هورجل في نهاية الثلاثينات من عمره تغلف ملامحه السمراء هالة من الهدوء و الوقار و تكسو ذقنه لحية غير منتظمة لم يحلقها منذ اسبوعين او اكثر،عيناه الغائرتان في محجرهما تلمعان بلون ذهبي ممزوج بدكنة القهوة على ضوء الانارة العامة.محتوية عالما آخرعامر بالفوضى الساكنة.
خرج من المسجد بعد الانتهاء من صلاة الفجرمع ثلاثة من رفاقه ، وتوجه معهم و هُم في غمرة أحاديث مرحة لا يخلو منها الضحك لم تعكس المدفون بين جنبات صدره إلى متجر صغير قريب من حيه ليشتري جريدة اليوم و يتوجه لاحقا الى متجرالمواد الغذائيه كعادته حتى يتسوق علبة حليب وبسكوت الشوكولا لطفليه.
كان الحال مظلما و لم تبقى له سوى بضعة أرباع الساعة ليشرق بنور الشمس و يحين موعد ذهاب أسامة إلى عمله. لذلك ودع رفاقه على عجل واسرع خطاه عائدا للبيت.
اخذ مجلسه المعتاد أمام نافذة المطبخ يستنشق بعمق عبق سيجارته لتولج لأعماقه و تخلق له سكينه مؤقتة تُوقف ارتعاش أطراف أنامله الممسكةبالجريدة والتي لم تحتوي سوى أخبار تحطم المعنويات مع بداية الصباح الباكر .قتل, انتحار, سرقه ,اختلاس ,اغتصاب و ارهاب.
شدته تلك المقالة التي تذكر بالخط العريض قتل سبعة ارهابيين بجبال منطقه قريبة و مصادرة أسلحتهم من قبل الجيش...ابتسم بسخرية رافعا حاجبه الذي كان مقصوصا في المنتصف بسبب ندبة ارتسمت على جبينه و مرت على طرف عينه لتزين وجنته سمراء البشره بخط عريض شوه البعض منها.
تنبه من شروده عندما وضعت زوجته فنجان القهوة السوداء المرة كما يحبها بقربه. وضع الجريدة جانبا على الطاولة واطفأ سيجارته بعنف على سطح النافذة الاسمنتي رمقته زوجته بطرف عينها بصمت مستنكرة فعله ثم انضمت إليه ألى الطاولة تضع قطع البسكوت في صحن صغير مع كعك إسفنجي أعدته مساء البارحة لاجله لكنه لم يقضم منه قضمة لا ذاك المساء و لا هذا الصباح.
همست سائلة بعدما رشف من فنجانه في شروده المعتاد:(هل ستطلق لحيتك مجددا؟) لم تكن تنظر إليه كانت تخاف النظرة التي يرمقها بها حتى لولم يكن يقصد ذلك فذاك التشوه جعل منعينه كابوسا لمن لم يعتد رؤيتها و مع انها قضت معه عشر سنوات إلا أنها ماتزال لا تفهمه فهو كالجماد بالنسبة لها أومعها فقط لربما لأنها تعرف خلفيته ،خلفيته السوداء و السبب خلف تشوه جانب وجهه الايسر. مد يده اتجاهها في بطء ورفع وجهها لتنظره،قال مبتسما وغامزا بتلك العين المرعبة لها:(أعلم من أنا فلا يهمني ما سيفعلونه.)
تفاجأت من قوله وفعله،تساءلت مع نفسها و هي تراقبه يرتشف القهوة و ينظر للشمس التي تطرد ظلمه الليل: هل حان ميعاد التغيير؟هل انتهى سجنهم؟هل سيعشون كأسرة عادية؟هل عاد اسامة الملقب ذات يوم ابوالبراء لسابق عهده؟ كما عرفته منذ طفولتهما الشقية.و كأنما استشعر نظراتها التي تتوهج بأسئلهكثيرة،رمقها في حنو وأجاب كأنه مدرك لما يدور في خلدها(:عاد ابو البراء يا منى...لكن...) رفع سبابته مشيرا الى راسه ليكمل:(لكن بتفكير جديد.)
انعكست اشعة الشمس على زجاج النافذه المفتوحة لتزيد من توهج أركان المطبخ و توقض هيجانا النار المذهبة في عينيه البندقيتين و كأنما أعلنت عنتأييديها لقراره بمنحه مزيدا من الامل فخلف كل ظلمة هناك ضياء...
تنهد أسامه مستغفرا لقد قرر أنه سياخذ أخر قبلة من سيجارته هذا الصباح و يطلق لحيته السوداء المتمازج كحلها مع البني والرمادي الذي اقتنصبضعة شعيراتها.سيقوم بإجراء العملية على تشوهه ليتجنب نظرات الناس المستفهمة والتي تعيد له الذكريات القاتلة.سيزور طبيبا نفسيا لأجل كوابيسه التيتمنع زوجته من النوم لصراخه الدائم كلما هاجمته و مزقت طمأنينته ما يجعله يفرغ جام غضبه عليها.سيرتدي اللباس الاسلامي مجددا دون خوف.و سيعودلبلدته مع أسرته الصغيرة دون ترقب لاي هجوم على بيته الصغير،لن يهرب مجددا،لا مِن مَن يسمنوهم الجيش و حافظوا الامن و لا من اؤلائك الذين يسمونانفسهم جنود الله...سيعيش دون كذب..سيعود بحلة جديده...بدل السلاح سيحمل مصحفه...بدل القتل سيحيي انفسا...بدل سماع كلامهم لاجل الجنة سيعيشكما يعرف..لانه يعلم السبيل للنار...وسيتجنبه..بدل الخوف من تهديدات اولائك الجواسيس بعد ان تخلى عنهم...سيعيش كما يريد...
لأنه ببساطة أدرك أن رفع راية الإسلام لن تكون بزهق الأرواح،فمن قتل نفسا كأنما قتل الناس جميعا،و أدرك ببساطة أن دينه الإسلام لا يحقلأي شخص أن يحدد له حدوده التي تناسب اهدافه.سيعود ليحيا بعدما مات طويلا...
دون ارهاب الناس
دون ارهاب زوجته
دون ارهاب نفسه
دون ارهاب......
خربشات نجم