-2-

26 3 2
                                    

صعدت سطح المنزل في مساء اليوم التالي وانا ارتجف من الخوف والتوتر ، ربما ما سأقوله الآن ليس صائبا كالعادة ولكنه سيكون الافضل ، و الاكثر راحة .

المشكلة لم تكن بماذا سأتمنى ، او الخوف من كونها الأخيرة ، او ان اخسر كل شئ .

المشكلة بأنني لا استطيع العودة للخلف وإصلاح الأمر  ولا حتى ان اترك السنة تبدأ بلا امنية فهذا سيزيد الامر سوءا .

أحسست بيدها على ظهري ورأسها المتكئ على كتفي، كانت تشهق باكية ، وكأنها تعلم بماذا سأقول .

" ما بك تبكين ؟  "

" لا شئ " اجابت بصعوبة بنبرتها المهتزة اثر البكاء.

" إذا لماذا تبكين ؟"

" عدني بأنك إن كنت ستظهر ذرة حب ولو بشكل كاذب ستقوم بتمني ما اريد "

" وماذا ان لم تكن امنية جيدة ؟"

" لا تجادل ، فقط اجبني بنعم او لا "

" لا اعلم ، اخشى بأنه شئ صعب "

"أعدك بأنك لن تندم ولو للحظة في حياتك " قالت واثقة وهي تمسح دموعها بكفيها .

" و لكنها ستكون الأخيرة!"

" أعلم جيدا ماذا سيحدث بعدها "

" تبدين وكأنك تخبئين شيئا "

" لا ، عدني هيا " قالت وهي تنتظر الجواب متمعنة في عيناي .

" حسنا اعدك "

"جيد "

" ماهي ، لم يتبقى لنا سوى دقائق معدودة "

همست ماتريده في أذني بصوت خافت وكأن هناك من يسمعنا ، ولكنني شعرت بالخوف قليلا و التوتر بشكل كبير من تنفيذ ما تريده .

" أأنت واثقة ؟"

" كل الثقة "

" ولكنني استصعب الأمر " قلت مبررا وانا امسك بكلتا يداها الصغيرتان .

" ستعتاد على هذا وسيصبح الامر افضل "

" لست مطمئنا ابدا "  

" هيا ،ثلاثة ، اثنان ..." قامت بالعد التنازلي بينما اخذت انا نفسا عميقا بشكل غريب وكأنني كنت سأبكي بشدة .

ولكنها كانت الامنية ذاتها ، ذاتها التي كنت أفكر بها قبل ان تتليها لي ، لذلك قررت ان اقولها مواجها العواقب .

" واحد ..الآن" اكملت العد بينما اغمضت عيناي بقوة.

" بعيدة كالسماء ..
فوق قمة جبل شامخ
فلا تستطيعين النزول
ولا استطيع الصعود "
بقيت صامتا وهادئا لثوان قليلة حتى احسست ببعض من النسيم البارد على وجهي ، ففتحت عيناي ببطء وأنا انظر حولي ، لقد .. اختفت !

لم اعد اشعر بلمسة يدها على ظهري ولا برأسها على كتفي ، لم اعد ارى وجهها الذي يشع بريقا حين تنظر نحوي .

فقد كانت تحبني بقوة كما تمنيت ، وناسيا بأن للحب الحقيقي طرفان .

وها قد عدت وحيدا ، بلا مزيد من الأمنيات .

لمحت بريقا لامعا في السماء القاتمة ، فوجهت نظري نحو الأعلى لأرى ألعابا نارية تضيؤها بشتى الألوان ، بينما شعرت بأحدى دموعي التي جرت بسرعة نحو وجنتي الباردة .

فها هي ايضا لعنتي التالية !

' ان احب شخصا غير موجود في هذه الحياة ابدا '

ولكنها كانت معي منذ دقائق قليلة ، ولهذا هي ارادت هذه الأمنية وبدت واثقة منها ، لأنها كانت تعلم بوجود
لعنة أخرى ، والتي بإمكانها ان تجعلني اقع في حبها الذي لم يكن سابقا ،ولهذا هي ارادتها بشدة وهذا ما قصدت حين قالت بإن كنت اريد ان اظهر لها ذرة حب ولو بشكل كاذب سأقوم بقول أمنيتها ، فهي ارادت ان اقع بحبا بشكل حقيقي بعدها .

---------------------------

امسكت بحجر آخر ورميته بطول يدي نحو بحيرة الماء الصغيرة ، فهذا هو المكان الذي الجأ إليه حين احتاج لراحة نفسية، دقائق صمت ، او حتى وقت صغير للتفكير وتنظيم مشاعري المتخبطة .

فهي الآن قد رحلت وتركتني لأعاني وحدي ، ولكنها قد اختارت الأفضل .

نظرت مرة أخيرة لذلك الصخر التذكاري الذي صنعته كذكرى لها في هذا المكان الذي ازوره كل يوم قاصدا الجلوس بجوار ذكراها والبكاء بصمت وإخبارها عن معاناتي كل يوم .

" بعيدة كالسماء ..
فوق قمة جبل شامخ
فلا تستطيعين النزول
ولا استطيع الصعود "
قرأت ما كتبت على ذلك الحجر الكبير مرة اخيرة ثم تركت وردة البنفسج بقربه وابتعدت بهدوء .

بعيدة كالسماء ..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن