داخل احدى الكواكب البنفسجية وفي أعماق محيطها الأزرق الصافي ..
- نابلو ؟ ، تعال يا بُنَيّ ! .
همست الأم بتلك الكلمات منادِيةً ، فلم تُرد إزعاجَ الجيرانِ نظراً لوجودِ الصدى في كل مكان ، هبط المدعو 'نابلو' للطابق الأرضي والذي تواجدت به والدته ببطؤ لينظر إليها حانياً رأسه فتهتف هي قائلة بذات النبرة:
- مينريت لم تعد منذ الساعة التسعين ، حدثتُ الجيران لكنهم لم يروها ، لذلك تعلم .
أخفضت برأسها الذي بدأت تجاعيد الزمان بالتكون عليه ليعطيها شكلاً يمكن القول أنها بالأربعين من عمرها ، أحاط نابلو بها ليبعد خصلات شعرها البنية جاعله يتهاوى ببطء مع الهواء الثقيل المحيط بهم .
أومأ لها مبتسماً ليسرع باتجاه باب منزلهم الخشبي وينظر من خلال العين السحرية ، لكن تلك الأم القلقة قد سحبته من كتفه معاتبة وبهمس تقول بينما تخرج قماشاً أسود وتحيط عينيه بها:
- كم مرةً نبهتك بأن ترتديها عندما تخرج ؟ ، تعلم أن النجومَ لن ترحمك ان رأت عينيك ! وأنك لن تسلم منها .توقفت عن الحديث عندما انتبهت إلى علو صوتها فتتلفت حولها بقلق ثم تعيد بنظرها نحوه فتكمل بهمس:
- أعتمد عليك في إعادةِ مينريت ، وأكرر !، لاتنظر إلى قلب النجوم .أومأ بتفهم لينطلق لخارج المنزل ، قليلاً حتى خرج من الدار ، يمكنه رؤية كلِ شيء وبالطبع سيفعل لأنه الآن في مكانٍ اتخذت تلك النجوم جميلة المرأى هذه المنطقة مأوىً لها ، أزهار الزنبق هنا وهناك بينما كل نجمة قد غاصت قليلاً أسفلها لتجعل من نفسها سراجاً لمن حولها ..
قدماه تخطو على طبقة من الماء الأزرق القاتم ذو مذاقٍ حلو صافٍ ، كانت الحياةُ حياة في هذا المكان ، فوقك سماءٌ مزهرة بورود الياسمين وأسفل تلك الطبقة هاوية لا نهاية لها مع وجود العديد من النجوم هناك .
نابلو يبلغ من العمر أحد عشر عاماً وهو الأخ الأكبر لمينريت حيث كانت هي ذات الست سنوات بشعرٍ كستنائي قصير وعيون سماوية ، سار بطلنا بين منطقة النجوم وتعداها بسلام ، توقف مكانه للحظة ، رفع القماش عن عينيه قليلاً فتلتفت جميع النجوم تلك نحوه وقد ظهرت أفواهها المسننة ، شعر بها تحدق به بل وتخترقه ليعصب عيناه مجدداً ويكمل طريقه فتتوقف عن التحديق به وتعود لما كانت تفعله .
بعد بحث طويل عن مينريت بشكل صامت فقط عدة همسات ولَجَ إلى غابة كثيفةِ الأغصان ذات أشجارٍ بنفسجية ليتوَغَّلَ فيها فيسمع صوتاً لضحكاتِ طفلة صغيرة ، اقترب من المكان أكثر ليجد مينريت أختُه الصغرى تلهو برفقة عددٍ من النجوم مرتديةً عصبةَ العين وتجري خلفهم ! .
كان من الواضح أن النجوم تسخر منها وتحاول استدراجها ، نابلو يراقب بقلق وبعد ثوانٍ قرر أخيراً الخروج من مخبئه ليتمتم بتلك العبارات على صيغة لحن:
أنت تقرأ
نجومٌ متوحشة
Short Storyمُرغَمون على عصب أعيننا عن تلك النجوم المتوحشة ، لا يجدُرُ بكَ معرفةُ السببِ حتى ، لأنهم سيلتهمون روحكَ إن أمعنت النظر إلى قلوبهم المشعة . كُتبت سنة 2017. © جميع الحقوق محفوظة.