعة الأيام !
سرعة النفاذ . كل شيء بات يتغير سريعا . ينتهي أسرع . أماكن نودعها . وذكرى تبقى عالقة .. بأذهاننا .
أماكن كانت لنا يومًا ، تمتلئ زواياها بأنفاسنا ، تُحيط أشياؤنا بجدرانها .كنا نسكنها وباتت تسكننا .
لم نتخيل أن يومًا ما ستهجرها أصواتنا وستخلو من بقايانا وحتى من ذكرانا.
فهي جدران ليس لديها حنين ولا تشعر كما نشعر بالفقد .
وهي ستحوي أناسًا غيرنا .
نذهب ويأتي غيرنا يحتلّ تلك الأماكن .
هل سيتذكرون يوما من كان يسكنها ؟
عن نفسي لم أرٙ شيئًا إلّٙا وخطرت ببالي تلك الفكرة، كلما شاهدت بقايا أشياء كان لها في الماضى رونق .
قطعة الروبابكيا أتور يوما كانت لها بريق .
ترى من كان يملكها !
تلك الصورة تشبه الدنيا . نسكنها يوما .
ونرحل ، وتتوالى بعدنا أجيال إلى أن تُمحى ذكرانا .
أو حتى اسمًا يذكره أحفاد أحفادنا .
نرحل وتستمر الحياة ..
كم هى رخيصة جدا الحياة ليست غالية كما يقولون
لو أدركنا حقا تلك المعنى "لا شيء باقٍ أبدا " .
------
مرّت أشهر وهي تكابر، تنتظر أن يهزمه الشوق ويطلبها. في انتظار دقّة هاتف منه نسيت أن تعيش. ثم، بدأت تراه يموت حقًا، وكذلك رقم هاتفه.
الأرقام تموت بموت الإحساس بأصحابها. تموت عندما تبدأ أرقام ذلك الرقم الهاتفي الذي كنّا نحفظه وننسى رقمنا، بالتساقط الواحد تلو الآخر من شجرة الذاكرة، لتترك مكانًا لأرقام خضراء أخرى معلنة بداية ربيع حبّ جديد. لكنّ قلبها كان يأبى أن يغادر الشتاء، ويتشبّث بأوراق الماضي الصفراء، كان مازوشيًّا!
إذًا، ستشرع بإعلان الحرب على كل ما يتشبّث به قلبها من أصفاد، بدءًا بجهاز الهاتف الذي أهداه إليها. لا تريد هاتفًا ثمينًا لا يدقّ، بل هاتفًا بسيطًا يخفق، الأشياء الفاخرة تنكّل دائمًا بأصحابها. ما نفع موسيقى الدانوب الأزرق التي غدت تؤذيها حدّ البكاء؟ تريد سماع رنّة عاديّة، قلبها، لا الهاتف، من يعزف سمفونية لسماعها. عليها أن تتخلّص من كلّ شيء كان جميلًا، وكانت ذكراه الأغلى على قلبها.
في الحبّ، كلّ هبة مكيدة، وكلّ شهقة فرح، هي مشروع تنهيدة، وكلّ رقم هاتفي يحمل من المكر بعدد أرقامه.
تلك الأرقام التي تأبى يدك أن تطلبها، وترفض ذاكرتك أن تنساها.
---------
كانت فكرة موتها الحقيقيّ امتحانًا فاضحًا لعشقي إيّاها. فأنت لا يمكن أن تدرك مدى حبّك لشخص، إن لم تتمثّل محنة الغياب، وتتأمّل ردود فعلك، وأحاسيسك الأولى أمام جثمانه.
إنّها فكرة لأحدهم، تعلَّمت منها أيّام الاغتيالات وموت الرفاق، أن أحبّ من حولي بطريقة أجمل، كأنّي أراهم كلّ مرّة لآخر مرّة.
يوم رحت أختبر وقع موتها الحقيقيّ عليّ، كدت أموت حقًّا. تسارعت نبضات قلبي، وفاجأتني حالة اختناق وضيق في التنفّس ظننتها ستودي بي. طلبت رقمها، ثمّ قطعت الخطّ لأتأكَّد أنّها على قيد الحياة. كنّا في قطيعة طويلة، غير أنّي عندما استعدت أنفاسي حقدت عليها. كان يمكن للموت أن يختلسني في غفلة منها وتواصل بعدي تبذير كلمات ضنّت بها عليّ في حياتي.. لتشيّد بها صرح ضريحي في رواية.
" عابر سرير "
" لا أنتَ غائبٌ فأنتظرك ...
ولاَ أنتَ معي فألقـاك ! "
--------
هو لم يقل سوى «كيف أنتِ؟» وهي قبل اليوم لم تكن تتوقّع أن يربكها الجواب عن سؤال كهذا.
وإذا بها تكتشف كم هي رهيبة الأسئلة البديهيّة في بساطتها، تلك التي نجيب عنها دون تفكير كلّ يوم، غرباءَ لا يعنيهم أمرنا في النهاية، ولا يعنينا أن يصدّقوا جوابًا لا يقلّ نفاقًا عن سؤالهم.
ولكن مع آخرين، كم يلزمنا من الذكاء، لنخفي باللغة جرحنا؟
بعض الأسئلة استدراج للشماتة، وعلامة الاستفهام فيها، ضحكة إعجاز، حتى عندما تأتي في صوت دافئ كان يومًا صوت من أحببنا.«كيف أنتِ؟».
صيغة كاذبة لسؤالٍ آخر. وعلينا في هذه الحالات، أن لا نخطئ في إعرابها.
فالمبتدأ هنا، ليس الذي نتوقّعه. إنّه ضمير مستتر للتحدّي، تقديره «كيف أنت من دوني أنا؟».
أمّا الخبر.. فكلّ مذاهب الحبّ تتّفق عليه.
من الأسهل علينا تقبّل موت من نحبّ، على تقبّل فكرة فقدانه، واكتشاف أنّ بإمكانه مواصلة الحياة بكلّ تفاصيلها من دوننا.
ذلك أنّ في الموت تساويًا في الفقدان، نجد فيه عزاءنا.
-----
" وأنتَ خارج حدود الرّوح تَدفعني للجنون . . وأنتَ في داخلها تقتلنِي شوقًا. .
ماذا أفعل وغزال روحي مُولعٌ بصحرائِك ! "
------
أثناء دفاعنا عن الحبّ، غالبًا ما نرتكب في حقّ من نحبّ أخطاءً لا تُغتفر. نقول كلامًا جارحًا عكس الذي نودّ قوله. نهدّد بما ندري أنّنا لن نُقدم عليه. ندّعي قيامنا بما لم نفعل.
أمام الخوف من الفقدان، أو تحت تأثير نيران الغيرة، لا عاشق يشبه نفسه. وبقدر قوّة الحبّ يكون عنف العاشقين.
أنت تعذّب الآخر لأنّك تتعذّب به. وأنت تتعذّب به لأنّك ما زلت تحبّه. وكان أسهل أن تقول له هذا. لكنَّك تجد نفسك تقول له العكس تمامًا لتؤلمه.
وبرغم ألمه وعذابه بك سيقلب اللعبة ويُعطيكَ إحساسًا أن لا شيء ممّا قلته آلمه. وحينها يصبح هدفكَ أن تُدميه، فتقول كلامًا يُدميك أنتَ، وتندم عليه. وسيردّ عليك بما يتركك تنزف لأيّام.. بينما هو ينزف بكَ على الطرف الآخر!
أمام هذه العواطف الفوّارة المدمّرة لكلا العاشقين يصبح الفراق نوعًا من الموت الرحيم.
أنت تقرأ
كلمات عن الكبرياء والكرامة
Romanceكلمات عن الكبرياء اتمني من الله ان تكون خفيفة علي قلوبكم